كارثة صامتة... أطفال مدمنون في مصر

السجائر، ثم الشيشة والحشيش، ثم "الاستروكس"

لينا جرادات
لينا جرادات

كارثة صامتة... أطفال مدمنون في مصر

جرح بطنه بقطعة زجاج نتيجة تعاطيه مخدر "الاستروكس" أمام والده والطبيب... ربما لم يتمالك الطفل ذو الـ12 عاما من عمره نفسه فقام بإيذاء نفسه في محاولة للتهرب من تناول العلاج في أحد مستشفيات علاج إدمان المخدرات، فسبب لنفسه الأذى أمام والده والطبيب المعالج.

يستذكر الدكتور عبد الرحمن حماد استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان، حالة هذا الطفل الذي ينحدر من أسرة بسيطة في العاصمة المصرية القاهرة وهو يحاول علاجه من تعاطي مخدر "الاستروكس" المخلّق، بعد أن أكمل الطفل علاجه مرة سابقة لديه في مشفاه لعلاج الإدمان تعرف إلى فتيان في سنّه ليعود ويتعاطي المخدر المخلّق مرة أخرى. حجزه الطبيب حماد في المشفى وكان متعاطفا معه لصغر سنه.

حال هذا الطفل لم يختلف كثيرا عن أسر ربما لا تعي كثيرا عن تعاطي الأطفال وصغار السن للمواد المخدرة وكيفية وقاية أولادهم منها، تقول نهى وهي أم لابنتين إنها نقلت طفلتيها من إحدى المدارس الدولية في العاصمة المصرية القاهرة في المرحلتين الابتدائية والإعدادية إلى مدرسة أخرى خوفا عليهما من سلوك بعض الأطفال الذين يدخنون سجائر إلكترونية وبعض المواد الكحولية في سن صغيرة، حيث 13 في المئة تقريبا كانت نسبة تعاطي المخدرات بين صغار السن ممن هم أقل من 15 عاما و38 في المئة بدأوا التعاطي من سن 15 عاما إلى 20 عاما بحسب أحدث إحصائيات صندوق مكافحة الإدمان والتعاطي المصري عبر بيانات المتصلين على الخط الساخن لمكافحة الإدمان في مصر خلال أول سبعة أشهر من عام 2023.

الاندفاع نحو الخطر

سيكولوجية الاندفاع نحو المخاطر هي الأكثر اتباعا بين أطفال ومراهقين يدمنون المخدرات بحسب التحذيرات الطبية، فيبدأ إدمان المخدرات بين الأطفال في المدارس عادة بتدخين السجائر والشيشة ثم الحشيش، ثم ربما مواد كحولية وصولا إلى المواد المخدرة والمخدرات المخلقة، يشتهر منها حاليا بين أطفال ومراهقين في المدارس أنواع "الفودو" و"الاستروكس" و"الباودر"، فضلا عن عقار "الترامادول"، كما يقول الدكتور حماد.

ويرى أن هذه الأنواع من المخدرات المخلقة حيلة يلجأ إليها أطفال ومراهقون نظرا لأنها رخيصة الثمن ولا تظهر في تحاليل الإدمان عادة بحسبه، بينما تعطي شعورا بثقل الدماغ أكثر.

غالبا ما يفتقر الأطفال والمراهقون إلى المعرفة الكافية بمخاطر الإدمان لنقص البرامج التأهيلية في المدارس

ومن خلال القصص التي ترد إليه عادة لأجل إدمان هذه المخدرات المخلقة يبتكر الأطفال حيلا دفاعية وقصصا وهمية لكي لا تظهر عليهم علامات الإدمان مثل علاج احمرار العينين وغيره، فيتحول الطفل إلى سلوكيات اندفاعية ويتدهور في التعليم والتحصيل وربما يقيم علاقات جنسية مبكرة، ويضحى مندفعا نحو الخطر.

