العلاقات الاقتصادية السعودية المصرية نحو آفاق استراتيجية جديدة

زيارة تاريخية لولي العهد السعودي... والتبادل التجاري بين البلدين يرتفع 41% في النصف الأول من عام 2024

Shutterstock
Shutterstock
العلاقات السعودية المصرية نحو مزيد من الشراكة الاقتصادية والسياسية

العلاقات الاقتصادية السعودية المصرية نحو آفاق استراتيجية جديدة

حملت زيارة ولي العهد السعودي ورئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، القاهرة قبل أيام، العديد من الدلالات، وعززت خصوصية العلاقات المصرية - السعودية وقوتها، وسط الغيوم القاتمة التي تسيطر على المنطقة واحتدام الأوضاع الراهنة، لتعبر عن الحاجة الملحة للأطراف العربية الفاعلة وفي مقدمها المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية لإيجاد تنسيق عالي المستوى لمواجهة التحديات الدولية والإقليمية، والتي تتزامن مع تفاقم الأوضاع الجيوسياسية في المنطقة، إذ تبدو إسرائيل عازمة على خوض حرب متعددة الجبهات والأطراف.

في ظل تلك التحديات، تتقارب الرؤى والمواقف السعودية والمصرية في عدد من الملفات السياسية باعتبار الرياض والقاهرة أكبر قوتين عربيتين وإقليميتين فاعلتين تجاه المسائل الإقليمية عموما، بما يخدم مصالح الشعبين والأمتين العربية والإسلامية.

ووُصِف استقبال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لولي العهد السعودي بالمهيب، إذ عبّر عن حفاوة شديدة، في حين شهدت الزيارة إبرام العديد من الاتفاقات لتشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلة وتوفير بيئة استثمار محفزة وجاذبة للقطاعات الواعدة والاستفادة من الفرص الاستثمارية في البلدين.

إعلان تشكيل المجلس التنسيقي الأعلى السعودي المصري وسيكون بمثابة مظلة شاملة لتعميق العلاقات الثنائية بين البلدين ودفع آفاق التعاون بينهما في المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والتنموية والاستثمارية

لم تكن زيارات زعيمي السعودية ومصر المتبادلة خلال العامين المنصرمين الأولى ولن تكون الأخيرة، وعلى الرغم من أهمية الزيارات السابقة، إلا أن استقبال السيسي للأمير محمد بن سلمان هذه المرة كان ذا أهمية تاريخية، وتأتي الزيارة في ظروف مفصلية في تاريخ التعاون المصري الخليجي بشكل عام، والسعودي المصري بشكل خاص. ودائماً ما يعكس التعاون التجاري والاقتصادي والاستثماري قوة ومتانة تلك العلاقات التاريخية بين البلدين.

واس
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، يستقبل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، لدى وصوله إلى القاهرة في 15 أكتوبر 2024

وتؤكد الزيارة حرص البلدين على أهمية تطوير وتنمية العلاقات الثنائية المتبادلة في المجال التجاري والاستثمار المباشر. ولقد كان من أهم نتائج تلك الزيارة، إعلان تشكيل المجلس التنسيقي الأعلى السعودي المصري برئاسة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس عبد الفتاح السيسي. وسيكون هذا المجلس التنسيقي بمثابة مظلة شاملة لتعميق العلاقات الثنائية بين البلدين ودفع آفاق التعاون بينهما في المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والتنموية والاستثمارية.

تشجيع الاستثمارات المتبادلة وحمايتها

وتجمع الرياض والقاهرة في الوقت الراهن مصادر اهتمام وتحديات مشتركة، وتبرز أهمية توسيع آفاق شراكتهما الاقتصادية عبر "رؤية السعودية 2030"، و"رؤية مصر 2030". يُعَدّ التبادل التجاري بين السعودية ومصر من أبرز ملامح العلاقات الاقتصادية بين البلدين في السنوات الأخيرة، إذ زادت قيمة التبادل التجاري بشكل ملحوظ ليبلغ خلال النصف الأول من عام 2024 نحو 8 مليارات دولار بارتفاع 41 في المئة مقارنة بالنصف الأول من عام 2023.

