جولة بلينكن… محاولة أخيرة لإنهاء الحرب

ثمة جهد كبير يجب أن يُبذل بعد مقتل السنوار

أ.ف.ب
أ.ف.ب
أنتوني بلينكن يلتقي بوزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في لندن، في 25 أكتوبر 2024

جولة بلينكن… محاولة أخيرة لإنهاء الحرب

تهدف أحدث مهمة دبلوماسية مكوكية لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن- والتي من المرجح أنها الأخيرة له قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية الشهر المقبل- ظاهريا إلى بعث الحياة في مفاوضات وقف إطلاق النار الرامية إلى إنهاء العنف في غزة. فقد أحيا مقتل زعيم "حماس" يحيى السنوار الأسبوع الماضي على يد القوات الإسرائيلية بعد تبادل لإطلاق النار في غزة الآمال لدى إدارة بايدن، وعدد من القادة في جميع أنحاء العالم، في استئناف المحادثات بشأن التوسط في وقف إطلاق النار.

وعلّق كل من الرئيس الأميركي جو بايدن ونائبة الرئيس كامالا هاريس على وفاة السنوار بالادعاء بأنها أحيت آفاق السلام. ومما قاله بايدن إنه يعتزم مناقشة "إنهاء الحرب بشكل نهائي" مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بينما أعلنت هاريس أن "وفاة زعيم (حماس) تمنحنا فرصة لإنهاء الحرب أخيرا".

وفي مهمة بلينكن الدبلوماسية المكوكية التي ستكون المهمة الحادية عشرة إلى الشرق الأوسط منذ شنت "حماس" هجومها المدمر على إسرائيل قبل عام، يبدو جليا أن المبعوث الأميركي يأمل هذه المرة في أن تكون هناك فرصة حقيقية لإنهاء الأعمال العدائية قبل الانتخابات الشهر المقبل. ولا ريب في أن مثل هذه الخطوة ستعطي دفعة قوية للمرشحة الديمقراطية، بعد أن كافحت إدارة بايدن لإحراز أي تقدم في الجهود السابقة لتنفيذ وقف إطلاق النار.

إن مزيجا من إصرار نتنياهو على الاستمرار في الهجوم العسكري الإسرائيلي بغية تدمير "حماس"، وامتناع قادة "حماس" مثل السنوار عن التوقيع على اتفاق يسمح لإسرائيل بالحفاظ على وجودها العسكري في غزة، أدى إلى إحباط الجهود السابقة لإنهاء العنف.

وبعد محادثاته مع نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت في القدس، التقى بلينكن أيضا بعدد آخر من قادة المنطقة في محاولة أخيرة لصياغة اتفاق ما.

وقبل وصوله إلى المنطقة، قال جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، للصحافيين يوم الاثنين إن بلينكن يسعى- إلى جانب محاولاته الوصول إلى وقف لإطلاق النار في غزة- إلى الاتفاق على خطة "اليوم التالي" للحكم المستقبلي للأراضي الفلسطينية. ورغم أن بلينكن "يعمل على خيارات اليوم التالي منذ أشهر"، فإن الإدارة ما زالت تحاول صياغة خطة نهائية لغزة: "كيف ستتشكل، وأين ستُنشر، ومن سيديرها؟" كما أوضح كيربي.

من جانبهم، قدم المسؤولون الإسرائيليون مؤشرات إيجابية على أنهم قد يظهرون انفتاحا حيال صفقة شاملة تضم تهدئة الجبهة في جنوب لبنان، وإطلاق سراح الرهائن الذين تحتجزهم "حماس" في غزة والسماح بدخول المزيد من المساعدات إلى الأراضي الفلسطينية.

والحال أن الإسرائيليين تعرضوا لضغوط كبيرة كي يسمحوا بنقل المزيد من المساعدات إلى غزة بعد أن هددت إدارة بايدن في وقت سابق من هذا الشهر بوقف شحنات الأسلحة إلى إسرائيل إذا لم ترَ زيادة ملحوظة في المساعدات المقدمة إلى غزة، حيث تقول وكالات الإغاثة إن المدنيين الفلسطينيين هناك يعانون من نقص حاد في الغذاء والإمدادات الطبية.

رغم محاولات بلينكن الأخيرة لإنهاء القتال في غزة ولبنان، فإن مؤشرات جولته الدبلوماسية الأخيرة تبين أن ثمة جهدا كبيرا يجب أن يُبذل لكي نتوصل إلى اتفاق لإنهاء الأعمال العدائية

ورغم محاولات بلينكن الأخيرة لإنهاء القتال في غزة ولبنان، فإن المؤشرات المستقاة من جولته الدبلوماسية الأخيرة تبين أن ثمة جهدا كبيرا يجب أن يُبذل لكي نتوصل إلى اتفاق لإنهاء الأعمال العدائية.

