السودان... قصة سرقة مجوهرات الملكة أماني شاخيتو

جرح مفتوح منذ القرن التاسع عشر

shutterstock
shutterstock
أهرامات مروي في صحراء السودان.

السودان... قصة سرقة مجوهرات الملكة أماني شاخيتو

تعرّض السودان بعد الحرب التي اندلعت في الخامس عشر من أبريل/ نيسان 2023 إلى أكبر سرقة لتراثه الثقافي، فقد رصدت صور الأقمار الصناعية أن عمليات نهب واسعة طالت مطلع هذا العام الآثار الموجودة في "متحف السودان القومي"، وأظهرت تلك الصور دخول هذه الشاحنات إلى جمهورية جنوب السودان. وكذلك طالت عمليات نهب الآثار "متحف بيت الخليفة" في أم درمان الذي يتضمن مقتنيات أثرية نادرة تعود الى فترة الدولة المهدية، نهاية القرن التاسع عشر، و"متحف نيالا" في ولاية جنوب دارفور الذي يضم آثارا وتراثا قيما كذلك.

يضم "متحف السودان القومي" مجموعات أثرية نادرة تشمل تماثيل من القرانيت للملوك الكوشيين العظام مثل تهارقا، ومقتنيات ذهبية وبرونزية وحديدية وخشبية وجلدية ولوحات جدارية وأسلحة ومنحوتات، وأواني وأدوات زينة وغيرها، تمثل فترات مختلفة للحضارة السودانية منذ العصور الحجرية القديمة ما قبل التاريخ مرورا بممالك كرمة ونبتا وكوش إلى الفترات المسيحية لممالك المقرة وعلوة وسوبا في السودان.

تراث مادي فريد

فالسودان يزخر بآثار فريدة لا مثيل لها في العالم أجمع، والممالك التي تعاقبت فيه بدءا من كرمة ثم نبتا وانتهاء بمملكة كوش التي ذاع صيتها وعمت شهرتها الآفاق كإحدى القوى العظمى في العالم القديم، تركت لنا تراثا ماديا قلما يجود به الزمان. ولكن مما يحز في النفس أن السودان على مدى تاريخه الطويل ظل يتعرض لعمليات نهب لآثاره النفيسة التي تحكي عن عظمة الأجداد ولا تقدر بثمن، وإلى وقت قريب فإن أيدي الطامعين ظلت تمتد إلى هذه الآثار، فمن منا يصدق أن مدخل المتحف البريطاني في لندن تزينه 6 كباش من مملكة كوش، ومن يتخيل أن أجمل النقوش في أهرام مروي قد قُطّعت بدقة ثم نقلت لتعرض في واجهات المتحف البريطاني في لندن، ومن يعرف أن بعض المصوغات الذهبية الرائعة أخذتها إحدى البعثات التي لا تمت إلى العمل الآثاري بأي صلة في وادي العلاقي (وادي الذهب) شمال السودان قبل سنوات قليلة.

هذا قليل من كثير. إلا أن واحدة من أكبر عمليات نهب الآثار التي تعرض لها السودان قد حدثت في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وهي تمثل إحدى أضخم عمليات نهب لتراثنا الثقافي على مر العصور بعد عمليات النهب التي طالت الآثار في السودان أخيرا.

من منا يصدق أن مدخل المتحف البريطاني في لندن تزينه 6 كباش من مملكة كوش، ومن يتخيل أن أجمل النقوش في أهرام مروي قُطّعت بدقة ثم نقلت لتعرض في واجهات المتحف البريطاني في لندن

تعود هذه القصة إلى عام 1830 أثناء فترة الاحتلال التركي المصري للسودان حين وصل إلى السودان جوزيبي فيرليني Guiseppe Ferlini أحد المغامرين المرتزقة، وهو طبيب إيطالي شاب ولد في مدينة بولونيا بإيطاليا في 24 أبريل/نيسان 1797. وقبل أن يحط الرحال في السودان، عمل في اليونان ثم مصر ومنها أتى الى السودان كطبيب حربي لجيش الاحتلال، وأثناء دخوله إلى السودان مر على أهم المواقع الأثرية في مروي ومصورات الصفرا والنقعة وود بانقا.

Wikipedia
لقطة مقربة لستيل تُظهر الكنداكة المروية أماني شاخيتو بين الإلهة أمي سيما والإله أبيدماك، في ميونيخ، متحف الدولة لفنون مصر القديمة.

