تقتحم الفنانة اللبنانية ماجدة ملكون في معرضها الأخير "الأم الرئيسة" في صالة "مايا آرت سبيس" في أسواق بيروت، الذي ربما يكون آخر المعارض التشكيلية التي شهدتها العاصمة قبل اندلاع أحداث الحرب الأخيرة، العديد من المناطق الممنوعة والمحاصرة بتصنيفات جامدة وعصية على النقاش. المرأة التي ترصدها، تخترع وجودها الخاص كما تتلقى المؤثرات التي يصنعها العالم وتحتويها، خالقة بذلك مجالا يستقبل الاجتماعي والثقافي والسياسي، ويشكله ويرمّمه ويعيد إصلاح صدوعه وشقوقه، ويعالج جراحه برؤية أنثوية تحتج وتتألم وتمارس سطوتها في آن واحد، من دون أن تفارق ملامح الأمومة بوصفها كيانا أصليا جامعا.
الأمومة كما تصفها ملكون، تمتاز عن سياقات التداول العمومي لهذا المفهوم، التي تمنحها مساحة ملتبسة وظالمة، وتمنحها تكريما مشعرنا في الوقت الذي تحاصر فيه أدوارها وحقوقها، وتعادي طاقاتها ومفاهيمها في الحياة الخاصة والعامة.
صيغة "الأم الرئيسة" تنطوي على محاولة للتعريف من ناحية، وتحرص من ناحية أخرى على ردّ التعظيم الأمومي إلى مصادره ومراجعه الخاصة من خلال حضور الأم الاحتضاني الاحتوائي، خالقة بذلك مساحة جدلية ثورية تشتبك مع إفرازات العيش في منطقة شرق أوسطية لا تزال تحيط النساء بأسوار من الطقوس والمعتقدات، وتلجم قوتها وحضورها.
تقنية خطيرة
خيار "الميكسد ميديا" الذي حكم بناء اللوحات، ساهم في بناء حالة عميقة من التواصل الدلالي بين الخطاب والتقنية. رحابته وتجريبيته، وما يتيحه من عمليات تناغم ومزج وإضافة وتركيب وتوسيع لمصادر العمل ومواده، تسمح بتراكم طبقات كثيفة من المعاني في جو من الخطر، إذ أن هذه التقنية رحبة في إمكاناتها بقدر ما هي خطيرة. فساد أحد أجزائها أو عدم انسجامه مع النظام العام للعمل لا يضعفه وحسب، بل يفككه.