زيارة رئيسة الهند إلى الجزائر... خطوة لإعادة بناء الثقة

جاءت الزيارة بعد فتور دبلوماسي بين البلدين

مكتب رئاسة الهند
مكتب رئاسة الهند
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون والرئيسة الهندية روبادي مورمو

زيارة رئيسة الهند إلى الجزائر... خطوة لإعادة بناء الثقة

قد توحي الزيارة الأخيرة و"المفاجئة" للرئيسة الهندية روبادي مورمو إلى الجزائر، بـانفراجة وشيكة بعد فتور طرأ على العلاقات بين البلدين في العامين الأخيرين على خلفية ما تم تداوله عن اعتراض نيودلهي على انضمام الجزائر إلى مجموعة "بريكس".

وقد يُنظر إلى زيارة روبادي مورمو إلى الجزائر، الأولى من نوعها على مستوى زيارات الرؤساء منذ 23 عامًا، على أنها بمثابة محاولة لملء الفراغ الذي كاد أن يعصف بالتراث الدبلوماسي والنضالي المشترك بين البلدين وإحياء مسار نيودلهي-الجزائر كما كان عليه في حقبة السبعينات والثمانينات قبل أن يتراجع بشكل لافت في العقدين الأخيرين.

ولقد انطوى المشهد السياسي في البلاد على انتقادات كبيرة للهند على خلفية غياب الجزائر عن قائمة الدول الست التي انضمت لمجموعة "بريكس" رغم الدعم الكبير الذي حظيت به من الصين وروسيا وجنوب أفريقيا، ورغم أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لم يذكرها بالاسم، غير أنه لمح في اللقاء الدوري الأول الذي أجراه مع ممثلي الصحافة المحلية منذ انتخابه لولاية رئاسية جديدة لدورها في منع بلاده من الولوج إلى هذه المنظمة دون أن يذكرها بالاسم، وقال: "كنا نتمنى دخول منظمة (البريكس)، لكن اليوم لم تعد لدينا الرغبة مثل الماضي"، مُضيفا: "من حاول منع دخول الجزائر إلى (بريكس) عليه أن يعرف أنه لم ولن يُؤثر في الجزائر والمستقبل كشاف".

واللافت أن الزيارة بددت أجواء الفتور الدبلوماسي بين البلدين، ويقول البروفيسور نور الصباح عكنوش، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة بسكرة لـ"المجلة" إن "الزيارة أعادت بناء الثقة بين البلدين اللذين تجمعهما علاقات تاريخية مرت في السنوات الأخيرة بفراغ دبلوماسي كبير ولذلك كانت في حاجة ماسة إلى عملية تقييم وتقويم شاملة في إطار برغماتي يقوم على مبدأ رابح–رابح بالنظر لقوة الاقتصاد الهندي كخامس اقتصاد في العالم من جهة وللمكانة التي يتمتع بها الاقتصاد الجزائري كقوة صاعدة، وهو ما يفتح آفاقا مستقبلية لدعم قيم التعاون المشترك نحو بلوغ شراكة استراتيجية في المدى المنظور، خاصة في مجال البحث العلمي وتطوير التكنولوجيات الرقمية الحديثة وصناعة السيارات والاستثمارات البعيدة المدى وغيرها من مستويات البناء الثنائي لمواجهة التحديات القادمة".

هناك حاجة ماسة إلى عملية تقييم وتقويم شاملة في إطار برغماتي يقوم على مبدأ رابح–رابح بالنظر لقوة الاقتصاد الهندي كخامس اقتصاد في العالم من جهة وللمكانة التي يتمتع بها الاقتصاد الجزائري كقوة صاعدة

ووصف المحلل السياسي والباحث الاجتماعي أحسن خلاص، الزيارة بـ"المهمة" بالنسبة للجزائر التي تسعى جاهدة من أجل تنويع شركائها الاستراتيجيين والاستفادة في المقابل من التجربة الهندية، ويقول لـ"المجلة" إن "الجزائر فضلت ربط علاقات جديدة مع الهند بما يخدم مصالحها بكل برغماتية بغض النظر عن الظروف السابقة، لا سيما وأن العالم يعرف اليوم تكتلات وليس من مصلحة الجزائر الدخول في نزاع مع أي بلد سيما مع بلد بحجم الهند الذي تربطنا به علاقات تاريخية ويتمتع بقدرات هائلة في التكنولوجيات والأبحاث الفضائية والطاقة وهي رهانات مستقبلية تحتاج إلى شركاء أقوياء".

