"الصحراء الغربية"... نهاية صراع طويل؟

الزخم الدولي يصب اليوم بالكامل في صالح المغرب

أ ف ب
أ ف ب
نقطة العبور المغربية عن الحدود مع موريتانيا في الكركرات الواقعة في الصحراء الغربية في 24 نوفمبر 2020

"الصحراء الغربية"... نهاية صراع طويل؟

مع تقديرات متفاوتة، يجد بعض المراقبين السياسيين، أن نصف قرن من النزاع مضت على ملف "الصحراء الغربية"، يشكل دافعا كبيرا من أجل تحفيز المجتمع الدولي، ممثلا في هيئة الأمم المتحدة، كي ينتفض ليضع نقطة النهاية والحسم في نزاع إقليمي طَالَ وعمَّرَ أكثر مما يلزم.

فيما يتساءل مراقبون آخرون عمَّا ستخرج به قرارات مجلس الأمن، في اجتماعاته الحالية بشأن الملف الصحراوي.

استحضارا للموقف التقليدي للأمم المتحدة الذي يعتبر منطقة الصحراء الغربية ضمن "الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي"، فإنه لو حصلت هناك مفاجأة كبرى ومدوية، فلن تخرج عن إطار إقرار أممي صريح بسيادة المملكة المغربية على كامل منطقة الصحراء الغربية.

ورغم عدم وجود دلائل تشير إلى ما يناقض هذا الاحتمال الوحدوي، فإن أصواتا مغربية لبعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي، تبعا لاستنتاجاتهم من أجواء المناقشات التي سادت الاجتماعات الأخيرة للجنة، يشتمّون "رائحة غير سليمة"، قد لا تصب في صالح المغرب. فإنهم يستفهمون حول إمكانيات إيجاد تسويغ قانوني لسحب ملف قضية "الصحراء المغربية" من بين يدي اللجنة الرابعة.

نصر وحدوي

وفقا لما نقلته مصادر من نيويورك، استندت على تصريح سفير المغرب في الأمم المتحدة عمر هلال، فإن اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة، اعتمدت يوم الأربعاء في 16 أكتوبر/تشرين الأول، قرارا يستبعد خيار الاستفتاء بشكل نهائي، وأن هذا القرار لم يتضمن، على غرار القرارات السابقة التي تبناها مجلس الأمن على مدى عقدين، أي إشارة إلى الاستفتاء الذي أقره في السابق الأمين العام للأمم المتحدة والجمعية العامة ومجلس الأمن.

كما يجدد القرار دعم العملية السياسية، تحت الإشراف الحصري للأمم المتحدة لتسوية نزاع الصحراء. وأضافت المصادر ذاتها، أن السفير هلال، أوضح أن "المغرب ملتزم بحزم بالتسوية النهائية للنزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية"، مبرزا أن المغرب يظل متشبثا بشكل وفيّ بالعملية السياسية، الجارية تحت الإشراف الحصري للأمم المتحدة من أجل التسوية النهائية لهذا النزاع، على أساس المبادرة المغربية للحكم الذاتي، في إطار سيادة المملكة ووحدتها الترابية".

بين المحكمة الأوروبية ومجلس الأمن

للتذكير، منذ بداية شهر أكتوبر، سلطت الأضواء من جديد على "قضية الصحراء الغربية"، لتعود بقوة إلى واجهة الاهتمام والاستقطاب الدولي، وذلك بمناسبة انعقاد دورة مجلس الأمن في الأمم المتحدة. حيث عرفت "لجنة المسائل السياسية الخاصة وإنهاء الاستعمار"، داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة (اللجنة الرابعة)، مناقشات حادة بين ممثلي الأطراف المتنازعة، أي بين المغرب و"جبهة البوليساريو" والجزائر، وبالتالي بقية الحلفاء الذين يتجاذبهم هذا النزاع، سواء منهم حلفاء جبهة البوليساريو، أو الموالون للموقف المغربي.

