طوال سنوات، لم يكن الكثيرون في الغرب على دراية بوجود مشهد فني نابض بالحياة في المملكة العربية السعودية، لكن هذا الواقع تغير الآن، مثلما يؤكد أول معرض استعادي كبير للفن السعودي استضافته "دار سوذبيز للمزادات" في لندن الشهر الماضي، حيث شهدت البلاد ارتفاعا كبيرا في مستوى الإبداع وظهر عدد من الفنانين السعوديين، وخاصة أولئك المرتبطين بمجموعة "حافة الجزيرة العربية" (Edge of Arabia)، مثل أحمد مطر. كما أخذ الفن السعودي يترك بصمة دولية، كما حدث في البندقية، حين عملت سلسلة من الأجنحة السعودية على تعريف عالم الفن بفناني التركيب السعوديين الطموحين. لقد أحدثت أعمال مثل "الفلك الأسود" للفنانتين شادية ورجاء عالم (2011) أو "الطريق المفقود" لمهند شونو (2020) أثرا كبيرا.
جيل الرواد
في الواقع، كادت الحماسة المتقدة التي أحاطت بموجة الفن السعودي المعاصر أن تحجب الأساس الذي قام هذا الانفجار الإبداعي عليه، فكأن هذه الموجة ولدت من العدم. لكن أحمد مطر نفسه هو بمثابة شهادة على التقليد الفني الطويل. ولعلّ صورة لمطر عندما كان شابا، وهو يبتسم بفخر الى جانب أحد رواد الفن في المملكة، عبد الحليم الرضوي (1939-2006)، تجسّد هذا التاريخ.
التقطت الصورة في مدينة أبها، مسقط رأس مطر، حيث اعتاد الفنان الأكبر سنا استضافة التجمعات وورش العمل والجلسات النقاشية حول الفن، وكان يرشد الفنانين الجدد. كان مطر نفسه رساما ناشئا في ذلك الوقت، قبل فترة طويلة من شهرته بتصويره الكعبة كمكعب أسود مغناطيسي محاط ببرادة الحديد. وقد كتب عن تطور الفن منذ فترة ما بعد الحرب ووصف كيف تمكن من الاستمرار في ظل القيود المفروضة خلال ما يسمى بـ"الصحوة". ووفقا لروايته، فإن التقليد يمتد إلى الوراء، دون انقطاع، إلى الرضوي، قبل أن ينتقل إلى الجيل الحالي.
حمل المعرض الاستعادي اسم "خمسون" وهو يهدف إلى توجيه الانتباه نحو الأجيال السابقة من الفنانين. وعندما بيعت لوحة بلا عنوان لمحمد السليم، وهو معاصر لعبد الحليم الرضوي، بما يقرب من مليون جنيه إسترليني في "دار سوذبيز للمزادات"، غدا واضحا أن الأعمال القديمة تحظى بالقدر نفسه من التقدير مثل تلك الحديثة.
تتميز اللوحة بطبقات وردية وبنية مع أطياف أشكال، وهي تصور، كما أوضح تاجر الأعمال الفنية قسورة حافظ ــ الخبير في الفن السعودي من تلك الحقبة ــ أشخاصا يستمتعون بعطلة نهاية الأسبوع في الصحراء، يحتمون بخيمة.