وقد تركزت محادثات بلينكن مع نتنياهو بشكل رئيس حول مسألة المساعدات في غزة، وقد صرح المبعوث الأميركي بأنه تلقى تطمينات من رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن سياسة إسرائيل لا تتضمن استخدام أساليب الحصار ضد "حماس" في شمال غزة.

ولم تسفر محادثاته اللاحقة مع كبار المسؤولين العرب في لندن عن نتائج حاسمة كذلك. وبعد لقائه برئيس الوزراء اللبناني المؤقت نجيب ميقاتي في لندن، قال بلينكن: "نشعر بضرورة ملحة للتوصل إلى حل دبلوماسي وتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701 بالكامل، لضمان تحقيق الأمن الحقيقي على طول الحدود بين إسرائيل ولبنان".

ومع ذلك لا ينبغي أن نرفع سقف الآمال حول استعداد إسرائيل لقبول صفقة ما، ولا سيما إذا أخذنا في الاعتبار رد نتنياهو المتعنت على مقتل السنوار عندما أصر، في خطاب متلفز للشعب الإسرائيلي، على استمرار الهجمات العسكرية الإسرائيلية.

وفي خطابه، قال نتنياهو: "الحرب، يا أحبائي، لم تنتهِ بعد"، مشددًا على أن القتال سيستمر حتى يتم تحرير جميع الرهائن المحتجزين لدى "حماس". كما أشار إلى الشبكة الإرهابية الأوسع التي زرعتها إيران، والتي تشمل "حماس" و"حزب الله" في لبنان والحوثيين في اليمن، مذكّرا الإسرائيليين: "أمامنا الآن فرصة عظيمة لتفكيك محور الشر وخلق مستقبل مختلف".

وفي مثل هذه الظروف، سيكون على بلينكن أن يبذل قصارى جهده لترتيب وقف لإطلاق النار في الوقت المناسب قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية، حتى لو كانت إدارة بايدن تستثمر قدرا هائلا من رأس المال السياسي في سعيها لإنهاء الأعمال العدائية.

ولكن إسرائيل أكدت تصميمها على المضي قدما في عملياتها العسكرية، عندما شنت، عقب زيارة بلينكن، غارات جوية مكثفة ضد إيران، وأصابت عددا من المنشآت العسكرية الإيرانية الرئيسة.

وبعيدا عن زيارة بلينكن، قام عاموس هوكشتاين، المبعوث الرئيس للإدارة الأميركية لمعالجة شؤون إسرائيل و"حزب الله"، بزيارة لبيروت، حيث التقى رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، وهو محاور رئيس بين الغرب و"حزب الله". وقال هوكشتاين للصحافيين: "إما أن نتوصل إلى حل وإما ستتفاقم الأمور وتخرج عن السيطرة".

وقد جاءت زيارته في الوقت الذي صعدت فيه إسرائيل حملة القصف في لبنان خلال عطلة نهاية الأسبوع، مستهدفة مؤسسة القرض الحسن، وهي مؤسسة تأسست عام 1983، كمؤسسة خيرية رسميا، لكنها تعمل كبنك شبه مصرفي، تقدم قروضا لمؤيدي "حزب الله"، وتزعم إسرائيل أنها تساعد في تمويل العمليات العسكرية لـ"حزب الله".

رويترز
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يلتقي رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبناني نجيب ميقاتي، في لندن، 25 أكتوبر 2024

وردا على ذلك، ورد أن مقاتلي "حزب الله" المدعومين من إيران أطلقوا وابلا من الصواريخ على قاعدة وحدة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السرية 8200 في ضاحية غليلوت في تل أبيب. وهي وحدة سرية للحرب الإلكترونية، وُصفت بأنها "وكالة الاستخبارات التقنية الأولى في العالم" وارتبطت بهجمات أجهزة النداء المتفجرة التي شنتها إسرائيل ضد "حزب الله" في سبتمبر/أيلول.

وبحسب ما ورد فقد ناقشت الحكومة الأمنية الإسرائيلية خطط الرد في نهاية الأسبوع، على الرغم من أن الحكومة لم تصرح عن الإجراء الذي قد تتخذه. واختتم الاجتماع ببيان لم يتحدث إلا عن صفقة محتملة لتحرير الرهائن الذين تحتجزهم "حماس" في غزة.

ومع استمرار الجيش الإسرائيلي في الإبقاء على عملياته في كل من غزة ولبنان، فإن احتمال فتح إسرائيل لجبهة جديدة ضد إيران من شأنه أن يفضي إلى تصعيد أوسع للأعمال العدائية في المنطقة بأسرها. ومن المؤكد أن مثل هذا التطور سيجعل آمال بلينكن في تخفيف حدة التوتر في المنطقة قبيل الانتخابات أكثر صعوبة، إن لم يجعلها مستحيلة تماما.

font change

مقالات ذات صلة