يجدد القرار دعم العملية السياسية، تحت الإشراف الحصري للأمم المتحدة لتسوية نزاع الصحراء

غير أنه في الأعوام الأخيرة، وبعد فترات متأرجحة بين التجميد والتململ والسبات، عرفت قضية الصحراء الغربية جملة من الأحداث المتسارعة والتطورات المتفاوتة، ساهمت بهذا القدر أو ذاك، في إنتاج بعض التحولات المؤثرة على طريق إنهاء الملف. لعل من أهم هذه التطورات الاعتراف الأميركي بالسيادة المغربية على الأقاليم الصحراوية في ديسمبر/كانون الأول 2020. تلاه الاعتراف الإسباني (2022)، ثم الاعتراف الفرنسي (2024)، ناهيك عن مواقف دول أخرى، أوروبية ومن أميركا اللاتينية، وأغلب دول الجامعة العربية والكثير من دول الاتحاد الأفريقي، ممن أعربت حكوماتها رسميا عن دعمها لمبادرة "الحكم الذاتي" في الصحراء الغربية التي تقدم بها المغرب، في  أبريل/نيسان 2007، مرحبة بالمبادرة على أساس كونها "الحل الأمثل والواقعي والجدي والموثوق القائم على التوافق" لجعل حد هذا النزاع الإقليمي، الذي يدنو اليوم من استكمال نصف قرن على اندلاعه، إلى درجة أصابت السكان المحليين بشكل عام بنوع من السأم.
ومن المعلوم أن ملف قضية الصحراء الغربية، كان ولا يزال مثار نقاشات مطولة في عدد من المحافل الدولية، ويصنف ضمن أقدم الملفات المعروضة على الأمم المتحدة منذ مستهل ستينات القرن العشرين (1963)، دون التمكن من الوصول إلى إيجاد حل سياسي عادل ودائم ومقبول، يستند على احترام مبادئ القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة. 

 

من التدبير إلى التغيير

ضمن هذا السياق، كان لافتا ما جاء به الخطاب الذي ألقاه الملك المغربي محمد السادس أمام أعضاء البرلمان المغربي، بتاريخ 11 أكتوبر الجاري، بمناسبة افتتاح الدورة الخريفية للمؤسسة التشريعية، وهو الخطاب التوجيهي الذي تركزت جميع فقراته على موضوع واحد هو "قضية الصحراء". ما اعتبره بعض المحللين السياسيين محاولة مغربية لـ"حسم الملف وعدم تركه مفتوحا للأجيال القادمة". خاصة أن المغرب سجل في الفترات الأخيرة نقاطا مهمة في حلبة الصراع الدبلوماسي، من شأنها التوفيق في كسب مبادرته الخاصة بـ"خطة للحكم الذاتي"، والإسقاط بشكل نهائي لمبدأ "تقرير المصير" بواسطة عملية استفتائية للسكان الذين تتأصل جذورهم في الصحراء الغربية. 
وقد أكد الملك المغربي على أن "قضية الصحراء المغربية هي القضية الأولى لجميع المغاربة"، معلنا الانتقال من "مرحلة التدبير إلى مرحلة التغيير، داخليا وخارجيا، وفي كل أبعاد هذا الملف". على أساس "أخذ المبادرة والتحلي بالحزم والاستباقية". و"بكل الوسائل والإمكانات المتاحة، للتعريف بعدالة موقف بلادنا، وبحقوقنا التاريخية والمشروعة في صحرائنا، وذلك رغم سياق دولي صعب ومعقد".
ومن معالم هذا السياق الدولي "الصعب والمعقد"، تستوجب الإشارة إلى القرار القضائي الصادر بتاريخ الرابع من أكتوبر 2024 عن محكمة العدل الأوروبية، قضى بإلغاء الاتفاقيات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب بشأن الصيد البحري والمنتجات الزراعية. 
والمداولات التي شهدتها اللجنة الرابعة خلال هذا الشهر (أكتوبر 2024) التي أشرنا إليها أعلاه.
وكان منتظرا أن تستقبل كل من البوليساريو والجزائر قرار المحكمة الأوروبية بسعادة وترحيب كبيرين. غير أن الرباط سارعت إلى الرد وبحسم بأن المغرب "غير معني بأي حال من الأحوال بقرار محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي". ما دامت المملكة المغربية "لم تشارك في أي مرحلة من مراحل هذا الإجراء".
وأكد المغرب مجددا موقفه بعدم الانضمام إلى اتفاق لا يحترم سلامته الإقليمية ووحدته الترابية الكاملة.