زادت قيمة التبادل التجاري بين السعودية ومصر بشكل ملحوظ ليبلغ خلال النصف الأول من عام 2024 نحو 8 مليارات دولار بارتفاع 41 في المئة

وخلال توقيع الاتفاقية الخاصة بتشكيل مجلس التنسيق الأعلى السعودي المصري واتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلة بين البلدين، أُعلن استعداد المملكة لاستثمارات كبيرة مقبلة. وسيعمل مجلس الأعمال السعودي المصري على تسهيل التعاون بين الشركات والمستثمرين من الجانبين وتنظيم اللقاءات التجارية لتعزيز فرص التعاون واستكشاف مجالات جديدة للاستثمار. 

وإذ جددت الرياض والقاهرة تحذيرهما من اتساع رقعة النزاع في منطقة الشرق الأوسط، أكدتا في بيان مشترك في ختام الزيارة توافقهما في الرؤى والسياسات خصوصا "ضرورة اضطلاع المجتمع الدولي، ولا سيما مجلس الأمن الدولي، بمسؤولياته" في حل النزاعات الإقليمية، وأهمية الاقلاع عن سياسات حافة الهاوية.  

السعودية تدعم احتياط البنك المركزي المصري

وحلّت المملكة العربية السعودية في المرتبة الثانية كأكبر شريك تجاري لمصر، إذ نما حجم التبادل التجاري بين البلدين ليسجل أكثر من 12,8 مليار دولار عام 2023. ويرتقب أن يسجل التبادل التجاري نموا كبيرا السنة الجارية بعد الارتفاع اللافت الذي حققه في النصف الأول من السنة الجارية. وتُقدَّر قيمة الواردات السعودية من مصر بـ5,3 مليارات دولار، وهي تشمل المنتجات المعدنية، والمنتجات النباتية، والمواد الغذائية.

تجاوزت قيمة الاستثمارات السعودية الخاصة في مصر 35 مليار دولار حتى الربع الثالث من عام 2023، وتدعم السعودية احتياطي النقد الأجنبي المصري بودائع لدى البنك المركزي المصري بقيمة 10,3 مليارات دولار

أما قيمة الصادرات السعودية إلى مصر فتُقدَّر بـ7,5 مليارات دولار، وتشمل المنتجات المعدنية، والألبان، والمنتجات الكيميائية العضوية، والألمنيوم ومصنوعاته، والورق المقوى، من دون احتساب المنتجات النفطية ومشتقاتها. كذلك تجاوزت قيمة الاستثمارات السعودية الخاصة في مصر 35 مليار دولار حتى الربع الثالث من عام 2023.

ويسعى مجلس الأعمال السعودي المصري إلى إنشاء تحالف اقتصادي بين البلدين للدخول في أسواق ثالثة وتحقيق التكامل بين قطاعات الأعمال في المشاريع والفرص الاستثمارية. وتُعَدّ مصر أكثر الدول تلقياً للمساعدات السعودية، بقيمة 32,48 مليار دولار، وتدعم السعودية احتياطي النقد الأجنبي المصري بإيداع ودائع لدى البنك المركزي المصري بقيمة 10,3 مليارات دولار، يجري تجديدها باستمرار. كذلك تبوأت مصر المرتبة الثانية في قائمة كبرى الدول التي حصل مستثمروها على رخص استثمارية في السعودية عام 2023 بإجمالي خمسة آلاف و767 رخصة استثمارية.

