يستعير فيلم "الوقت الذي نقضيه مع القطط لا يضيع أبدا" عنوانه من مقولة طالما نُسبت اعتباطا إلى سيغموند فرويد، بينما هي عائدة حقيقة إلى الكاتبة الفرنسية كوليت.
من النادر أن نصادف تجربة فيلمية بكرا لمخرج تتحقق فيها أبدع المواصفات السينمائية النوعية، إذ من اللافت أن يكون فيلم "الوقت الذي نقضيه مع القطط" هو الأوّل إخراجيّا لمبدعه كلايف ويل من جنوب أفريقيا، الحاصل على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية، بعد أن تدرّج طويلا في التصوير الإعلاني.
ينتصر الفيلم لفلسفة اللونين الأبيض والأسود كاختيار فني لا محيد عنه، فضلا عن التزام إيقاعه آلية البطء، المؤسّسة على بلاغة اللقطة الطويلة التي تذكرنا بأساتذة هذا النوع من الاستغراق المشهدي المفرط، من قبيل المخرج الألماني فريديريك مورنو، والهنغاري ميكلوشيانتشو، واليوناني ثيو أنجيلوبولوس، وصاحب تحفة "حصان تورينو" الهنغاري بيلا تار، أكثر من ذلك يستغرق زمنه ثلاث ساعات على مقاس أفلام ماراثونية لعلّ ألمعها فيلم "نابوليون" للمخرج آبل غاس عام 1927 الممتد خمس ساعات ونصف الساعة، فيما أخطرها هو أطول فيلم في تاريخ السينما "تانغو الشيطان" لبيلا تار عام 1994 ومدته 7 ساعات ونيّف.
أفق دلالي
بدءا من عنوانه اللافت، غير الاعتيادي، الذي يرسم أفقا دلاليا للتساؤل عن طبيعة هذا الاقتباس، ومدى احتمال حكاياته أو وقائعه إضاءة لهذا التوسيم الغريب، وامتدادا لرهان عنوانه على الفرادة، يخالف الفيلم التوقعات الشائعة ما أن نكتشف حوادثه، إذ يخرج عن عروض السينما التي تتقصّد تقديم المحتوى الأفريقي وفق النمط المستهلك، كما يجازف في اعتماد أشخاص لم يسبق لهم التمثيل، مغمورين ينتصبون في قلب كل مشهد كعناصر خام تتشارك مع الأشياء في إنتاج المعنى بالنظر إلى تقشف الفيلم في كلامه، إذ أن الحوارات زهيدة لصالح القوة الجسدية التعبيرية، ولصالح شعرية الصورة، بل إنّ إقناع هؤلاء الأشخاص بالتمثيل لم يكن سهلا بحسب حوارات كلايف ويل، وقد اعترت مغامرته الكثير من المشقة في التجاوب.