لا شك أن الأدب العربي أقدم من الأدب الإسلامي، وإن لم يكن مصطلح الأدب الإسلامي موجودا حتى القرون الأولى للإسلام، لكن دعوني أتساءل اليوم بوصفنا ننتمي إلى الأمتين العربية والإسلامية: أي أدب نكتب يا ترى؟ أو بشكل أدق: أيهما يغلب علينا في مسيرة حياتنا الآنية بتفاصيلها اليومية المعاشة؟
إن عدنا للبدايات نجد في بلاد العرب وفي القرن السادس الميلادي، قبله وبعده، كان الشعر ينتقل من فم إلى فم، بين الرواة والمغنين إلى عامة الناس، وظلوا هكذا قرونا بمواضيعهم المختلفة خاصة الحب الذي يجول بين الرمال هياما وعشقا بأجمل القصائد، بجانب مواضيع الشجاعة والصيد والسلالة والكرامة والهجاء والمدح... وبالتالي كان الشعر أدبا وإعلاما لكل قبيلة، وكان الأسلوب صارما للغاية، من أجل أن يتخلد ما يقال، فالنقد بصورته الأولى كان حاضرا بين متذوقي الشعر.
وفي العصور الإسلامية تم تدوين الأدب الإسلامي، أو كما يقول البعض الثقافة الإسلامية، والأشمل عند البعض الديانة الإسلامية، عبر الأدباء من الشعراء والرواة والمؤرخين والكُتّاب في العهد الأموي والعباسي، عن قيم المجتمع العربي الإسلامي، فتم إثراء الأدب الإسلامي المكتوب والموثق بأدب السِير والشعر والعقيدة مع التفاسير القرآنية ببلاغة عالية، وكلها تعنى بالدين الإسلامي.
في تلك الفترة الإسلامية اعتنى أدباء العرب بالوجدانيات والحب والسفر والفكر والتراث وعلوم البيئة والقصص والفلسفة، وأخذ الشعر يتجدد قرنا بعد قرن على لسان شعراء غيّروا الكثير فيه، مثل أبو نواس والمتنبي... فكان النتاج من حيث المنبع، نجد الأدب العربي مصدره عصر ما قبل الإسلام، والأدب الإسلامي مصدره وموطنه جزيرة العرب، وكلاهما باتجاه إنساني وعالمي، مع اختلاف بعض التوجهات الفكرية والدينية عما قبل الإسلام وبعده، لكنهما على أي حال مرّا معا بعصور مختلفة، من زمن الخلفاء الأربعة والعصر الأموي والتوسع العباسي إلى العصر الأندلسي ثم الحديث... فأنتج الأدبان أسماء لا حصر لها، تجلى الأمر أن من كتب الأدب العربي، فمن خلال التراث الإسلامي، ومن كتب الأدب الإسلامي، فمن خلال التراث العربي.
والملاحظ أيضا ومن خلال توسع الدول الإسلامية العربية إلى المحيط الأطلسي وآسيا الوسطى والهند وفارس وأوروبا... أصبحت الشعوب المسلمة عامة تتعلم اللغة العربية بوصفها لغة دينهم، وأخذوا ينتهجون الأدب قرونا طويلة، ويغيرون فيه على مر العصور من حيث الشكل لا الأصل، فخرج الأدب الإسلامي عند تلك الشعوب وهو يعنى بمواضيع دينية، والممارسة أولا، بينما الأدب العربي المكتوب في بلاد العرب في تلك الفترة كان الأهم لديهم الإسهام في تهذيب النفس والفكر الفلسفي، وحول الحياة عامة بلغة شاعرية وذوق رفيع.
بين هاتين الثقافتين المشتركتين مثال، هو "ألف ليلة وليلة"، لاحتوائها على قصص إسلامية عن القرون السابقة مكتوبة بلسان عربي، وسرد تراث إنساني يشهد على الإنجازات الثقافية والجغرافية للعرب والمسلمين
بين هاتين الثقافتين المشتركتين مثال، هو "ألف ليلة وليلة"، لاحتوائها على قصص إسلامية عن القرون السابقة مكتوبة بلسان عربي، وسرد تراث إنساني يشهد على الإنجازات الثقافية والجغرافية للعرب والمسلمين.
وحين سقطت الدولة العثمانية الإسلامية، وصعدت القومية العربية، أنتج الأدب العربي الشعر الحديث والرواية والقصة والمسرح... وتغير التفسير الحسي والعاطفي من الناحية الدينية، فالأدب العربي وحسب قاموسه الواسع، فيه من التراكيب اللغوية التي تمكن الأديب من حرية التعبير بشتى الطرق، ويشمل مصطلحات غير موجودة في الأدب الإسلامي، مثل الموسيقى الداخلية والتجربة الشعورية... وفي المقابل أنتج الأدب الإسلامي نتاجا أدبيا يعبر عن روح الشخصية الإسلامية في الأدب الشعري والقصصي من خلال السيرة النبوية مع الإرشاد والوعظ، وهو أدب موثق بجمال لغوي بارع منذ القرن الثامن الميلادي إلى اليوم.
ومع اختلاف معنى الرواية في الأدب الإسلامي، والرواية في الأدب العربي، فالعرب يتبعون كليهما، فكل ما يتم ترديده في العبادات وعلى امتداد حياة الإنسان، يجعل الأدب الإسلامي مُمارسا ومُعاشا. يعيشه أغلب المسلمين غير العرب، وأغلب العرب المسلمون، من خلال نصوص مكتوبة بعناية فائقة لتجيز ولا تجيز، ويجوز ولا يجوز، يطبقها المسلم المؤمن الملتزم بشكل يومي، من حيث الزيّ والذوق والنظافة واللفظ، يقتبسها من نصوص مقدسة، فانتقل الأدب الإسلامي ولغته الشعرية إلى روحه وإنسانيته كهداية.
وبين الأخذ والترك، نستنتج اختلاف التلقي، بين الوجدانيات والتذوق الحسي والفكري، والإيمان به.