منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022، أصبحت مسألة منع تصعيد الصراع نحو مواجهة واسعة النطاق بين روسيا والغرب في صلب اهتمامات زعماء العالم. إذ بذلت إدارة الرئيس بايدن جهودا مكثفة لتقييد الإمدادات العسكرية المتقدمة لأوكرانيا، مدفوعة بالخوف من إثارة غضب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ودفعه لتوسيع رقعة هجومه العسكري، ما قد يشعل فتيل مواجهة مباشرة مع حلف "الناتو".
من ناحيتها، كانت موسكو حريصة على توضيح أن على الغرب أن يتجنب تجاوز الخطوط الحمراء في دعمه لأوكرانيا، حيث استمر بوتين في التنبيه إلى قدرة الكرملين النووية كوسيلة لردع الغرب عن تورط عميق في الصراع.
وبالتالي، فإن التقارير التي تناولت نشر كوريا الشمالية لآلاف من جنودها دعما للهجوم العسكري الروسي في أوكرانيا، ستثير قلقا عميقا بين دول الغرب من أن يؤدي ذلك إلى تصعيد كبير في النزاع بين موسكو والغرب، في حين يكثف بوتين جهوده للسيطرة على الأراضي الأوكرانية. وقد باتت إمكانية مشاركة بيونغ يانغ في "العملية العسكرية الخاصة" في أوكرانيا موضوع تكهنات متزايدة منذ الصيف، عندما زار بوتين بيونغ يانغ والتقى بالديكتاتور كيم جونغ أون.
وبعد توقيع الزعيمين على اتفاقية "الشراكة الاستراتيجية الشاملة" التي تضمنت تعهدا بالمساعدة المتبادلة في حال تعرض أي من البلدين لهجوم، كانت هناك مؤشرات على أن كوريا الشمالية وافقت على زيادة دعمها العسكري لروسيا مقابل تقديم موسكو دعما ماليا وخبرة نووية لبيونغ يانغ.
وفي ظل الصعوبات التي تواجهها روسيا للحفاظ على زخم هجومها في أوكرانيا، ومع تكبدها خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات، أصبحت كوريا الشمالية واحدة من أهم الداعمين العسكريين لها، من خلال تقديم الصواريخ والذخائر بشكل مستمر.
لذلك، تُعتبر التقارير الأخيرة التي تفيد بموافقة كوريا الشمالية على زيادة دعمها من خلال نشر قوات برية لتعزيز العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا بمثابة تصعيد كبير في النزاع من وجهة نظر القادة الغربيين.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، أصدرت وكالة الاستخبارات الكورية الجنوبية تحذيرا مفاده أن حوالي 12,000 جندي كوري شمالي يخضعون للتدريب للقتال إلى جانب القوات الروسية، وأن 2,600 منهم قد تأقلموا بالفعل مع الظروف في أقصى شرق روسيا. كما انتشرت مقاطع فيديو تُظهر فيما يبدو أنها تدريبات للقوات الكورية الشمالية في قاعدة عسكرية روسية.
من جهة أخرى، حذرت مصادر استخباراتية أوكرانية من وصول وشيك لهذه القوات، حيث توقع كيريلو بودانوف، رئيس الاستخبارات العسكرية الأوكرانية، وصول قوات كورية شمالية إلى منطقة كورسك الروسية بحلول يوم الأربعاء.
وكانت القوات الأوكرانية قد استولت على مساحات واسعة من الأراضي في كورسك خلال الصيف، مما دفع موسكو لشن هجوم مضاد لاستعادة السيطرة على المنطقة.
وللمرة الأولى، أكدت الولايات المتحدة نشر آلاف الجنود الكوريين الشماليين في روسيا، حيث حذر وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن من أن هذا النشر يمكن أن يشكل تصعيدا خطيرا جدا للنزاع. وأشار أوستن للصحافيين في روما هذا الأسبوع إلى وجود دلائل على وجود قوات كورية شمالية في روسيا، محذرا بقوله "إذا كانوا متورطين في الحرب، وكان هدفهم المشاركة فيها لصالح روسيا، فإن ذلك يُعد مسألة خطيرة للغاية".
كانت موسكو حريصة على توضيح أن على الغرب أن يتجنب تجاوز الخطوط الحمراء في دعمه لأوكرانيا
وفي توضيح لاحق لتصريحات أوستن، أشار مسؤول عسكري أميركي كبير إلى أنه على الرغم من وجود آلاف الجنود الكوريين الشماليين في روسيا، "لا نعرف ما هي مهمتهم أو ما إذا كانوا سيتوجهون للقتال في أوكرانيا".
ومن جهتهم، رفض المسؤولون الروس تأكيد أو نفي وجود قوات كورية شمالية على أراضيهم تستعد للقتال في أوكرانيا.
ومن المؤكد أن تعزيز القوات الكورية الشمالية للجهود الحربية الروسية في أوكرانيا سيشكل تحديا كبيرا للقوات الأوكرانية، التي تعاني بالفعل من نقص حاد في القوة البشرية وهي تكافح للحفاظ على عملياتها العسكرية على عدة جبهات.
وقد تعمقت المخاوف بشأن قدرة أوكرانيا على تجنيد قوات جديدة لدعم جهودها الحربية، لاسيما بعد استقالة المدعي العام الأوكراني أندريه كوستين، الذي تحمل المسؤولية عن فضيحة تتعلق باستغلال عشرات المسؤولين لمناصبهم للحصول على إعفاءات من الخدمة العسكرية.
وناقش اجتماع لمجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني، سبل مكافحة الفساد والثغرات التي يستغلها البعض للحصول على تأجيلات التجنيد. وقد أثار هذا الاجتماع ضجة وطنية بعدما نشر صحافي قصة تشير إلى أن 50 مدعيا عاما في منطقة خميلنيتسكي الغربية سجلوا أنفسهم كمعاقين.
ومع استمرار معاناة أوكرانيا في محاولاتها للعثور على أعداد كافية من المجندين لدعم جهودها الحربية، فإن تعزيز القوات الكورية الشمالية لن يُغير قواعد اللعبة في ساحة المعركة فحسب، بل يعكس أيضا العزم المتزايد لدى بوتين على بناء تحالف قوي لمواجهة الهيمنة الغربية الطويلة على الساحة العالمية.
وقد تجلت رغبة بوتين في تأسيس ما يطلق عليه "النظام العالمي الجديد" لمنافسة الغرب، خلال قمة استضافها في مدينة قازان وسط روسيا هذا الأسبوع. في سعيه لتوسيع نفوذ كتلة "بريكس"، وأكد بوتين على تصميمه لإنشاء هيئة اقتصادية جديدة كرد على الهيمنة التقليدية للغرب.
وخلال اليوم الثاني من القمة التي دامت ثلاثة أيام، والتي تهدف لتوسيع مجموعة "بريكس" لتشمل 22 عضوا، صرح بوتين بأن "عملية تشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب جارية، وهي عملية ديناميكية ولا رجعة فيها". وكان من بين الحاضرين في القمة الرئيس الصيني شي جينبينغ، إلى جانب قادة من إيران والهند وجنوب أفريقيا ومصر والإمارات العربية المتحدة وإثيوبيا.
ومع سعي بوتين إلى توسيع شبكة التحالفات الروسية عبر العالم، يبدو واضحا أن تحديه للهيمنة الغربية يتجاوز بكثير نطاق الصراعات العسكرية في أوكرانيا.