 

اختصاص أممي

على خلفية قرار حكم محكمة العدل الأوروبية، أتت ردود الفعل لعدد من الدول الأوروبية لتؤكد على أهمية الشراكة الاستراتيجية مع المغرب، وحاجة أعضاء الاتحاد الأوروبي إلى "الحفاظ على العلاقات الوثيقة مع المغرب وتعزيزها في جميع مجالات الشراكة". 
وفي السياق ذاته، صوتت أغلبية أعضاء البرلمان الأوروبي على رفض طرح القضية ضمن جدول أعماله، بالموازاة مع إقرار أكثر من خمس وعشرين دولة أوروبية بأن "ملف الصحراء هو اختصاص حصري للأمم المتحدة"، مجددة تأكيدها على دعم قراراتها لإيجاد حل سياسي عادل وواقعي وعملي ومستدام ومقبول من الطرفين.
من هنا يمكن مقاربة التنويه الملكي المغربي أمام البرلمان، والإشادة بالجمهورية الفرنسية وبرئيسها إيمانويل ماكرون، حيث اعترفت بالسيادة المغربية على الأراضي الصحراوية، من خلال دعمها لمبادرة الحكم الذاتي.
وأكد العاهل المغربي أن "فرنسا تعرف جيدا حقيقة وخلفيات هذا النزاع الإقليمي".
وفي شهر أغسطس/آب 2024، نشر "معهد الولايات المتحدة للسلام" مقالا بقلم مدير برامج شمال أفريقيا في المعهد، دكتور توماس هيل، بعنوان: "لقد انتهى الصراع في الصحراء الغربية، والآن يأتي دور التفاوض على الشروط، مؤكدا أن اعتراف فرنسا بالسيادة المغربية يعد خطوة حاسمة نحو إنهاء صراع الصحراء الغربية، وأنه ينبغي للبوليساريو والجزائر التفاوض على شروط السلام قبل أن يصبح الوضع الراهن دائما.

 أ ف ب
رئيس الوزراء المغربي عزيز أخنوش يلقي كلمته امام الجمعية العامة للامم المتحدة في 24 سبتمبر

ورأى الخبير الأميركي أن الاعتراف الفرنسي  بمطالبة المغرب بالسيادة على الصحراء الغربية (في آخر يوليو/تموز 2024)، وضع النهاية لواحدة من أطول الحروب في أفريقيا. معتبرا أنه الخيار الأفضل للصحراويين ولداعمتهم الجزائر، وأن على هؤلاء الآن اغتنام الفرصة للتفاوض على أفضل شروط السلام الممكنة مع المغرب.
 كما أن إنهاء الحرب، فضلا عن إزالة مصدر إزعاج رئيس للعلاقات المغربية- الجزائرية، من شأنه تحسين الاستقرار الإقليمي وإنقاذ الكثير من السكان بلا جنسية ويعيشون في بؤس بمخيمات تندوف.
وفي حين أكدت الجزائر منذ فترة طويلة على أهمية ما تصفه بإنهاء "الاستعمار في الصحراء الغربية"، فإن قبول جبهة البوليساريو للحكم الذاتي من شأنه أن يوفر للجزائر الغطاء المحلي لقبول السيادة المغربية. 

قبول جبهة البوليساريو للحكم الذاتي من شأنه أن يوفر للجزائر الغطاء المحلي لقبول السيادة المغربية

إن الزخم الدولي يصب اليوم بالكامل في صالح المغرب، باتجاه الإنهاء الفعلي للصراع على إقليم الصحراء الغربية. والاستمرار في إنكار هذا الواقع لن يؤدي إلا إلى ضمان تسوية نهائية أقل ملاءمة لن تكون في مصلحة جبهة البوليساريو وداعميها.
وإلا فإن خلاف ذلك سيكون بمثابة إنكار لحقيقة واضحة وعدم استيعاب ضروري بأن أحد أطول الصراعات في أفريقيا قد وصل أخيرا إلى نهايته.

font change

مقالات ذات صلة