رسالة من بيغن إلى الأسد: لا نريد قتالكم في لبنان... ويجب إبعاد الفلسطينيين عن الحدود

الرئيس السوري يزج بقواته إلى القتال، ويطلب من السوفيات أسلحة... والمبعوث الأميركي حبيب يطالبه بالانسحاب ويشكو من "تعنت إسرائيلي"

المجلة
المجلة

رسالة من بيغن إلى الأسد: لا نريد قتالكم في لبنان... ويجب إبعاد الفلسطينيين عن الحدود

في مساء 6 يونيو/حزيران 1982 أصدر مجلس الوزراء الإسرائيلي تصريحا موجها إلى دمشق، تسلمه عن طريق الأميركيين رفيق جويجاتي سفير سوريا في واشنطن، ونص على الآتي: "اتخذ مجلس الوزراء القرار التالي: تعطى التعليمات إلى قوات الدفاع الإسرائيلية لوضع جميع السكان المدنيين في الجليل بعيدا عن مرمى نيران الإرهابيين من لبنان،حيث تتركز قواعدهم وتياراتهم.

اسم هذه العملية هو "سلام الجليل"، وخلال هذه العملية لن يُهاجم الجيش السوري، إلا إذا هاجم هو قواتنا. إذ تستمر إسرائيل في التطلع إلى توقيع معاهدة سلام مع لبنان المستقل، وتكون سلامته الإقليمية هانئة".

غيتي
جنود إسرائيليون في مركبة مدرعة في شوارع مدينة صيدا الساحلية اللبنانية أثناء الاجتياح الجيش الإسرائيلي المسمى "عملية سلام للجليل"، في يونيو 1982

ردت دمشق بإرسال قوات جديدة باتجاه محاور القتال، مع زج الطيران السوري في المعركة ودفع بعض الوحدات الخاصة تحت ستار فلسطينيين إلى صيدا للمشاركة في الدفاع عن المدينة. كما أصدرت قيادة الجيش السوري دعوة إلى تعبئة جنود الاحتياط. بالنسبة للأسد كان لا بد له من أن يبلغ حليفه، الاتحاد السوفياتي الذي وقع معه "اتفاق صداقة استراتيجية". وخاطبت دمشق حلفاءها في الاتحاد السوفياتي وقالت إن العملية العسكرية الإسرائيلية تهدف إلى "تصفية الوجود الفلسطيني في لبنان كخطوة أساسية لتصفية (منظمة التحرير الفلسطينية) وقوى الثورة الفلسطينية".

قررت القيادة في سوريا تقديم العون الممكن إلى المقاومة الفلسطينية والقوى الوطنية اللبنانية منذ بدء توتر الجو،مع محاولة تجنب الاشتباك المباشر

استدعى وزير الخارجية عبد الحليم خدام السفير السوفياتي فيكلس فيديروف في 7 يونيو. وحسب محضر الاجتماع أبلغه الآتي:"بالإشارة إلى التعاون القائم بين البلدين والتشاور وتبادل الآراء فإن القيادة السورية، بعد أن درست وحللت العدوان الإسرائيلي على لبنان، تود إبلاغ القيادة السوفياتية التالي: إننا نعتقد أن هذه العمليات العدوانية الواسعة قد تمت بالتشاور والاتفاق بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وبعض الأوساط في المنطقة، ولهذه العمليات الأهداف التالية:

1- تصفية الوجود الفلسطيني في لبنان كخطوة أساسية لتصفية "منظمة التحرير الفلسطينية" وقوى الثورة الفلسطينية.

2- فرض التفاوض على الحكومة اللبنانية لإجراء صلح مع إسرائيل وإدخال لبنان في دائرة "كامب ديفيد" وإخراج سوريا من لبنان وتصفية القوى الوطنية اللبنانية.

3- وضع سوريا في مأزق، فهي إما أن تسكت وتقف متفرجة على الأعمال العدوانية الإسرائيلية، وعندئذٍ ستكون موضع اتهام وتعزل عربيا وعالميا، ثم تقوم القوات الإسرائيلية بتوجيه ضربة ضد سوريا ووقتهالن تجد صوتا يقف إلى جانبها.

