رغم أن إسرائيل حتى الساعة، لم تحسم الزمان والمكان المناسبين لردها العسكري على إيران، ولم تحدد طبيعة الأهداف التي سوف تضربها، وما إذا كانت منشآت نووية أو نفطية أو قواعد عسكرية، تسود فكرة أن إسرائيل سوف تنتهز فرصة الرد هذه المرة، لتنفذ ضربة استراتيجية كبرى ضد إيران، ربما ستكون بمثابة الضربة القاضية على النظام.
ويعتقد كثيرون أن النظام الإيراني الذي برع على مدى أربعة عقود في مراكمة خصومات وعداوات عميقة بينه وبين شعوب المنطقة ودولها، فلن يجد من يطلب له الرحمة، بل على العكس سوف يجد نفسه محاطا بالمتحمسين والمشجعين على إسقاطه، وسوف يواجه وحيدا بلا تضامن ولا دعم، الضربة الإسرائيلية المتوقعة التي تتحضر لها إسرائيل اعتمادا على التقنيات الأميركية التي حصلت عليها.
وفي أعقاب الخرق الأمني الذي حققه "حزب الله" اللبناني، باستهداف منزل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في مدينة قيسارية، واتهام إيران به، رغم نفي الأخيرة، يبدو أن إسرائيل لن تكتفي بتوجيه ضربة عسكرية محدودة ضد إيران؛ كما هو معتاد، وبحسب المعلومات المسربة، سيكون الرد هذه المرة مؤذيا ومؤلما.
يرتكز المتحمسون لضربة إسرائيلية قاضية تُسقط النظام الإيراني، أو على الأقل تبدأ العد العكسي لزمن سقوطه، على أن الضربة في حال دمرت بنى تحتية أو منشآت نفطية سوف تفاقم أزمته الاقتصادية الداخلية، أما إذا استهدفت منشآت نووية وشعر الناس بالخطر المباشر على حياتهم، فقد يتسبب هذا حتما في إحداث أعمال شغب واحتجاجات شعبية سيكون من الصعب على النظام السيطرة عليها، لأن الضربة سوف تُضعفه وتشغله عن الشارع، وهذا سيشجع في الوقت نفسه إسرائيل على توسيع بنك أهدافها وتكثيف ضرباتها، لتنقلب إلى حرب شاملة، سيكون سقوط النظام أول نتائجها المأمولة.
يبدو أن إسرائيل لن تكتفي بتوجيه ضربة عسكرية محدودة ضد إيران؛ كما هو معتاد، وبحسب المعلومات المسربة، سيكون الرد هذه المرة مؤذيا ومؤلما
رغم عدم دقة هذه التوقعات وقلة واقعيتها، لا يمكن إنكار أنه في حال حدوث ضربات قاسية محتملة من قبل إسرائيل، لتقطيع الشرايين الاقتصادية الرئيسة للنظام الإسلامي، سيكون من نتائجها الأولية نشوء أزمة اقتصادية داخلية، ستُضعف بلا شك قدرة النظام على القمع، وستؤدي إلى انفلات الشارع، لكن ذلك لن يؤدي بالضرورة إلى إسقاط النظام الإيراني، ولا أي نظام، فالشارع وحده لا يكفي، إن لم تكن هناك جهة جاهزة لتنظيمه وقيادته ومستعدة لملء الفراغ الذي سيحدث في السلطة، فالاحتجاجات شيء وانتقال السلطة شيء آخر، وهذا ما تفتقده المعارضة الإيرانية في الداخل والخارج، كما أن النظام الإيراني في حال أحس بالضعف فهو كأي نظام ديكتاتوري آخر، سوف يضاعف من أساليب قمعه وبطشه.
النظام الإيراني هش في الداخل، لذلك يحارب شعبه بقوة القمع، أما في الخارج فهو يحارب اعتمادا على قوة الردع، عبر القوات الوكيلة التي دربها ومولها وجهزها تحضيرا لهكذا مواجهة، وإذا أحس بالخطر يقترب منه، فسوف يعطي أذرعه كلمة السر للبدء بعمليات التخريب الشاملة، التي ستطال أي دولة يعتبرها عدوة أو متآمرة.
المعارضة الإيرانية في الخارج، ترى أنه في حال شنت إسرائيل حربا موسعة ضد إيران، فمن المحتمل أن ينقسم الجيش الإيراني إلى قسمين كما حدث وقت انتصار الثورة عام 1979، وهذا في ظل عدم وجود بديل سياسي جاهز أو منسجم، سوف يؤدي إلى اندلاع اقتتال أهلي، بين من يؤيد النظام ومن يريد تغييره، لكنه اقتتال أهلي سيكون قصير الأمد، بحيث يسيطر الأقوى، أو يستمر بحيث يستنزف النظام ويضعفه، وربما يؤدي إلى إحداث بعض التغييرات في هيكل النظام، لكنه لن يؤدي إلى سقوطه بالكامل.
تاريخيا، من الممكن انتقال السلطة في حالة الحرب. تجربة ألمانيا بعد سقوط النازية مثال على ذلك، لكن لا يمكن إسقاط أي نظام من الجو، إلا في حالة اليابان بعد إلقاء قنبلتين ذريتين على مدينتي هيروشيما وناغازاكي، وهذا غير وارد بالطبع.
أما في الشرق الأوسط، فحين تتدخل قوة عسكرية أجنبية في بلد ما، يتدهور الوضع بشكل أكبر وتعم الفوضى، والأمثلة على ذلك كثيرة، من الصومال إلى أفغانستان إلى العراق إلى ليبيا إلى سوريا، حيث لم تتمكن أي قوة أجنبية تدخلت لإسقاط النظام القديم، أو لإنهاء الصراع الداخلي، من تحقيق الاستقرار في أي من هذه الدول، بخاصة الولايات المتحدة الأميركية، التي تدخلت بكامل جبروتها في صراعات الشرق الأوسط، وانسحبت تاركة الدول للفوضى والاقتتال عمدا.
بأية حال، فإن سقوط النظام الإيراني سيخدم الشيعة العرب أكثر من أي مكون آخر في المنطقة، مثلما أنقذ القضاء على "داعش" المسلمين السنة من شرك التطرف والدموية، ومثلما سيصب تفكيك إسرائيل في مصلحة يهود العالم، ومن المؤكد أن إسقاطه أو سقوطه سيحمي فلسطين ومن تبقى من الشعب الفلسطيني من الفناء.