واشنطن - لم تكن سوريا بأي حال غريبة عن الأنشطة غير المشروعة. فقبل وقت طويل من اندلاع الحرب الأهلية فيها، أدت حدودها دور المضيف للعصابات الإجرامية والجماعات المسلحة والقبائل البدوية، التي كانت جميعها تهرّب كل شيء من السلع المقلدة والسجائر إلى الوقود والمواد الغذائية وحتى الكوكايين والعملة المزورة والحشيش والمخدرات والسلاح. وقد شهدت هذه التجارة تقلبات بين مد وجزر، اعتمادا على عوامل مثل القدرة المحلية على إنفاذ القانون وسهولة الإنتاج، والإتجار ومستويات العرض والطلب.
وقد أدى اندلاع الحرب الأهلية المستمرة منذ 13 عاما إلى زيادة النشاط غير المشروع. فالاقتصاد الذي مزقته الحرب، إلى جانب توفر الفرص لتوطيد النفوذ وهوامش الربح على المستوى الصناعي الواسع، خلقت مجالا أمام الجهات الفاعلة غير المشروعة كي تعزز مصالحها. فالحرب الأهلية في البلاد وشبكات المحسوبية والقبلية المحلية والطلب المتزايد على الإيرادات البديلة، كلها عوامل أعدت المسرح لازدهار هذه التجارة السرية.
غير أن سوريا أمست في السنوات الخمس الأخيرة، واحدة من أكبر مراكز إنتاج المخدرات غير المشروعة والإتجار بها في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط. ويشير التحليل الأخير للمضبوطات إلى أن سوريا تحتل المرتبة الأولى كبلد منشأ للمنشطات غير المشروعة من نوع "الأمفيتامين" (كبتاغون)، الذي بات صناعة مزدهرة تقدر قيمتها بـ10 مليارات دولار، وتمتد عبر منطقة البحر الأبيض المتوسط والخليج.
بالإضافة إلى ذلك، سُجل ارتفاع حاد في تهريب "الميثامفيتامين" عبر سوريا، مما يشير إلى أن البلاد يمكن أن تكون سوق عبور بارزة ومرشحة محتملة لتوسيع الإنتاج. كما أن مخدرات أخرى مثل الحشيش والكوكايين والترامادول والهيروين توزعها أو تنتجها شبكات إجرامية تتخذ من سوريا قاعدة لها.
فرص لمد النفوذ
وقد بدأت هذه الأنشطة غير المشروعة تؤثر إلى حد كبير على الديناميات السياسية والأمنية والاقتصادية داخل سوريا. وتزامن الارتفاع في شبكات الإنتاج والإتجار على طول الحدود السورية- الأردنية، مع زيادة في أعمال العنف والترهيب والاشتباكات العنيفة مع أفراد المجتمع المحلي- بالإضافة إلى ما أثارته العمليات المتنقلة عبر الحدود من توترات مع دول العبور مثل الأردن. كما أتاحت المشاريع الإجرامية أيضا لبعض الجهات الفاعلة داخل سوريا فرصة لزيادة نفوذها، وتمكنت هذه العصابات- عبر توسيعها للتجارة غير المشروعة- من بناء قاعدة للسلطة وعقد تحالفات مع الجهات الفاعلة الرئيسة وممارسة السيطرة الإقليمية، وحتى استخدام عملياتها كأداة مساومة عند التفاوض مع الخصوم.