تأخذه زجاجة الحبر عبر مسارات شتى، صفاته الذاتية، صفات فنه، صفات شخصياته المستعارة، المنافي التي رُمي فيها، أراد أن يصبح منجِّما، عبدا لذوات مضاعفة، باحثا جليلا في توافه الأمور، مترجما ومحررا لا يضاهى لأعماله غير المكتملة، الواقف على هامش ما ينتمي إليه، دائم الارتياب في واقعية وجوده الأرضي، الغامض مثل قمر منتصف الظهيرة، المجهول من لدن ذاته، هو فرناندو أنطونيو نوجييرا بيسوا (1888- 1935).
في كتاب "بيسوا في شبكة نصية متداخلة... الابتكار والتأثير"، تحرير ديفيد ج. فراير، يذكر ريتشارد زينيث الكاتب والمترجم الأميركي من أصل برتغالي، في الدراسة الأولى من الكتاب، وتحت عنوان "بيسوا الخارق"، أنه وُجِدَ في جَرد لمكتبة فرناندو بيسوا بعد موته عام 1935، كتاب بعنوان "هل لديك إرادة قوية؟"، وكتاب آخر بعنوان "الخجل... دراسة نفسية وأخلاقية". نُشر الكتابان على التوالي في عامي 1912، و1913.
قبل ذلك في عام 1907، انتحل بيسوا شخصية طبيب نفسي، يُدعى فوستينو أنتونيس الذي اتصل بزميل بيسوا في المدرسة الثانوية كليفورد غيرتس، للحصول منه على معلومات عن الطالب فرناندو بيسوا، تتعلّق بقوة شخصيته. أجاب كليفورد بأن زميله بيسوا في المدرسة الثانوية، لم يستطع يوما أثناء الدراسة قول الحقيقة، حتى لو كانت تلك الحقيقة لا تحمل خطر الإيذاء لأشخاص آخرين، أو لبيسوا نفسه، وهذا الكتمان الغريب لحقائق تافهة أرهق ملامح وجهه، وجعله شفافا مثل شبح، ولم يجد زملاء الدراسة مشكلة تُذْكر في حمل بيسوا الوديع على تنفيذ أوامرهم.
في عام 1919، قبل ثلاثة أيام من عيد ميلاده الحادي والثلاثين، كتب بيسوا رسالة إلى هيكتور وهنري دورفيل، مديري معهد المغناطيسية والنفسية التجريبية بباريس، للاستفسار عما إذا كانت إحدى دورات المراسلة الخاصة بالمعهد في المغناطيسية الشخصية، قد تساعد في علاجه من ضعف الإرادة، ومُكافحة الشخصيات الوهمية لما بعد الذات.