واتفق البلدان خلال الزيارة على ترقية مستوى التعاون الاقتصادي وتشجيع الاستثمار والتبادل التجاري بين البلدين الذي يبقى أقل من المستوى بكثير فهو في حدود ملياري دولار فقط.

أ.ف.ب
عمال يقومون بتحميل أكياس من الأرز على شاحنة في سوق الحبوب بالجملة في أمريتسار، الهند. 5 أكتوبر 2023

وتكشفُ بيانات وأرقام رسمية لحجم التبادلات التجارية الثنائية، أن هذه المبادلات قد بلغت أعلى سقف لها عام 2018، حيث سجلت 2.9 مليار دولار أميركي، قبل أن تتراجع خلال جائحة كورونا إلى حدود 1.5 مليار دولار بسبب سياسة الإغلاق وتقييد الواردات الجزائرية بسبب أزمة النقد الأجنبي، غير أن حجم المبادلات عاد ليرتفع من جديد عام 2022 ارتفاعا بنسبة 24 في المائة، إلى حدود 2.1 مليار دولار أميركي.

وتشمل الصادرات الهندية إلى الجزائر: الأرز، اللحوم، الجرانيت، المواد الأولية للأدوية والمواد الكيماوية ومنتجات أخرى كالشاي والحبوب، وتخطت خلال 2022 سقف 600 مليون دولار أميركي، وارتفعت في العام الموالي 2023 إلى أكثر من 848 مليون دولار أميركي، بينما بلغت صادرات الجزائر إلى الهند والتي تشمل خاصة الزيوت البترولية والغاز الطبيعي المسال وفوسفات الكالسيوم الطبيعي والميثانول المشبع واليوريا، خلال 2022، مستوى 1.5 مليار دولار أميركي، وتراجعت العام الماضي 2023 إلى أكثر من 885 مليون دولار أميركي.

وعلى هذا الأساس سيتم التحضير لعقد دورة للجنة المشتركة للتعاون وآلية للتشاور السياسي قريبا، في خطوة تهدف إلى تسريع وتيرة التعاون وتحقيق نتائج ملموسة على الميدان في مجالات مُهمة مثل الطاقة، وصناعة الدواء وتكنولوجيا الاتصال، وانعقد بالمناسبة المنتدى الاقتصادي الجزائري-الهندي الذي جمع رجال الأعمال والمستثمرين من البلدين، وعلى هامش هذا المنتدى أكدت الرئيسة مورمو على النمو الاقتصادي السريع الذي تشهده الجزائر في السنوات الأخيرة، معتبرة أن هذه التطورات الاقتصادية توفر فرصة ذهبية لتطوير الشراكات الاقتصادية بين البلدين، وأوضحت أن الهند تسعى إلى إطلاق "عهد جديد" من التعاون الثنائي في مجالات متنوعة تشمل الصناعة الصيدلانية، وتكنولوجيا المعلومات، والشركات الناشئة، والزراعة، والفضاء.

أ.ف.ب
اجتماع مجموعة البريكس في سانت بطرسبرغ، 11 سبتمبر 2024

وعرف المنتدى الذي انعقد تحت شعار "نحو بناء تعاون اقتصادي مثمر"، توقيع مذكرة تفاهم بين مجلس التجديد الاقتصادي الجزائري واتحاد غرف التجارة، وقد حضر هذا المنتدى أكثر من 300 متعامل اقتصادي جزائري وهندي يُمثلون قطاعات مُتعددة تشمل تكنولوجيا الإعلام والاتصال، والصناعات الغذائية، والطاقة والمناجم، وتحلية مياه البحر، وعلى هامش المنتدى أيضا تم عقد لقاءات ثنائية بين المتعاملين الاقتصاديين من البلدين، تم من خلالها بحث سبل استغلال الفرص الاستثمارية المتاحة في البلدين مع السعي إلى لعب دور فاعل على الساحة الدولية من خلال حركة عدم الانحياز.

font change

مقالات ذات صلة