بعدما نشرنا في "المجلة"، في الحلقات السابقة تفاصيل علاقة الأسد بالخميني وتأسيس "حزب الله" وتمسك "الشيخ بشير" بخروج "أبو عمار" واستسلامه، وشروط واشنطن في لبنان بالتزامن مع المفاوضات حول اتفاق "17 مايو"، وزيارة مبعوث ريغان السري إلى دمشق وقلق واشنطن من صواريخ "سام-5"، وتتناول الحلقة السادسة تفجير "المارينز" عشية حوار جنيف اللبناني:
1- الحلقة الأولى: "أبو نضال" يوفر "ذريعة" الاجتياح... وإيران تؤسس "حزب الله" بمظلة سورية
2- الحلقة الثانية: رسالة من بيغن إلى الأسد: لا نريد قتالكم في لبنان... ويجب إبعاد الفلسطينيين
3- الحلقة الثالثة: إسرائيل تحاصر بيروت... وعرفات "جن جنونه" قبل أن يستسلم
4- الحلقة الرابعة: أميركا تطلق "الخفاش الأزرق" في لبنان... وتطالب الأسد بطرد "مجانين إيران"
5- الحلقة الخامسة: شولتز يخيّر الأسد بين "اتفاق 17 مايو" و"احتلال إسرائيلي دائم"... ودمشق تلوّح بقصف مطار بيروت
لندن- عاد روبرت ماكفرلين نائب رئيس مكتب الأمن القومي في الولايات المتحدة الأميركيةإلى دمشق في 7 سبتمبر/أيلول، مكررا ما قيل في السابق، عن ضرورة الانسحاب السوري من لبنان بالتزامن مع الانسحاب الإسرائيلي. وفي الثاني والعشرين من الشهر نفسه قدم إلى سوريا مجددا وقال إن إدارة الرئيس ريغان "تتفهم وتتقبل" المصالح السورية في لبنان، من الناحية التاريخية واللوجستية، وأنها "تقبل الشرعية السورية في لبنان".
طلبت الإدارة الأميركية من سوريا أن تقوم، بالتنسيق مع السعودية، بعقد مؤتمر حوار لبناني في مدينة جنيف السويسرية، بحضور عبد الحليم خدام وكل الفرقاء اللبنانيين الذين لم يجتمعوا على طاولة واحدة منذ اندلاع النزاع الأهلي في بلادهم سنة 1975.
أرادت إدارة الرئيس الأميركي رونالد ريغان إشراك سوريا في العملية السياسية اللبنانية، مع إغراقها في التفاصيل والمسؤولية، أملاً أن ينفع ذلك على المدى المنظور في إقناع الرئيس السوري حافظ الأسد بالانسحاب العسكري في لبنان، مع الإبقاء على النفوذ السياسي.
وقد أدخلت الرياض عناصر غير متقاتلة على طاولة الحوار، كانت تثق بهم وبصواب موقفهم السياسي، مثل صائب سلام وريمون إده وعادل عسيران، بينما دعمت واشنطن الرئيس أمين الجميل وبقيت دمشق متمسكة بحلفائها التقليديين، وليد جنبلاط ونبيه بري. وقبلت سوريا أن يكون الجميل رئيسا للحوار الوطني، باعتباره رئيسا للجمهورية وسليل عائلة مارونية سياسية عريقة، ولكنها رفضت أن يجلس على رأس طاولة الحوار. جعلت المتحاورين يجلسون وجها لوجه: طرف يمثل الولايات المتحدة، والطرف الآخر يمثل سوريا والسعودية. وعند سؤاله عن سبب هذا التدبير، قال خدام: "لا نحب الشكل المستدير لأنه شكل غير جميل. نحب الشكل المستطيل".
ومع ذلك، أراد خدام استقطاب الجميل إلى صفه، لعله يتمكن من إقناعه بمدى خطورة "اتفاقية 17 مايو". لم تكن في نية السوريين هزيمة أمين الجميل في جنيف، بل على العكس، استرضاؤه إلى أبعد حد ممكن وسحبه إلى المعسكر السوري–السعودي، على الرغم من قلة الود تجاهه. وفي أوراقه الخاصة، يكتب خدام: "حينما كان يأتي إلى مكتبي (قبل أن يصبح رئيسا للجمهورية) كان يظلّ ثلاث ساعات طارحا اسمه للاجتماع. هو رئيس جمهورية ولكن ليس علينا". وينقل خدام عن الرئيس الأسد بأنه كان يشعر بـ"الشفقة" تجاه الجميل: "أمين الجميل وأبوه أثارا لدينا مشاعر الشفقة وأقول إن الوضع العاطفي كان له أثر في دخولنا إلى لبنان، لأننا لم نستطع أن نرى الناس يذبحون بعضهم وهم جميعا أهلنا، ونقف متفرجين".