أ ف ب
صورة مؤرخة في 21 يوليو 1982 لجنود إسرائيليين في حالة تأهب في مركبة مدرعة في بيروت

لقد قررت القيادة في سوريا تقديم العون الممكن إلى المقاومة الفلسطينية والقوى الوطنية اللبنانية منذ بدء توتر الجو،مع محاولة تجنب الاشتباك المباشر، لا سيما أنه ليس لنا وجود عسكري في منطقة الجنوب. وأمام تقدم القوات الإسرائيلية على محاور وجود قواتنا، فقد أصبح الاشتباك محتما وبالفعل فقد اشتبكت قواتنا مع قوات العدو في هذه المحاور. أمام هذا الوضع الخطير، فإن القيادة في سوريا ترجو القيادة السوفياتية الصديقة الإسراع بتوريد الأسلحة المتفق عليها، وخصوصا المتعلق منهابالدفاع الجوي والقوى الجوية، لأن الثغرات في هذا المجال كبيرة وخطيرة، ونعتقد أن الماريشال كوتاخوف والجنرال أفتيموف على إطلاع كامل في هذا المجال.

كما أن القوات المسلحة تعاني نقصا كبيرا في مجال الذخائر، وهذا أيضا يشكل عاملا مقلقا، لذلك فإن القيادة في سوريا ترجو القيادة السوفياتية العمل على سد النقص الكبير في الذخائر.

4- تود القيادة في سوريا أن تكون على اطلاع حول رأي القيادة السوفياتية في التطورات القائمة والمحتملة وكيفية مواجهتها".

وعد السفير السوفياتي بنقل الرسالة فورا إلى موسكو التي كانت لاتزال تحت وطأة أزمة الصواريخ السوفياتية التي حصلت قبل سنة. وقتذاك،كانت سوريا الآمر الناهي في سهل البقاع، وقد نصبت فيه صواريخ أرض-جو منذ أبريل/نيسان 1981، بعد تعرض قواتها في جبل صنين إلى هجوم من الطيران الإسرائيلي.

في صيف ذاك العام، أي 1981، أسقط الجيش الإسرائيلي مروحيتين سوريتين في البقاع، كانتا في مهمة في زحلة وصنين بلبنان. رد الأسد بإدخال صواريخ "سام" مضادة للطائرات التي تسلمها من موسكو، إلى سهل البقاع.
هدد بيغن الأسد بإزالة هذه الصواريخ بــ"وسائل خاصة" ما لم تسحبها دمشق، الأمر الذي رفضه الأسد. سميت هذه الأزمة بـ"أزمة الصواريخ" تشبيها بأزمة صواريخ كوبا بين الرئيس الأميركي جون كيندي والسوفياتي نيكيتا خروتشوف في بداية الستينات، التي انتهت بسحب موسكو صواريخها من كوبا.

حسب الاعتقاد الرسمي السوري، تميزت السياسة الأميركية في عهد الرئيس رونالد ريغان بروح المجابهة في العلاقات الدولية، ولكنها وفي قضية الصراع العربي-الإسرائيلي كانت تسعى لاحتوائه

ولا شك أن تزامن أزمة الصواريخ السورية مع قصف تل أبيب المفاعل النووي العراقي، زاد الأمور تعقيدا. تطلب الأمر تدخلات إقليمية ودولية للوصول إلى تفاهمات وتجاوز "أزمة الصواريخ".

هناك من ذهب إلى أن هذه الأزمة كانت بدايات اجتياح إسرائيل للبنان في يونيو من العام اللاحق. خلال اجتياح 1982 كانت أميركا تنقل إلى الأسد "رسائل" من تل أبيب تفيد بأنها لاتريد أن تقاتل السوريين، إذا لم تهاجمهم القوات السورية في لبنان.أكدت تل أبيب: "لن يحدث إجراء ضدهم"، وطلبت من الرئيس حافظ الأسد أن يأمر مقاتلي "منظمة التحرير الفلسطينية" العاملين ضمن القوات السورية في سهل البقاع بأن ينسحبوا مسافة 25 كيلومترا شمالا من الحدود الإسرائيلية. وإذا قبل الرئيس السوري مقترحات رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن، فإن المرحلة العسكرية من العملية الإسرائيلية في لبنان تنتهي، ويمكن أن يدخل وقف إطلاق النار موضع التنفيذ.