عمل فيرليني في البداية في سنار ثم كردفان وأخيرا نقل إلى الخرطوم، ولم تمض فترة قصيرة على عمله في الخرطوم حتى قرر ترك الخدمة عام 1834 ليقدم طلبا لحكمدار عام السودان خورشيد باشا للسماح له بإجراء حفريات أثرية معللا طلبه هذا بأنه يودّ تقديم بعض المساهمات المفيدة للكشف عن تاريخ السودان القديم، وبعد حصوله على إذن الحكمدار خورشيد باشا، شد الطبيب جوزيبي فيرليني الرحال شمالا وبدأ أولى حفرياته بالقصر الملكي في ود بانقا ثم سلك وادي العواتيب متجها شرقا إلى النقعة، وهناك قام أيضا ببعض الحفريات عرج بعدها إلى مصورات الصفرا.

لم يصب فيرليني هدفه الذي كان يرنو إليه في البداية في الحصول على كنوز أثرية كغيره من المغامرين الأوروبيين الذين نشطوا في تلك الفترة في وادي النيل خصوصا مصر واستطاعوا أن يبيعوا الآثار التي نهبوها للمتاحف الأوروبية في إيطاليا وفرنسا وبريطانيا ويلجوا بذلك باب الثراء السريع الذي طالما كانوا يصبون إليه.

الهرم رقم 6

أخيرا وصل جوزيبي فيرليني إلى مروي (المقصود هنا مروي عاصمة مملكة كوش حيث توجد المدينة الملكية والمدافن الملكية "الأهرام" وهي تقع على بعد 200 كيلومتر شمال الخرطوم وأربعين كيلومترا شمال شندي بالقرب من كبوشية في المنطقة التي تعرف الآن باسم البجراوية)، وهناك أصيب الرجل المتطلع الى الثراء السريع بخيبة أمل عظمى في البداية، إذ أنه لم يوفق في الحصول على شيء عند إجرائه بعض الحفريات الاختبارية في حطام المدينة الملكية في مروي وبعض الاهرام الصغيرة هناك. عندها قرر هذا المغامر القيام بمحاولته الأخيرة فاختار أحد الأهرام الكبيرة الذي كان أجملها مظهرا وأحسنها حالا، ولا ندري فلعل القدر وحده قاده إلى اختيار الهرم رقم 6، وهو هرم الملكة أماني شاخيتو التي تعتبر من أشهر الملكات على مر تاريخ السودان (كان هذا الهرم ولا يزال من أجمل الأهرام عمارة، وهو مشيد من الحجر الرملي، ويتكون من 64 درجا، وبلغ ارتفاعه آنذاك نحو الثلاثين مترا).

shutterstock
المتحف الوطني السوداني في الخرطوم.

استأجر فيرليني أربعة عمال من سكان القرى المجاورة الذين باشروا العمل تحت توجيهه المباشر في تفكيك الهرم من القمة. ثم جلس هو مع رفيقه الألباني أنطوني ستيفاني Antoni Stefani في ظل أحد الأهرام المجاورة تاركا خادمه في قمة الهرم ليراقب العمال الأربعة. وتعكس رواية فيرليني الأصلية المترجمة من اللغة الإيطالية نزعته الأنانية وعقليته العنصرية الموغلة في التطرف، كما تكشف عن الأسلوب الهمجي والبربري الذي انتهجه في التعامل مع هرم الملكة أماني شاخيتو. تقول تلك الرواية كما يرويها فيرليني نفسه: "بينما كنت أخلد للراحة، ناداني خادمي المخلص. عند ذاك نهضت ورفيقي مهرولين بسرعة. في تلك اللحظة امتلأ قلبي بآمال سعيدة في تجربة مثيرة وسارة. صعدنا الهرم بسرعة فوجدنا الخادم يرقد على بطنه فوق السطح المكشوف مغطيا فتحة تم الكشف عنها. وجدنا الزنوج يريدون أن يسحبوا خادمي جانبا حتى يستطيعوا أن يصلوا الى تلك الفتحة فأجبرناهم على النزول من قمة الهرم تحت تهديد بنادقنا، ثم أرسلنا خادمنا للحصول على عمال جدد أكثر أمانة، وبعد احضارهم تركناهم يواصلون العمل في حضورنا...