وبينما جاءت المخدرات المخلقة وهي "الاستروكس" و"الفودو" و"الباودر" و"الشابو" في المرتبة الثالثة لتعاطي المخدرات بنسبة 16 في المئة في الإحصائيات التي أوردها صندوق مكافحة الإدمان والتعاطي في مصر بين الاتصالات التي وردت للخط الساخن لمكافحة الإدمان التابع للصندوق، التي شملت أعمارا من سن مبكرة أقل من 15 عاما ومن 15 إلى 20 عاما ومن 20 إلى 30 عاما، احتل مخدر الهيروين المرتبة الأولى طبقا لأكثر مواد التعاطي للمخدرات بين المتصلين بالخط الساخن لمكافحة الإدمان، بنسبة 43.62 في المئة، ثم الحشيش بنسبة 35.91 في المئة ثم المخدرات المخلقة، ثم الترامادول بنسبة 9 في المئة، ثم التعاطي المتعدد وهو تعاطي أكثر من مادة مخدرة، طبقا للاتصالات الواردة للخط الساخن لمكافحة الإدمان عن أول سبعة أشهر من عام 2023.

أ.ف.ب
صورة للفنان التركي دينيز ساجديتش يستخدم فيها حبوبًا مخدرة، وهي معروضة في مجمع مؤتمرات COP27 في مدينة شرم الشيخ السياحية على البحر الأحمر في مصر

يتداخل إدمان المخدرات والمواد الأفيونية في سن صغيرة بين الأطفال والمراهقين في طريقة تكوين المخ ويؤثر على سمك قشرة المخ ليجعلها أقل سماكة، كما يحذر الدكتور عبد الرحمن حماد، ويؤثر بالتالي على الوظائف الفعلية للمخ التي تؤدي بالتبعية لتدهور الأطفال في التعليم والتحصيل والاندفاع نحو المخاطر، كما يظهر على بعضهم نوبات بكاء أو ضحك غير متناسبة مع المواقف وأعراض اكتئاب وسلوكيات خطيرة.

سرية تامة وبيوت تطوع آمنة

"في سرية تامة"، يعمل الخط الساخن لعلاج مرضى الإدمان التابع لصندوق مكافحة الإدمان، كما تقول وزارة التضامن المصرية وصندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي، حيث يقدم خدمات علاجية بالمجان للمرضى وفي سرية تامة وفقا للمعايير الدولية، والمواجهة العاجلة بمعلومات عن المخدرات وتعاطيها أو تقديم مشورة تستدعيها ملابسات أزمة فردية أو أسرية متصلة بالإدمان، أو بالتوجيه لأماكن الخدمات الطبية والنفسية والاجتماعية المتخصصة فى الإدمان التابعة للخط الساخن.

 وغالبا ما يفتقر الأطفال والمراهقون إلى المعرفة الكافية بمخاطر الإدمان لنقص البرامج التأهيلية في المدارس ويمكنهم الحصول على المواد المخدرة من خلال شبكات توزيع محلية أو مصادر أخرى، كما يكون الاكتشاف المتأخر لإدمان الأطفال والمراهقين عائقا لتأخر العلاج.

وتركز وزارة التضامن المصرية وصندوق مكافحة الإدمان في مصر على حملات في المدارس تستهدف فيها الأطفال والمراهقين للتوعية بمخاطر إدمان المخدرات والمواد الأفيونية والمخدرات المخلقة في ظل وجود ارتباط وثيق بين المخدرات المخلقة وارتكاب الجرائم والحوادث، كما تشير الوزارة المصرية ضمن إطار برنامج وقائي لحماية طلاب المدارس في المرحلتين الإعدادية والثانوية من أجل تحقيق ما تسعى إليه بخلق بيئة تعليمية آمنة خالية من المخدرات.