كانمجلس الأمن أصدر قرارين برقم 508 و509 يومي الخامس والسادس من يونيو لوقف القتال دون شروط. وطالب القرار 509 بـ"أن تسحب إسرائيل كافة قواتها العسكرية فورا دون شرط إلى حدود لبنان المعترف بها دوليا". وأعلنت "منظمة التحرير الفلسطينية" موافقتها على القرار، إلا أن القوات الإسرائيلية استمرت بعملياتها العسكرية، حيث بدأت المواجهة الحادة مع القوات السورية في البقاع وجبل لبنان وبيروت.

وفي 8 يونيو، استقبل معاون وزير الخارجية السوري ناصر قدور السفير الأميركي روبرت باغانيللي الذي قال: "لدي رسالة عاجلة من (المبعوث الأميركي) فيليب حبيب أرسلها من مكتب بيغن،وهي عبارة عن رسالة من بيغن إلى الرئيس الأسد.وتقول هذه الرسالة:

1- لاتريد إسرائيل أن تقاتل السوريين.

2- إذا لم تهاجم القوات السورية أو تحاول مهاجمة القوات الإسرائيلية في لبنان،لن يحدث شيء ضد القوات السورية.

3- لاحظت إسرائيل تحركات لبعض القوات السورية في البقاع الأسفل على بعد عدة كيلومترات إلى الغرب والجنوب من مواقعها التي كانت فيها في 5 يونيو، وهي تطلب أن يتم سحب القوات السورية وإعادتها إلى المواقع التي كانت تحتلها يوم السبت في 5 يونيو.

4- تطلب إسرائيل من الرئيس الأسد أن يأمر قوات "منظمة التحرير الفلسطينية" العاملة ضمن القوات السورية في البقاع بأن تنسحب مسافة 25 كيلومترا أخرى شمالا من الحدود الإسرائيلية.

إذا قبل الرئيس الأسد مقترحات بيغن هذه فإن المرحلة العسكرية من العملية الإسرائيلية في لبنان ستنتهي ويمكن أن يدخل وقف إطلاق النار موضع التنفيذ. إن رئيس الوزراء بيغن لن يدلي علنا بأي بيان أو ملاحظة حول هذه الرسالة".

وعندما قال قدور: "هذا موقف بيغن،ما هو موقف إدارتكم؟". أجابه السفير: "إن التعليمات التي وصلتني هي تكليفيبأن أسلمكم الرسالة لتنقلوها إلى السيد الرئيس، وأن فيليب حبيب مستعد للقدوم فورا إذا أتيح له أن يقابل السيد الرئيس".

اعتبرت دمشق كلام بيغن تهديدا ورفضت الاستجابة له، وقال قدور للمبعوث الأميركي خلال لقائهما في دمشق: "أي نوع من رؤساء الوزراء هذا الذي يطلب إلى مبعوث الرئيس الأميركي أن يستخدم كمراسل له؟ الإسرائيليون لايخجلون".

حبيب يطالب الأسد بالانسحاب إلى "خط 5 يونيو"

حسب الاعتقاد الرسمي السوري، تميزت السياسة الأميركية في عهد الرئيس رونالد ريغان بروح المجابهة في العلاقات الدولية، ولكنها وفي قضية الصراع العربي-الإسرائيلي كانت تسعى لاحتوائه. سعت أيضا إلى استيعاب الأسد وعرفات، من خلال رئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير فاروق القدومي، الذي تلقى دعوة منتصف عام 1982 لزيارة واشنطن، تقدم بها النائبان لي هاملتون، وبول فندلي.

