معجب العدواني لـ"المجلة": الفنّ نتاج مجتمع يسوده التعاون

الدرس الأكاديمي السعودي أكثر تطورا من الدراسات خارجه

AlMajalla
AlMajalla

معجب العدواني لـ"المجلة": الفنّ نتاج مجتمع يسوده التعاون

يعتبر الناقد والأكاديمي السعودي الدكتور معجب سعيد العدواني واحدا من أبرز المشتغلين في البحث النقدي ونظرياته في المملكة. استطاع طوال دراسته الأكاديمية وتدريسه للنقد والنظرية في كلية الآداب بجامعة الملك سعود أن يترك بصمته الخاصة، منتجا سجلا حافلا من المؤلفات ومنها "إعادة كتابة المدينة العربية في الرواية الغربية" و"الحداثة في الأدب السعودي: أسئلة ومفارقات" وغيرها، التي عرض فيها تحليلا دقيقا للعلاقات بين الأدب العربي ونظيره الغربي، مقدما رؤى جديدة وثرية للقراء والباحثين على السواء، كما أن مشاركته الفاعلة في المنتديات الثقافية والأدبية المحلية والدولية، وترؤسه مؤسسات أكاديمية بارزة، يدلان على التزامه العميق لتطوير النقد الأدبي. عن العديد من هذه الجوانب تحدث العدواني إلى "المجلة" في هذا الحوار.

  • بعد إصدارك الأخير، "الحداثة في الأدب السعودي: أسئلة ومفارقات"، كيف تلخص هذه المفارقات للقارئ، وهل يمكنها أن تساهم في قراءة الوضع الحالي للحداثة في المملكة العربية السعودية؟

تبدو لي أهمية هذا الكتاب في ارتهانه إلى الموضوعية، مستندا إلى البحوث والمقالات العلمية، بعيدا من البعد الذاتي، الذي قد يكون له تأثيره في المراجعة والحوار، ومن ثم محاورة الحداثة بوصفها حركة، ولكونها تمثيلا لبعض الأعمال الإبداعية، التي ظهرت خلال مرحلتي الثمانينات والتسعينات. ولعل أبرز المفارقات تمثلت في قراءة تلك الحركة بصورة مختلفة عن السائد، وكشف بعض الإشكالات، التي أراها مهمة، المتصلة بالأجناس في الأدب السعودي.

يراوح الكتاب بين درس ظواهر حداثية محددة نقدا وشعرا وسردا، ويتجه أحيانا إلى الاشتغال على عمل واحد لكاتب محدد، فيتنقل من الظاهرة الواحدة، إلى القصة، والرواية، والكتاب النقدي، وهو ما يساهم، وفقا لتصوري، في تقديم إضاءات تفصيلية موسعة، تمزج بين درس الأعمال الفردية والجمعية.

للحداثة أثرها الكبير الذي لا يمكن إنكاره في تهيئة الأدب السعودي، وخروجه من دائرة التقليدية

 للحداثة أثرها الكبير الذي لا يمكن إنكاره في تهيئة الأدب السعودي، وخروجه من دائرة التقليدية، وإعادة قراءتها بصورة علمية تقودها إلى فضاءات الوضوح والبيان، التي تساهم في إثراء تجربة الكتابة الإبداعية، بعيدا من مناطق العمى، التي تنتج من تقييم قد نستحضره من خصوم التجربة أو من داخل الحداثة نفسها. هذه المحاولة بملامحها المشار إليها سابقا أظنها كافية لمنحها الصدقية لدى القارئ العادي أو الباحث الذي يستهدف درس الموضوع، وفي تمثل المبدعين والدارسين أجمل ما فيها.

غلاف كتاب "احتباس الضوء".