يجري تأهيل 4 آلاف أخصائي اجتماعي بالمدارس لتدريبهم على آليات الوقاية والاكتشاف المبكر للتعاطي بين الأطفال والمراهقين في المدارس

تشمل الحملات التوعوية زيارات للأطفال والمراهقين في المدارس، والحد من تعاطي المواد المخدرة بين طلاب المدارس باستخدام المحتويات المرئية ومواد تعريفية وقائية للنشء وعبر منصات "فيسبوك" وتوعية الطلاب في المدارس وعروض مسرحية وتدريبات لإعداد كوادر شبابية، وتصحيح مفاهيم مغلوطة عن المخدرات مثل أنها تساعد على نسيان الهموم وتنشيط الذاكرة والتحصيل ودافع حب الاستطلاع والتجربة، وبحملات تشمل طلابا متطوعين لدى صندوق مكافحة الإدمان والتعاطي المصري يبلغ عددهم ما يقرب من 33 ألف متطوع على مستوى المحافظات في ما تسمى "بيوت التطوع"، وهي مقرات دائمة في جامعات مصرية هي جامعات القاهرة وحلوان وسوهاج بصعيد مصر والزقازيق وجنوب الوادي، كأماكن وقائية آمنة، تردد عليها هذا العام 40 ألف طالب وطالبة للتوعية والمشورة بحسب وزيرة التضامن المصرية. ويجري تأهيل 4 آلاف أخصائي اجتماعي بالمدارس لتدريبهم على آليات الوقاية والاكتشاف المبكر للتعاطي بين الأطفال والمراهقين في المدارس.

وتقول وزارة التضامن المصرية إن صندوق مكافحة الإدمان قاد حملة إقليمية بإعداد أول خطة عربية لخفض الطلب على المخدرات بالتعاون مع مجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب منذ مارس/آذار 2023.

كما أُعلن عن ضبطيات بمخدرات الهيروين والترامادول حسبما تشير الأمم المتحدة وتحديدا المكتب المعني بالمخدرات والجريمة، من ضمن الإبلاغات التي قدمتها مصر والدول الأفريقية عن المؤثرات الأفيونية الصيدلانية وضبطيات تخص مادة الترامادول في عام 2022، وذلك في تقرير المخدرات العالمي لعام 2023 الصادر عن المكتب الأممي المعني بالمخدرات والجريمة، والذي أشار إلى أن أفريقيا استأثرت بنصف الكميات المضبوطة في العالم للمؤثرات الأفيونية الصيدلانية بين عامي 2017 و2021، وذلك نتيجة للاستعمال غير الطبي للترامادول وهو مؤثر أفيوني اصطناعي لا يخضع للمراقبة الدولية ولا يزال يشكل تهديدا في شمال أفريقيا ووسطها وغربها بحسب التقرير.

لينا جرادات

كما أبلغت مصر ضمن دول أفريقية شملت بنين وبوركينا فاسو وتوغو والجزائر عن مضبوطات من مادة الهيروين في عام 2022 كما يقول التقرير الأممي.

العلاج النفسي والوقائي

يأتي العلاج النفسي والسلوكي في مراحل تتعلق بمدى تقدم حالة الطفل في إدمان المواد المخدرة، حيث تحدث سلوكيات متغيرة تطرأ على الأطفال والمراهقين في سن مبكرة مع تعاطي المخدرات، منها تغييرات سلوكية وعنف. ومن ضمن العلامات التي تسهم في الاكتشاف المبكر للأسر لإدمان الأطفال المواد المخدرة، وتظهر على متعاطي المواد المخدرة من الأطفال والمراهقين، كما يقول الدكتور عبد الرحمن حماد، حيث إن "الانسحاب من الاهتمامات العائلية وسلوكيات البحث عن المخدرات والاندفاعية واستجلاب قصص وهمية للحصول على المال للاستذكار المدرسي من أجل الإنفاق على التعاطي، وظهور سلوكيات عدوانية وفقدان الدافعية واللامبالاة في التحصيل الدراسي، وتغيرات ملحوظة في الشخصية، مثل التمرد على الأوامر واختفاء ملحوظ لأشياء أو أموال من المنزل، كما قد يؤدي تعاطي المواد المخدرة لنوبات اكتئاب لا تتناسب مع الموقف والاندفاعية نحو المخاطر وربما يصل لإقامة الطفل أو المراهق في سن صغيرة لعلاقات جنسية مبكرة".