تعكس رواية فيرليني نزعته الأنانية وعقليته العنصرية الموغلة في التطرف، كما تكشف عن الأسلوب الهمجي والبربري الذي انتهجه في التعامل مع هرم الملكة أماني شاخيتو

الفتحة المكشوفة كانت عبارة عن كتل حجرية موضوعة على شكل دائري سمحت لنا في البداية برؤية معتمة للتجويف ومحتوياته. أمرنا العمال بإزالة الكتل الحجرية الضخمة الموازية للمدرجات الخارجية. مساحة الحجرة على وجه التقريب نحو ستة أو سبعة أقدام مربعة وارتفاعها خمسة أقدام. أول ما رأيناه للوهلة الأولى جسم كبير الحجم مغطى بقطعة قماش بيضاء من الكتان، وقد تفتت هذا الجسم إلى شقائق صغيرة بمجرد لمسه. تحته انبثق لنا سرير خشبي على شكل تابوت من أربع أرجل تستند على أربع دعامات مصقولة دائرية الشكل، وعلى جانبي السرير قطع عديدة منحوتة من الخشب. تحت هذا التابوت وجدت فازة برونزية تحتوي على أشياء ملفوفة بقطع قماش بيضاء من الكتان. وعلى أرضية الحجرة مباشرة بعد الفازة ترقد قطع من الزجاج الملون اللامع والأحجار الكريمة منظومة على شكل سلاسل. كانت توجد أيضا تمائم أو تعاويذ، تماثيل، علبة معدنية، خزائن مدورة صغيرة، منشار، ميتدة، مطرقة ذات رأس خشبي، وأشياء أخرى عديدة... جمعت كل هذه الأشياء التي عثرت عليها وحزمتها في حقيبة جلدية، وبهذه الطريقة أخفيت الذهب من العرب...

عندما أسدل الليل أستاره وعاد الزنوج إلى أكواخهم، أتينا بالأشياء التي عثرنا عليها الى خيمتنا. وفي تلك الليلة بعد أن استسلم جميع الخدم والعبيد لسبات عميق جلست أنا ورفيقي وأخرجت الأشياء الثمينة من الحقيبة الجلدية وقمت بفحصها ونفسي تمتلئ بسعادة غامرة. أعجبت أيما إعجاب بتلك الحلي الذهبية، وعندما تبينت من كميتها تحققت أنها تتجاوز كثيرا ما أعرفه عن حجم الموجودات المماثلة المنتشرة في متاحف أوروبا كلها. شعرت أن الحجارة المنحوتة والمنقوشة لا تماثل فقط أعمال الإغريق وإنما تتفوق عليها". انتهت رواية جوزيبي فيرليني.

Alamy
كنز الملكة أماني شاخيتو.

واصل فيرليني تفكيك هرم الملكة أماني شاخيتو فوجد أثناء عمله قطعا من حبل مصنوع من جريد النخيل ومطرقة خشبية في كسار الحجارة، من الواضح أن البناة نسوها أثناء تشييدهم الهرم. وبعد خمسة عشر يوما من العمل المتواصل تم الكشف عن مخبأ صغير في منتصف المسافة وبداخله وضع إناءان برونزيان. عشرون يوما استغرقها العمل حتى أصبح ارتفاع الهرم في مستوى غرفة النذر Votive chamber، لكنها لم تقد الى اكتشافات جديدة.

قام فيرليني بنشر كتيب عن أعماله تلك ودليل يحتوي على تفاصيل الكنز باللغة الإيطالية في بولونيا عام 1837. وفي عام 1838 تم عمل ترجمة فرنسية لهما في روما. وكان فيرليني يرمي في ما كتب الى لفت الأنظار الى الكنز الذي في حوزته. سمع لودفيغ الأول ملك بافاريا بعد كتابات فيرليني بهذا الكنز فاشترى جزءا منه عام 1840، وأضاف بذلك تسعين قطعة أثرية الى المتحف الملكي في ميونيخ (الآن متحف الدولة للفن المصري).

رحلة ليبسيوس

في عام 1842 بينما كان عالم الآثار الألماني كارل ريتشارد ليبسيوس Karl Richard Lepsius يستعد لرحلته الاستكشافية لوادي النيل مكلفا من حكومة بروسيا، سمع بقصة هذا الكنز وعلم أن ما تبقى منه لا يزال موجودا في حوزة وكيل لفيرليني في لندن، فاقترح ليبسيوس أن يتم شراء هذه القطع الأثرية لمتحف برلين ووجد اقتراحه هذا تأييدا من سفير بروسيا في بريطانيا لكنه قوبل بالتجاهل من حكومة بروسيا في البداية.

Alamy
كنز الملكة أماني شاخيتو.

كان ليبسيوس مقتنعا بأهمية هذه المجوهرات وكان على يقين تام بأنها قطع أثرية أصلية حينما شك الكثيرون في أصالتها. وقد ظلّ كثر من علماء الآثار متحفظين تجاه هذه القطع الأثرية لبعض الوقت إلى أن أثبتت دراسة ليبسيوس للأهرام في مروي أن هذه الشكوك لا أساس لها من الصحة.