الأدب العربي والغرب

  •  كيف يمكن تقديم الأدب العربي للشعوب الغربية اليوم؟ وهل الترجمة وحدها قادرة على فعل ذلك؟

يحيل هذا السؤال إلى افتراض فروق كبرى بين الأدب الغربي وغيره من الآداب، مع أن الفروق قد تظهر في اختلاف البيئات وتنوعها، وانتشار الأدب وقوته، وربما ينفي ذلك بعض أنماط الأدب الغربي المكتوبة بلغات غير الإنكليزية والفرنسية، أما الأسئلة الوجودية والغايات الفلسفية الكبرى فتظل متماثلة في كل البلدان. ما يحدث أن بعض الآداب حققت أبعادا رأسية تتصل بموروث عميق، وأخرى أفقية تتصل بدعم ما في النشر والترجمة، وتواصل إقامة التفاعل الثقافي في الداخل والخارج بالنشاطات العلمية والثقافية، وما يُلحظ حاليا أن المساحات المتباعدة قد بدأت في التقارب، ولعلنا نستعيد هنا الفرضية التي تشير إلى أن الفن لا يأتي نتيجة عبقرية منفصلة معزولة، ولكنه نتاج مجتمع يسوده التعاون من مؤسسات وجهات تؤهل الفنان، إذ أدركت تلك المجتمعات غير الغربية هذا الدور جيدا وبدأت بتفعيله.

  •  صوّر كتابك "رماد الكتب: الأنساق الخفية في ثقافتنا"، ما واجهته الكتب المُغيّبة، وجاء تأكيدا لقيمة تلقي الكتب التي واجهت محاولات المحو التاريخي. فما الحلول الآمنة في نظرك لتجاوز هذا الاحتراق الثقافي؟ وكيف يمكننا حماية الكتاب من التدمير؟

تتوسل الدراسة التي يضمها هذا الكتاب استنطاق ظاهرة إتلاف الكتب في الثقافة العربية تحديدا، وتناول بعض الظواهر الأخرى في ثقافات العالم، إذ أن هذه الظاهرة التي يمكن وصفها بأنها شائعة بين كل الأمم، وتنتشر سردياتها في الثقافات كلها، ساهمت هذه المنظومة من الصراعات في تكوين الظاهرة، غير أن هذه الصراعات ـ كما هو معروف ـ لم تؤدّ إلى استجماع حزم من العلاقات الكاشفة للأنساق الخفية، التي تسري في جسد الثقافة، وتتلمس أن تكون غائبة أو مغيبة. لذا فإننا حرصنا على طرح الأمر وفق بعض المحاور التي يمكن أن تضمن كشف ما خفي في سياق هذه الظاهرة، مما يمكن اعتباره ظاهرة تعبر عن فعل رمزي له دلالات عديدة يمكن الخوض في إطارها.

إن تسجيل الثقافة العربية لهذه المواقف الداخلية والخارجية التي تضمّنت إتلاف الكتاب وتغييبه، لا يعدّ علامة على مهاجمة الثقافة للكتابة فحسب، بل يعد علامة أخرى على تشكيل ثقافي منح التعددية حدا معقولا بين أنساقه.

لعل أبرز تحديات النقد تباعد أصحاب الخبرة النقدية وتكاثر من قلّت خبراتهم في درس النصوص

 لذا من المسوغ أن يأتي تأويل هذه الظاهرة مبنيا على تلك التعددية، التي أفرزت النصوص السردية، التي ساهمت في إثبات الظاهرة في مستوى مباشر من مستويات تلقيها، ومن هنا كانت الحاجة ماسة إلى إثبات الظاهرة قبل محاولات الغوص في تناولها النقدي. لقد آثرت هذه المساءلة للظاهرة أن تلج إلى العلل الظاهرة والكامنة فيها، ومع اختلاف علل التغييب والإتلاف للكتاب العربي فقد تلمسنا هنا البحث في علل أخرى خفية، تتميز بطابع شمولي، حيث يمكنها استيعاب تلك الحالات التي سجلتها الثقافة، إلى جانب علل أخرى لها ملمح التجذر والتعمق في بنية الخطاب العربي المرتهن إلى الذهنية الحضارية للإنسان العربي قبل الإسلام وبعده.

غلاف "السرد في كتاب التّيجان".

تحديات نقدية

  • ما أبرز التحديات التي يواجهها نقد الأدب السعودي اليوم؟ وهل استطاع النقاد فحص المشروع الروائي السعودي حتى الآن؟