8 آلاف شركة سعودية في مصر

حظيت زيارة ولي العهد السعودي لمصر باهتمام كبير في الأوساط الاقتصادية والسياسية، إذ حققت العديد من النتائج الإيجابية الاقتصادية وشكلت منبرا لتنسيق المواقف في ظل الأوضاع الإقليمية المضطربة التي تزامنت مع الزيارة. ويرى الخبير الاقتصادي طاهر المرسي "أن هناك رغبة سعودية لتنويع الاستثمارات المباشرة في أكبر سوق في المنطقة العربية، في ظل تراجع قيمة الجنيه المصري، مما يجعل الأصول المصرية فرصة استثمارية جيدة". ولفت المرسي في مقابلة مع "المجلة" إلى "إمكان استبدال بعض الديون بصفقات نوعية كما حدث في صفقة رأس الحكمة الإماراتية"، وهو ما يعتبره "طريقة سريعة وأقل تكلفة للحكومة المصرية لمواجهة ضغوط الديون".

العلاقات المصرية السعودية قوية، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي، وهناك أكثر من 8 آلاف شركة سعودية في مصر و3 آلاف شركة مصرية في السعودية، معظمها من القطاع الخاص

حنان رمسيس، خبيرة اقتصادية

وأكدت الخبيرة الاقتصادية حنان رمسيس لـ"المجلة" "أن العلاقات المصرية السعودية قوية، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي، على الرغم من انخفاض وتيرتها أحياناً". وأشارت إلى وجود أكثر من 8 آلاف شركة سعودية في مصر و3 آلاف شركة مصرية في السعودية، معظمها من القطاع الخاص.

واس
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، يجتمع مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، خلال زياته إلى القاهرة في 15 أكتوبر 2024

ونوهت بسعي المملكة إلى فتح أسواق جديدة وضخ استثمارات ضخمة داخل مصر، ولا سيما في رأس جميلة ورأس بناس المطلتين على البحر الأحمر. وتوقعت من المجلس المشترك بحث مشاكل المستثمرين السعوديين في مصر، وتبادل فرص الاستثمار، بما يساهم في تعزيز التعاون وتبسيط الإجراءات.

مشاريع سعودية جديدة في مصر

يُشَار إلى أن زيارة الأمير محمد بن سلمان عززت فرص الاستثمار في مجالات الطاقة المتجددة والغاز والنفط، لا سيما في ضوء الاكتشافات الجديدة في مجال الطاقة التي تشهدها مصر والخبرة السعودية الطويلة في هذا المضمار. وأعلن رئيس مجلس الأعمال السعودي المصري بندر العامري، أن القطاع الخاص في السعودية ومصر سيعمل على ضخ استثمارات بقيمة إجمالية تقدر بنحو 15 مليار دولار في مصر، على أن تشمل صفقات جديدة لمشاريع ضخمة في قطاعات الطاقة المتجددة والصناعة، والتطوير العقاري، والسياحة، والتكنولوجيا.

القطاع الخاص السعودي سيضخ استثمارات بقيمة إجمالية تقدر بنحو 15 مليار دولار في مصر على أن تشمل صفقات جديدة لمشاريع ضخمة في قطاعات الطاقة المتجددة والصناعة، والتطوير العقاري، والسياحة، والتكنولوجيا

بندر العامري، رئيس مجلس الأعمال السعودي المصري

وكان من النتائج المباشرة للزيارة، تحسن أسعار السندات السيادية المصرية المقومة بالدولار، إذ ارتفعت السندات الطويلة الأجل استحقاق عام 2059 بمقدار 1,73 سنتا لتسجل 77,8 سنتاً، مما يعكس ثقة الأسواق في قدرة الاستثمارات السعودية المرتقبة في مصر على دعم الاقتصاد المصري.

وقد صرح رئيس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي الشهر الماضي أن صندوق الاستثمارات العامة السعودي يخطط لاستثمار خمسة مليارات دولار في مصر، وهو استثمار منفصل عن الودائع التي قدمتها السعودية إلى مصر. وشددت الحكومة المصرية عقب الزيارة على أهمية مشروع الربط الكهربائي بين المملكة ومصر، متوقعة أن يفتح آفاقاً جيدة لتصدير الكهرباء إلى آسيا وأوروبا، إضافة إلى التوسع في الربط مع الدول المجاورة، ولا سيما من ضمن مشروع الربط الكهربائي العربي.

font change

مقالات ذات صلة