احتفظ المتحف المصري في تورينو بإيطاليا بنسخ طبق الأصل من بعض قطع المجوهرات ونموذج لهرم الملكة أماني شاخيتو صنعه فيرليني بنفسه

في رحلته الأولى لمروي كتب ليبسيوس يوم 28 يناير/ كانون الأول 1844 في يومياته ما يلي: "بعد وقت قصير من غروب الشمس وصلنا إلى البجراوية (مروي)، وفي الحال انطلقت بالحمير وفي صحبتي أبيكين Abeken في اتجاه الأهرام التي ترقد على ربوة صغيرة يمكن رؤيتها من القرية التي تقع على ضفة النهر.

عندما وصلنا هناك كان الضوء الوحيد المتاح هو ضوء القمر. أخذنا معنا ربان المركب إبراهيم، ثم لحق بنا عاملنا الجديد إبراهيم بالرغم من أن كليهما لم يكن متحمسا لهذه الجولة الليلية. عدد من الأهرام كان قد دمر بالكامل وبعضها دمر جزئيا. لم يكن بين هذه الأهرام هرم واحد سلمت قمته من الدمار.

Wikicommons
نقش يُظهر الملكة أماني شاخيتو واسمها بالهيروغليفية المروية، من الهرم 6 في مروي، في المتحف المصري ببرلين.

أرانا عاملنا إبراهيم الذي كان قد عمل مع فيرليني المكان الذي تم العثور فيه على الكنز وذلك في أحد الأهرام المفككة، فنشاطات فيرليني التخريبية كانت لا تزال عالقة بالذاكرة. أراد عثمان بيه الذي كان جنوده متمركزين بالقرب من الموقع أن يحصل على صيد ثمين هو الآخر فأرسل عددا من محاربيه الذين قاموا في غمرة البحث المستعجل بتخريب عدد كبير من الأهرام. لا يزال كل الناس مبهورين بالكنز الذي عثر عليه فيرليني، ونتيجة لذلك فإن عددا كبيرا من الأهرام قد تم تدميره. وفي الخرطوم لا يزال الناس يتحدثون عن فيرليني والكنز، وكثير من الأوروبيين والأجانب حتى حكمدار عام السودان أحمد باشا أبو ودان لم تفارق أذهانهم فكرة البحث عن كنوز أهرام مروي. حاولت توضيح أن ما عثر عليه فيرليني كان بمحض الصدفة وحدها لأنه وجد المجوهرات الذهبية في مكان لا يخطر ببال بشر على عكس ما يعتقد الإنسان أنها توضع في غرفة الدفن مع الميت كما كان يفعل قدماء المصريين. بذلت مجهودا أيضا لإقناع عثمان بيه بهذا فكان أن أعطاني جنوده لأدير عملية هدم الأهرام بحثا عن الذهب، وبالطبع رفضت ونجحت أن أثنيه عن هذا الأمر، لذا فقد سلمت بقية الأهرام من الدمار وانسحب أولئك الجنود من غير أن يدمروها". انتهت رواية كارل ريتشارد ليبسيوس.

Wikipedia
مدخل المتحف المصري في تورينو، إيطاليا.

بعد دراسة عميقة للأهرام ونقوشها المزخرفة، تأكد ليبسيوس بما لا يدع مجالا للشك من تاريخ الكنز ومن ثم الأهمية البالغة له. كتب في رسالة منه إلى حكومة بروسيا بتاريخ 22 يناير/كانون الثاني 1844: "نقوش الهرم تظهر أنه في الزمن الذي بني فيه لم يكن الناس على دراية واضحة باللغة الهيروغليفية، وكان تكرار استعمالهم لها مجرد زخارف تقليدية من غير أن تعني شيئا، حتى أسماء الملوك كانت متداعية في الغالب. لفترة طويلة أعاقني هذا من التعرف على أهرام الملوك الثلاثة الذين بنوا المعابد الرئيسية في النقعة وود بانقا ووادي تميد، ولكن بلا شك فإن هؤلاء الملوك ينتمون إلى فترة لامعة من مملكة مروي. أصبحت واثقا الآن من أن الهرم ذا غرفة النذر ذات القبو الروماني الذي وجد فيرليني الكنز المخبأ بين حجارته يخص الملكة القوية المولعة بالحرب (افتراض ثبت في ما بعد أنه خاطئ) والتي تظهر في النقعة تتزين بحليها الثمينة وأظافرها الحادة التي يبلغ طول الواحد منها بوصة. الكنز الذي وجده فيرليني يضطلع الآن بأهمية عظمى لتاريخ الفن المروي كونه يخص أعظم ملكات مروي التي بنت كل المعابد في المنطقة التي صمدت في وجه الزمان إلى الآن، وهذا يعطي ذاك الكنز الثمين مكانة متميزة في التاريخ، لذا فإن شراءه لمتحفنا يعتبر كسبا جليا". انتهت رسالة كارل ريتشارد ليبسيوس لحكومة بروسيا.