أظن أن النقد أحد أبرز صناع الحركة الثقافية، فهو الذي يضع الأساس القوي بما يقترحه، ويتوّج النصوص بالقيمة التي تدفع إلى وصول العمل الأدبي إلى القراء، وقد حظي الأدب السعودي كغيره من الآداب العربية بدارسين متميزين من الداخل والخارج، وكانت لهم دراساتهم الجيدة، وهذا لا يشير إلى أن التناول النقدي المحلي كان ضعيفا، فالاشتغالات النقدية محلية وعربية مثل غيرها لا بد أن تراوح بين الضعف والقوة، لكني أزعم أن الدرس الأكاديمي السعودي كان أكثر تطورا من الدراسات خارجه، ولعل أبرز تحديات النقد تباعد أصحاب الخبرة النقدية، وتكاثر من قلّت خبراتهم في درس النصوص. أما النقد الروائي فيحضر في جوانب كثيرة نشهدها في الدراسات الجامعية والمقالات اليومية والأسبوعية، إلى جانب التنويه المقتضب بأعمال منشورة في وسائل التواصل، وعلى الجانب الشخصي أشير إلى أنني قدمت دراسات كثيرة في الأدب السعودي، ضمتها أربعة من كتبي الآتية بصورة مباشرة: تشكيل المكان وظلال العتبات، الكتابة والمحو، الموروث وصناعة الرواية، الحداثة في الأدب السعودي.

  •  بعد رئاستك وحدة السرديات في جامعة الملك سعود، هل وجدتم تطورا إضافيا للاتجاهات النقدية في السرد العربي؟

وحدة السرديات جماعة علمية بلغ عمرها ما يقارب عشر سنوات، وتوافقت أهداف أعضائها، في اهتمامهم وعنايتهم بالسرد العربي تنظيرا وتطبيقا، ونجحت في إصدار عدد من الكتب النقدية الجادة، والمساهمة في فعاليات مهمة داخل المملكة وخارجها، وكانت لها شراكات علمية ناجحة، ويسّرت لبعض الباحثين خطط رسائلهم. وفي نظرة سريعة إلى عناوين أعمالها وندواتها ستلحظ أنها كانت شديدة الصلة بكل ما هو جديد متصل بالاتجاهات النقدية الحديثة في السرد العربي، مثل: الهوية السردية، والنقد البيئي، والرواية المضادة.

 تدريس الفلسفة ضمن المناهج الدراسية بوابة اعتراف كبرى للكشف عن أهمية المقرر

تدريس الفلسفة

  •  في 2019 اعتمد تدريس الفلسفة ضمن المناهج الدراسية لطلبة المرحلة الثانوية بالتعليم السعودي العام، ما مدى أهمية ذلك؟ وهل يمكن التنبؤ بظهور آثاره على المدى القريب؟

كان اعتماد تدريس الفلسفة ضمن المناهج الدراسية بوابة اعتراف كبرى للكشف عن أهمية المقرر ودوره في تعويد الطلاب والطالبات على التفكير النقدي، واستلهام الأسئلة، وتحفيزهم على معالجة الأسئلة الكبرى المتصلة بقضايا الإنسان وتطلعاته، إلى جانب البحث عن فلسفة عميقة تتصل بمساءلة النصوص والظواهر، وتحليل الأفكار وتقديم الافتراضات، فضلا عن الإيمان بأدوار النقد الجاد، وما يستند إليه من مفاهيم تظل مفاهيم لها حضورها وامتدادتها الفلسفية، ونرجو أن يكون في وجود هذا المقرر ما يدعم ظهور الكتب العلمية الجادة التي تتباعد عن الجمع والمجانية.

  •  في النظر إلى تجربتك الطويلة في مجال النقد الأدبي، ما الأساليب التي تراها ضرورية لمواكبة تطورات الأدب السعودي للمستقبل وتماشيه معه؟

لعل أبرز الأساليب تتمثل في استمرار الاشتغال على الإبداع السعودي، واستمرار الدعم القائم حاليا؛ إذ أن من المناسب أن أشير إلى هذه الحقبة الواعدة التي تتطور بتزايد أعداد الباحثين المهتمين بالأدب السعودي من داخل المملكة وخارجها، وتيسير سبل العناية والاهتمام والتدريب والدعم المقدم لنشر الأدب السعودي لكتابه ونقاده. 

من مخطوطات المكتبة.

