لبنان في قلب الدمار فهل تكفيه المساعدات؟https://www.majalla.com/node/322740/%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D8%A3%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84/%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D9%82%D9%84%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%85%D8%A7%D8%B1-%D9%81%D9%87%D9%84-%D8%AA%D9%83%D9%81%D9%8A%D9%87-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A7%D8%AA%D8%9F
يستمر تعرض لبنان لغارات الطائرات الإسرائيلية المنتظمة التي تخلف دماراً مهولاً في الممتلكات والبنى التحتية، وآلاف القتلى والجرحى والمعوقين، وتلقى ربع الأراضي اللبنانية "أوامر إسرائيلية" بالاخلاء، كما أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، وأجبر أكثر من مليون ومئتي ألف شخص (وفقاً لوحدة إدارة الكوارث التابعة للحكومة اللبنانية) على النزوح دون أن يكون لديهم أي مأوى.
ونقلت جسور جوية مساعدات إنسانية وغذائية وطبية ومواد خاصة بالإيواء، من جهات مانحة عدّة، حكومية وأهلية، إلا أن هناك فجوة لا يعرف مدى قعرها بعد بين حجم المساعدات التي وصلت، والتي تُشكر الجهات المانحة عليها، وبين الحاجات الفعلية للبنان ليتمكن من معالجة المأساة الإنسانية الحاصلة، في حدّها الأدنى.
مؤتمر في باريس غدا لجمع المساعدات للبنان بمشاركة الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وتساؤلات عن إمكان بقاء مطار بيروت كمعبر إغاثة بمنأى من القصف بعد اكتمال ترحيل رعايا الدول العربية والأجنبية
ومن أبرز الجهات المانحة من الدول العربية إلى جانب المملكة العربية السعودية، كل من الإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت ومصر والأردن والجزائر والعراق وسلطنة عُمان. ومن الدول الغربية كل من الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة وكندا وفرنسا وروسيا ورومانيا وإيطاليا والصين وكولومبيا وسلوفاكيا وبولندا واليابان وفنزويلا والبرازيل والهند. كذلك شملت الجهات المانحة دولا إسلامية في مقدمها تركيا وباكستان.
أما من المنظمات الدولية، فتشمل اللائحة الاتحاد الأوروبي واليونيسيف ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، وبرنامج الأغذية العالمي (WFP)، واللجنة الدولية للصليب الأحمر. كما وصلت طائرات مساعدات إنسانية إيرانية إلى مطار اللاذقية السوري، وطائرة مساعدات فنزويلية إلى مطار دمشق، مخصصة للبنانيين النازحين الذين فرّوا إلى سوريا.
مؤتمر في باريس لإغاثة لبنان
وتنظم الحكومة الفرنسية غدا مؤتمراً دولياً لدعم لبنان في باريس، بمبادرة من الرئيس إيمانويل ماكرون، وستشارك فيه الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ومنظمات دولية وإقليمية، ومنظمات غير حكومية. وذكر أن المؤتمر يهدف لحشد جهود المجتمع الدولي من أجل الاستجابة لحاجة الشعب اللبناني للحماية وللمساعدات، وبحث سبل دعم الجيش اللبناني، أو القوات المسلحة الرسمية كما وصفها السفير الفرنسي في لبنان هيرفي ماغرو. ويأمل وزراء لبنانيون أن يحقق هذا المؤتمر بضع مئات ملايين الدولارات لتلبية الحاجات الأولية للنازحين من الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت لفصل الشتاء المقبل.
وهناك مخاوف من عدم استمرار وصول المساعدات الضرورية والأساسية بسبب القصف الذي تعرضت له الممرات البرية بين لبنان وسوريا، وفي مقدمها معبر المصنع الحدودي، الذي كانت تنقل عبره مساعدات، كما أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) في مطلع الشهر الجاري. واعتبرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في 4 أكتوبر/تشرين الأول، الضربات الجوية الإسرائيلية على المعبر الحدودي الرئيس بين لبنان وسوريا، عرقلة للعمليات الإنسانية.
في 2006، كان لدى لبنان رئيس للجمهورية وحكومة فاعلة، وكان اقتصاده واعداً، وقطاعه المصرفي يلعب دوراً أساسياً في الاقتصاد، مع ودائع سعودية وكويتية في البنك المركزي
تزامنا مع تطور الاعتداءات، تُثار تساؤلات حول إمكان بقاء مطار ومرفأ بيروت بمنأى من القصف بعد أن تكتمل عملية ترحيل رعايا الدول العربية والغربية عبرهما.
شتان ما بين يوليو 2006 وأكتوبر 2023
في عام 2006، كان لدى لبنان رئيس للجمهورية وحكومة فاعلة، وكان اقتصاده واعداً، وقطاعه المصرفي يلعب دوراً أساسياً في الاقتصاد، والاستثمارات الخليجية فيه على قدم وساق، وكان مصرف لبنان المركزي قادرا على التدخل لحماية الليرة والحفاظ على سعر صرفها، وتلقّى بعد وقت قصير من اندلاع الحرب وديعة بقيمة 1,5 مليار دولار من السعودية والكويت. وهبّت الدول العربية وفي مقدمها الدول الخليجية لمساعدة لبنان ومنع اقتصاده من الانهيار أثناء حرب عام 2006، وبلغ مجموع الأموال التي حصلت عليها الحكومة اللبنانية من الدول الشقيقة والصديقة والمؤسسات الدولية ما قيمته 1,174 مليار دولار.
