القرار 1559 بعد عقدين

لماذا يتجاهله البعض؟

القرار 1559 بعد عقدين

بعد عشرين عاما على صدوره، عاد الكلام والجدل في لبنان حول قرار مجلس الأمن 1559 الصادر في 2 سبتمبر/أيلول 2004. ومع زيادة وتيرة العمليات العسكرية الإسرائيلية على لبنان، وارتفاع عدد ضحايا هذا العدوان، سارع المسؤولون اللبنانيون إلى المطالبة بتطبيق القرار الأممي 1701 الصادر في أغسطس/آب 2006 والذي أوقف حرب 2006 بين "حزب الله" وإسرائيل أيضا.

بعض المسؤولين اللبنانيين اليوم، وبعد أكثر من عام على اندلاع المعارك أو ما أطلق عليها "حزب الله" "حرب إسناد غزة"، باتوا يطالبون ليلا ونهارا بتطبيق القرار 1701، فيما يتجاهل بعضهم القرار 1559، ويؤجل البعض الآخر الحديث عنه، بينما رئيس مجلس النواب نبيه بري، رئيس "حركة أمل" والحليف المفوض من قبل "الحزب"، يرفضه ويعتبره جزءا من الماضي.

القرار 1559 الذي أثار ضجة في الأوساط اللبنانية والعربية والدولية يوم صدوره، والذي اتُهم يومها الرئيس رفيق الحريري بالوقوف خلفه، تمت شيطنته مرتين.

المرة الأولى لأنه طالب "بالاحترام التام لسيادة لبنان وسلامته الإقليمية ووحدته واستقلاله السياسي تحت سلطة حكومة لبنان وحدها دون منازع في جميع أنحاء لبنان". كما طالب "جميع القوات الأجنبية المتبقية بالانسحاب من لبنان". وهو ما تسبب في غضب النظام السوري وحلفائه، كونه المقصود والمطالب بالانسحاب.

من يذكر الحملة يومها على الحريري- ومن ثم بعد اغتياله- على كل من طالب بتطبيق القرار الأممي، وحتى من جهات حكومية ورسمية، يظن لوهلة أن القرار يدعو لدخول جيوش أجنبية إلى لبنان لا إلى خروجها، أو أن القرار يقوض سيادة الدولة اللبنانية، لا يؤكد على احترامها وفرض سلطة الدولة على كامل أراضيها.

والمرة الثانية التي شيطن القرار فيها كانت بسبب دعوته بعد انسحاب القوات الأجنبية "إلى حل جميع الميليشيات اللبنانية ونزع سلاحها" وتأييده "بسط سيطرة حكومة لبنان على جميع الأراضي اللبنانية".

حاول اللبنانيون "لبننة" القرار بعد الزلزال الذي تسبب فيه اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وما أعقبه من أحداث ومظاهرات أفضت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان. جلس المسؤولون اللبنانيون ورؤساء الأحزاب حول طاولة حوار، وكان من ضمن النقاط المطروحة السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وداخلها، ومن ثم سلاح "حزب الله"... وخرجوا بمصطلح "الاستراتيجية الدفاعية".

لم يعد الحديث عن استراتيجية دفاعية ذا مغزى، فهذه "المقاومة" التي طالما تذرعت بأن الجيش اللبناني غير قادر على حماية لبنان، أتت بالويلات على لبنان، ولم تستطع حماية نفسها وبيئتها وقادتها بما في ذلك أمينها العام

وفي ليلة من ليالي صيف يوليو/تموز 2006، أسر "حزب الله" جنديين إسرائيليين، واندلعت الحرب ودفع لبنان واللبنانيون ثمنا باهظا.

صدر القرار 1701، وأوقفت الحرب على لبنان يومها، وبدل البحث الجدي المؤجل بذرائع مختلفة منذ تحرير الجنوب في مايو/أيار 2000 بجدوى احتفاظ حزب لبناني طائفي بسلاحه، لم يعط اللبنانيون فرصة لالتقاط أنفاسهم... حوصرت حكومة الرئيس السنيورة، وأقفلت أبواب مجلس النواب، وصوب السلاح إلى صدور اللبنانيين ومؤسساتهم.

عاد المسؤولون اللبنانيون لتدوير الزوايا، وبعد غزوة 7 مايو الشهيرة، كان "اتفاق الدوحة" اتفاق ينص من بين عدة أمور على أن لا يوجه "حزب الله" سلاحه إلى الداخل اللبناني مجددا مقابل إعطائه وحلفاءه الثلث المعطل في الدولة، فلا قرار يصدر بعد اليوم دون موافقة "حزب الله".

ذهب "حزب الله" للقتال في سوريا واليمن والعراق، وأيضا دفع اللبنانيون الثمن، ففريق سياسي مشارك في الحكومات، ولديه كتلة برلمانية، يذهب بعتاده وعتيده ويدخل في حروب دون أن يأبه لا بموقف الدولة اللبنانية وسيادتها، ولا بتبعات حروبه على اللبنانيين، وأقول حروبه لأنه لا مصلحة للبنان الدولة والشعب في أي من هذه الحروب والمعارك، بل المصلحة إيرانية بحتة، لتوسيع مناطق نفوذها وهيمنتها في الدول العربية.

اليوم مجددا يدفع اللبنانيون ثمن احتفاظ هذا "الحزب" بسلاحه، ومجددا يحاول البعض شيطنة كل من يطالب بتطبيق القرار 1559، أو تطبيق "الطائف" أي الدستور اللبناني.

في 25 مايو 2000 انسحبت إسرائيل من لبنان، بفعل المقاومة وتطبيقا للقرار 425، يومها ظهرت ذريعة "مزارع شبعا" لاحتفاظ "الحزب" بسلاحه، هل "مزارع" شبعا لبنانية أم سورية؟ منذ ذلك الحين، يرفض النظام السوري تقديم ما يثبت لبنانية هذه المزارع التي احتلتها إسرائيل في عام 1967 إلى الأمم المتحدة، منطق النظام السوري و"حزب الله"، نحررها ثم نتحدث عن ملكيتها. اليوم بعد أكثر من 24 عاما على التحرير، لم تعد الأرض هي مبرر المقاومة، وقد سبق وقال حسن نصرالله أمين عام "حزب الله" الراحل إن السلاح لحماية السلاح.

لم يعد الحديث عن استراتيجية دفاعية ذا مغزى، فهذه "المقاومة" التي طالما تذرعت بأن الجيش اللبناني غير قادر على حماية لبنان، أتت بالويلات على لبنان، ولم تستطع حماية نفسها وبيئتها وقادتها بما في ذلك أمينها العام.

اليوم مصلحة إسرائيل تتحقق بتطبيق القرار 1701 بمعزل عن القرار 1559، قرار يبعد "حزب الله" عن حدودها، ولكن مصلحة لبنان الحقيقية هي بتطبيق "اتفاق الطائف" والقرار 1559، مصلحة لبنان أن يملك جيشا واحدا، وأن تمتلك الدولة قرار الحرب والسلم.

القرار ليس موجها ضد طائفة أو فريق، فالجميع يجب أن يكون تحت سقف الدولة والدستور... وتحديدا ضد العدوان الهمجي الذي يتعرض له لبنان، وعذرا إن كنت لا أتفهم خوف بعض الساسة اللبنانيين من المجاهرة بالقول إن لبنان دولة حرة سيدة مستقلة، ووحده الجيش اللبناني يحمي سيادتها.

font change