إعادة قراءة التراث

  • في كتابك "الموروث وصناعة الرواية: مؤثرات وتمثيلات"، قدمت تحليلات متنوعة للموروث الأدبي والابتكار في الرواية العربية المعاصرة؟ فهل تتفق على ضرورة إعادة قراءة التراث العربي القديم بأسلوب يتناسب مع تلقي الجيل الحديث له والاستفادة منه؟

كان هذا الكتاب خطوة من الخطوات الأولى التي أحببتها؛ إذ يركز على دراسة أعمال الروائيين السعوديين والعرب، ويحاول المساهمة في فهم الخطاب الروائي وتمثله للتراث العربي. وفي العودة إلى السؤال أقول إنه من الصعب الحكم على هذا التوظيف بوصفه ظاهرة مطلقة، لكن عددا غير قليل من الروايات المحلية والعربية اتجهت في بداياتها إلى جانب العودة الكاملة إلى الماضي بصورة مباشرة، فلم تحقق الإفادة منه، بل تضامن اشتغالها مع الحنين إليه، وأظن أن هذا البعد مستعار من تجربة الحنين، التي اعتاشت على ذلك زمنا طويلا، ورسخ ذلك صلابة تلك البنية في التجربة الشعرية، إذ انعكست تجلياتها في النصوص منذ قرون، فاستجاب لها الشاعر، وتصدّرت موضوعات الأدب، وتملكت استجابة المتلقين.

النقد العربي غني ومثمر وقادر على المثاقفة والتفاعل مع التغيرات

 يبدو أن القسوة والفشل في تجارب ما وضعت أهمية كبرى لاستجلاب هذا الموضوع، وهذا ما حرص الكتاب على تناوله دون ترسيخ ما هو سلبي، واجتياز ذلك إلى جوانب إيجابية، رغبة في بث روح التفاؤل عوضا من التشاؤم في النظر إلى هويتنا الثقافية وأوضاعها، ودعوة إلى استثمار ذلك في بناء الهوية الفردية والجمعية وتعزيز حضورهما ومشاركتهما في الإسهام في هذا العالم. من هذه الزاوية تتجلى الرواية التاريخية في مستويات كثيرة: قد يكون الأدنى منها، في رأيي، متضمنا الاستعادة بشرط الماضي، وقد يكون الأهم منها ذلك الذي يصر على الاستعانة بشرط الحاضر، وبين قالبي الاستعادة والاستعانة فرق كبير، ونماذج كثيرة، نصل منها إلى ما يمكن وصفه بشعرية المسافة التي تحدد التجربة وموقعنا منها، يتمثل في كون الأول يخضع لضغوط تأثير النص الماضوي ويكون توظيفه مباشرا ولا دور للروائي إلا باستعادة النص والتفاعل العاطفي معه، وقد يصل الأمر ببعض الروائيين إلى الشعور بأن هذا التوظيف يقود إلى منطقة آمنة، بل أكثر أمانا من المرحلة التي يعيشها. بينما يحرص الروائي من النوع الآخر إلى توظيف مكونات ما من أجل تقديم الماضي بةصفه وقودا فاعلا للحاضر، مستشارا قد يؤخذ برأيه أحيانا، ولا يؤثر ذلك على موقعه من التجربة الكتابية الحديثة. الرواية الجيدة قد تفتح آفاق التاريخ، لكنها لا تسمح له بالهيمنة على مكوناتها.

معجب العدواني.

  •  الباحث في النقد الأدبي العربي الحديث سيجد أنه لا يزال بعد هذه العقود الطويلة متأثرا بالنقد الغربي، فمتى يمكن لهذا الارتباط أن يتفكك؟ وما العوامل التي يحتاجها المشهد العربي ليقدم ما يتناسب مع خصوصيته؟

هذا التأثر بالعالم من حولنا ليس علامة ضعف كما قد يراه بعضُنا، فالعالم يتداول المعرفة النقدية في كل لحظة منذ آلاف السنين، ومن أهملها ولم يُفِد منها، فقد معنى حضوره. هناك استقبال أولي لا غنى عنه، وهناك استفادة من ذلك لن نستغني عنها في الحقل العلمي. وأظن أن النقد العربي غني ومثمر وقادر على المثاقفة والتفاعل مع التغيرات، ليس لأنه لا يملك الخبرة والتاريخ فحسب، بل لأنه يملك موروثا إبداعيا مهما وحاضرا في الثقافات العالمية. وربما كانت الخصوصية بنجاح تفاعلنا مع ما هو حديث، وخلق ما يميزنا عن غيرنا من السابقين أو المعاصرين، لا بالانكفاء على ما هو تقليدي وسائد.

font change

مقالات ذات صلة