تؤثر معدلات الفقر وقلة التوعية على توجه المراهقين للمخدرات، وقد استُهدفت أكثر من ألف قرية على مستوى 18 محافظة في مصر بالتوعية من بين القرى الأكثر فقرا للتعامل مع مشكلة الإدمان

ويأتي العلاج النفسي للمدمنين منقسما بين الوقاية وعلاج التعاطي، في مرحلة الوقاية باعتماد مجموعة من المهارات واكتشاف سلوكيات دفاعية، حيث يساعد العلاج النفسي على اكتشاف السلوك العدواني والتعاطي في سن مبكرة، خاصة حيث تعمل برامج وقائية حديثة على الأطفال في سن مبكرة تصل إلى سن ست أو سبع سنوات بتحديد مدى الصلابة النفسية للطفل في هذه المرحلة، كما يذكر الدكتور حماد، الذي يضيف أن "الطبيب يحدد في حال اكتشفت الأسرة إدمان أحد أطفالها تقييم العلاج والجرعات العلاجية التي يتعاطاها الطفل وما إذا كان الأمر يستدعي العمل على المهارات والسلوكيات الدفاعية والاندفاعية العنيفة، أم يتطلب علاج الطفل أو المراهق في المشفى وفي بعض الحالات يستقر العلاج في المنزل مع علاجات سلوكية طبقا لتقدير حالة الطفل".

ويحذر دكتور حماد من خطورة حجز الأطفال والمراهقين مع من ليسوا في الفئة العمرية نفسها، حيث يفضل "البحث عن الأعمار نفسها أثناء فترة العلاج خاصة لإدمان المراهقين الأقل من 18 عاما وهو ما توفره مستشفيات لعلاج الإدمان في مصر، لئلا ينتهي بالطفل الحال بتعاطي مواد مخدرة أقوى أو الوصول لما يعرف بالانتكاسة والعودة لإدمان المخدرات من جديد".

وتسير طرق العلاج باستقبال الحالات المحولة من الخط الساخن لعلاج الإدمان ومقابلة المرضى بجلسة للأخصائي النفسي عبر مجموعة من الاختبارات والمعايير النفسية وإعداد تقرير عن الحالات المستقبلة، لتحديد العلاج والتحويل في المستشفيات لعلاج الإدمان التي تشمل صغار السن.

وتؤثر معدلات الفقر وقلة التوعية على توجه المراهقين للمخدرات، وقد استهدفت أكثر من ألف قرية على مستوى 18 محافظة في مصر بالتوعية من بين القرى الأكثر فقرا للتعامل مع مشكلة الإدمان وجذب المرضى منهم للعلاج عبر ندوات وورش عمل للشباب والأطفال وحملات طرق الأبواب لقاطني القرى في إطار حملة "قرية بلا إدمان" منذ عام 2021.

وامتدت الحملات لتحليل نسبة التعاطي بين سائقي الحافلات المدرسية، حيث انخفضت نسبة التعاطي بين سائقي المدارس إلى 0.4 في المئة هذا العام بعد أن كانت قد وصلت إلى 12 في المئة عام 2017 كما تشير وزارة التضامن المصرية ضمن حملات أجرتها للكشف عن تعاطي المواد المخدرة بين سائقي الحافلات المدرسية لبيئة مدرسية خالية من التعاطي، كما يجرى تطوير المناهج التعليمية في المدارس لتضمينها مستجدات قضية المخدرات لتنفيذ برامج الوقاية من تعاطي المخدرات والحماية من التسرب من التعليم لاحقا أو الأضرار الصحية الجسيمة.

font change

مقالات ذات صلة