أدّت رسائل ليبسيوس الغرض المطلوب، ففي نهاية عام 1844 تم شراء الجزء المتبقي من الكنز لمتحف برلين الملكي (الآن متحف الدولة في برلين). وفي عام 1913 تم شراء أربعة أختام ذهبية من ورثة فيرليني.

ربما يحين يوم ما لينهض السودان مع البلاد الأخرى المنهوبة لاستعادة كنوزها الأثرية المنهوبة من أوروبا وأميركا

احتفظ المتحف المصري في تورينو بإيطاليا بنسخ طبق الأصل من بعض قطع المجوهرات ونموذج لهرم الملكة أماني شاخيتو صنعه فيرليني بنفسه بالإضافة إلى بعض المجوهرات التي من المحتمل ألا تكون جزءا من الكنز الأصلي.

Wikipedia
المتحف المصري في تورينو، إيطاليا - مجموعة عالمية من القطع الأثرية المصرية.

بين المتاحف

في عام 1929 تم تبادل بعض القطع بين متحفي برلين وميونيخ مما أدّى لأن تكتسب كل مجموعة تمثيلا متكاملا للأنواع العديدة من القطع. وعندما جاء أوان وضع مقتنيات متحف برلين في مكان آمن بعد نشوب الحرب العالمية الثانية، فكر مسؤولو المتحف في توزيعها على عدة أماكن آمنة، لذلك فإنه من حسن الحظ أن أكثرية الكنز قد حفظت. اختفى صندوق واحد فقط وظهر سوار ذهبي كان من محتويات هذا الصندوق في سوق الآثار الأوروبية عام 1965 عندما قرر متحف برلين إعادة شرائه. أصبح الكنز ينقصه الآن أربعة أسورة ذهبية، وخاتم ذهبي Sheild ring، وأربعة أختام ذهبية Seal rings، وثلاثة تماثيل ذهبية لابن آوى، وخرزة عقيق، وعدد من التمائم والتعاويذ الصغيرة.

Wikipedia
طوق الكتف للملكة أماني شاخيتو من مروي، في المتحف المصري ببرلين.

يبدو من تفاصيل هذا الكنز أن تلك الحلي كانت عبارة عن زينة طقوسية أو أنها صنعت للأغراض الجنائزية، ومما يدلل على هذا أن بعضها لم يلبس إطلاقا، وكذلك لم تظهر هذه المجوهرات في النقوش التي تصور الملكة أماني شاخيتو في مدخل الهرم رقم 6، وهذه دلالة أخرى على الأهمية البالغة التي يتمتع بها هذا الكنز النادر.

جوزيبي فيرليني هذا دخل التاريخ من أسوأ أبوابه واتخذ التسمية السيئة الصيت وسط علماء الآثار وهي ناهب الأهرام Pyramids plunderer. وما فعله فيرليني قليل من كثير في حق هذا البلد وتاريخه ومقدراته وكنوزه الأثرية من تحطيم ونهب منظم. وحتى الآن تكتنز متاحف أوروبا للآثار والبيوتات التي تتاجر في التحف والكنوز الأثرية بآثارنا القديمة، ولك أن تتخيل مدى الخسارة التي ألحقها هذا المغامر وشاكلته من شذاذ الآفاق وضعاف النفوس في تلك الفترات من تاريخ السودان حتى نهب آثار السودان بعد اندلاع الحرب بتاريخ ومقدرات هذا البلد من تدمير للآثار الثابتة والتحف الأخرى من فخار وخزف وزجاج ملون وغيرها ونهب للكنوز الذهبية.

وستقف الحرب بإذن الله، وربما يحين يوم ما لينهض السودان مع البلاد الأخرى المنهوبة مثل تلك التي في أميركا اللاتينية والتي ازدهرت فيها حضارات الأنكا في بيرو والمايا في المكسيك، أقدم وأعرق حضارتين عرفتهما القارة الأميركية، وحضارات الهند وكمبوديا وغيرها، لاستعادة كنوزها الأثرية المنهوبة من أوروبا وأميركا، كما دعت من قبل وزيرة الثقافة اليونانية الراحلة ميلينا ميركوري Melina Mercouri عبر "يونسكو" وأطلقت حملة لاستعادة الآثار المنهوبة إلى بلادها الأصلية.

font change

مقالات ذات صلة