وعقب انتهاء الحرب، قدّمت دول عربية عدة، وبعض الدول الإسلامية والغربية، المساعدات إلى لبنان لإعادة إعماره. كما عقدت مؤتمرات دعم دولية خصّصت منحاً وقروضاً ميسّرة بهدف تحفيز القطاع الخاص على النهوض بعد الحرب، الأمر الذي خفّف العبء على المالية العامة في البلاد.
أما اليوم، فيواجه لبنان في حرب 2023-2024، وضعاً غير مسبوق، فهو يعاني من أزمة مالية واقتصادية خانقة، وانهيار الليرة اللبنانية، وارتفاع معدلات التضخمّ، وافتقار الدعم المالي العربي والدولي، وتراجع احتياطات مصرف لبنان، وإفلاس القطاع المصرفي وفقدان الثقة به، وانخفاض الناتج المحلي. هذا عدا كون ثلاثة أرباع سكان لبنان تحت خط الفقر، كما أن علاقات لبنان مع معظم الدول العربية ليست كسابق عهدها.
يعكس التباين الكبير بين ظروف حربَي 2006 و2024 تآكل قدرة لبنان على الصمود أمام التحديات المالية والاقتصادية والإعمارية الراهنة
وفي ظل غياب كل مقومات الصمود المعيشية، قد يستحيل على اللبنانيين انتظار اكتمال وصول المساعدات اللازمة، هذا إن أمكن إيصالها، وفي الوقت المطلوب، كما أن إعادة بناء البنية التحتية المتضررة، والوحدات السكنية لإيواء المشردين، ستتطلب وقتاً طويلاً. علماً بأن لبنان يعاني من فراغ رئاسي ومؤسساتي، وحكومة تصريف أعمال ذات صلاحيات محدودة ليست قادرة على التعامل بفاعلية مع تداعيات الحرب، أو الحصول على الدعم الدولي الضروري.
هل تفيد المساعدات لبنان؟
لا شك أن التباين الكبير بين ظروف حربَي 2006 و2024 يعكس ضعف قدرة لبنان على الصمود أمام التحديات المالية والاقتصادية الراهنة.
ولقد أسفرت حرب 2006 عن خسائر اقتصادية تقدّر بنحو 7 مليارات دولار، منها 3,6 مليارات دولار نتيجة تدمير البنية التحتية، و1,6 مليار دولار خسائر في المالية العامة، و2,4 مليار دولار طالت الناتج المحلي.
ولأن حرب 2024 لا تزال قائمة، يصعب التكهن متى سيحصل وقف نهائي لإطلاق النار والعمليات العسكرية، خصوصاً إذا استمرت إسرائيل في اعتماد سياسة الأرض المحروقة، وبالتالي يستحيل تقييم الخسائر. لكن حتى توقيت نشر هذا المقال، يتضح أن تكلفة إعادة الإعمار والتأهيل تفوق ما تم إنفاقه عام 2006 بأضعاف، وليس واضحاً كيف يمكن للبنان أن ينهض ما بعد هذه الحرب، ومن سيمد يد العون الى لبنان وينتشله من نكبته هذه المرة؟
قد تفيد المساعدات في لملمة جروح الناس ومآسيهم، لكنها حتماً لن تفيد لبنان كوطن إن لم تُعد بناء بنيته التحتية والوحدات السكنية التي دمرت، واستنهاض اقتصاده من الهاوية السحيقة
قد تفيد المساعدات في لملمة جروح الناس ومآسيهم، لكنها حتماً لن تفيد لبنان كوطن إن لم تُعد بناء بنيته التحتية والوحدات السكنية التي دمرت، واستنهاض اقتصاده من الهاوية، وهذا سيحتاج الى سنوات طويلة اذا توافر التمويل سريعا. كما ولن تفيد المساعدات إذا تكرّر تفجير لبنان كلّ عقدين من الزمن أو أقل.
ليس سهلاً شرح وتفصيل مشاكل اللبنانيين المستعصية على مر الزمن، فتاريخ لبنان سلسلة لا تكاد تنتهي من الحروب والصدامات والصراعات والأزمات، والاغتيالات، تتخللها هدنات وانفراجات، من عام 1820، أي قبل إنشاء الجمهورية اللبنانية عام 1943، إلى يومنا هذا.
لبنان يحتاج إلى تضافر جهود العقلاء والحكماء من أبنائه، بمؤازرة الخبراء في مجالات السياسة والاقتصاد والتشريع وعلم الاجتماع وعلم السلوكيات وعلم التربية الوطنية، لإيجاد نقاط مشتركة يُجمع اللبنانيين عليها، ويبنون عليها أسساً راسخة متينة لوطن مستقل مستقر، وبناء مواطن يدين له بالوفاء والولاء المطلق، وابتداع رؤية اقتصادية تناسب موقع هذا البلد الصغير، ذي الموارد الطبيعية المحدودة، والغني بالموارد البشرية والخبرات في شتى المجالات.