استضافت باريس في الرابع والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول "المؤتمر الدولي لدعم شعب لبنان وسيادته"، وقد فاقت الاستجابة التوقعات لجهة التعهدات، بتقديم المساعدات الإنسانية، ودعم الجيش اللبناني. لكن لغة الأرقام لا تعني تحقيق اختراق سياسي للتعجيل بوقف إطلاق النار في الحرب المستعرة بين إسرائيل و"حزب الله"، أو إعطاء دفع لمسار انتخاب رئيس الجمهورية، ومنع انهيار الدولة اللبنانية.
وقد أراد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تكريس الاهتمام كعادته بلبنان، وبقاء الدور الفرنسي فيه، لكن مجريات المؤتمر، ومآلات الوضع اللبناني، تشي بأن الرهان الفرنسي غير مضمون النتائج، وأن درب آلام بلاد الأرز طويل.
تحركت الدبلوماسية الفرنسية منذ إطلاق "حزب الله" في 8 أكتوبر 2023، "جبهة إسناد غزة"، ولم تتوقف فرنسا عن بذل جهود مكثفة لفك تشابك المعادلة المعقدة بين إسرائيل و"حزب الله"، تبعا لتوجه إسرائيل في تغيير الوضع الراهن القائم منذ حرب 2006 من ناحية، والقرار الإيراني بتفعيل "وحدة جبهات محور المقاومة" بكثافة منخفضة الوتيرة من ناحية أخرى.
وهذا التحرك الفرنسي ليس بأمر مستجد، إذ تتميز فرنسا بين الدول الكبرى باعتبارها الدولة الوحيدة التي تعتبر القضية اللبنانية قضية ذات أولوية ومستقلة، ولا يتم التعامل معها ضمن الإطار الإقليمي الشامل.
وفرنسا، راعية "لبنان الكبير"، تبقى مهتمة به لأسباب تاريخية وعاطفية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الموقع الجيوسياسي والمصالح الاقتصادية والثقافية تزيد من الاهتمام الفرنسي بدولة تمثل إحدى نقاط نفوذها الأخيرة في العالم العربي، وعلى شرق البحر الأبيض المتوسط.
طوال الفترة الماضية، دأب المسؤولون الفرنسيون على التأكيد أن "فرنسا لن تتخلى عن لبنان". وهذا الثابت في السياسة اللبنانية لفرنسا، هو موضع اختبار في هذه المرحلة الحرجة والمصيرية التي تمر بها "بلاد الأرز" حاليا. لكن، أمام تحول لبنان إلى ساحة مواجهة مغلقة بين إسرائيل وإيران، لا يبدو أن باريس قادرة على وقف التصعيد والحرب الدموية، وإخراج لبنان من الدائرة المفرغة.