الإسرائيليون جاءوا لكي يسيطروا على الطريق بين دمشق وبيروت، وهذا أمر لا يمكن أن نسمح به ولو خضنا مئة حرب

حافظ الأسد

 وفي 9 يونيو 1982 أرسل ريغان مبعوثه إلى الشرق الأوسط فيليب حبيب إلى دمشق للاجتماع بالرئيس السوري. قال إن الإدارة الأميركية لا توافق على قرار إسرائيل بضم الجولان "لأنه غير متوازن" ويفتقد إلى التبريرات المقنعة. قال حبيب: "هدفنا الآن وقف إطلاق النار والانسحاب الإسرائيلي من لبنان، مع المحافظة على سلامة لبنان الإقليمية في حدوده الدولية المعترف بها.كيف ننطلق من حيث نحن الآن إلى تحقيق ذلك الهدف؟".

طلب حبيب من الأسد عودة القوات السورية إلى مواقعها السابقة لضمان منطقة آمنة بحدود أربعين كيلومترا، وهو أمر معقد لأن ضمن هذه القوات الموجودة شرق البقاع، وفي حاصبيا وجزّين حتى الحدود السورية، كانت هناك فصائل فلسطينية محسوبة على سوريا، ومتحالفة آنيا مع ياسر عرفات في وجه الغزو الإسرائيلي. أجابه الأسد أن هذه الفصائل الفلسطينية "غير قادرة على القصف"، ولكن الإسرائيليين قالوا إنهم يستطيعون القصف بمدافع 130 ملليمتر والكاتيوشا، وبأنهم اختلطوا مع القوات السورية حتى لا تهاجم إسرائيل.

غيتي
المبعوث الأميركي فيليب حبيب

أعاد الأميركيون على الرئيس الأسد أن إسرائيل لا تريد مواجهة عسكرية مع سوريا، واقترحوا انسحاب القوات السورية والفلسطينية من مواقع الجيش السوري الموجودة ضمن مسافة الأربعين كيلومترا. قال فيليب حبيب: "لا اعتراض على وجود القوات السورية كقوات ردع في أي مكان من الأماكن التي كانت موجودة فيها قبل الخامس من يونيو، وأنه إذا تم ذلك فإسرائيل ترى أن المرحلة العسكرية لعمليتها قد انتهت، ويمكن أن ينفذ وقف إطلاق النار في كل لبنان".

وبعد أخذ ورد، قال حبيب إن إسرائيل والفصائل تنسحب إلى منطقة الأربعين كيلومترا، مع بقاء القوات السورية في المواقع التي كانت فيها قوات الردع قبل الخامس من يونيو. فقال له الأسد: "في إسرائيل لايقولون الحقيقة، والعمليات العسكرية هي غزو توسعي، هم الذين بدأوا القتال ضد الفلسطينيين واللبنانيين والقوات السورية،وليس العكس. وعندما يقولون يستهدفون فقط إبعاد المدافع التي تضرب قرى الجليل، أو حتى مهاجمة قواعد الفدائيين، فأين هذا الكلام من ضرب القوات السورية في البقاع؟ وأين هذا الكلام من صعودهم إلى الشوف وجبل لبنان؟ حسبما أعلم لايوجد إطلاقا في هذه المنطقة فدائيون، وهذه منطقة أيضا خارج الأربعين كيلومترا. في ضوء هذه الوقائع كيف نصدق أقوال الإسرائيليين؟".

أجابه حبيب: "صحيح، تجاوزوا الأربعين كيلومترا وهذا مايؤدي إلى التصعيد. نحن الآن نريد التهدئة وأعرف أنهم صعدوا مثلا في المنطقة الغربية ووصلوا إلى منطقة الدامور التي تبعد 80 كيلومترا، ويحاولون الآن أن يأخذوا طريق دمشق–بيروت. هذا هو التصعيد، ونحن نريد أن نعيدهم إلى مواقعهم السابقة،ثم القيام بترتيبات لخروجهم كليا من لبنان، ولذلك أقول يجب وقف إطلاق النار،ثم الانسحاب،ثم اتخاذ الترتيبات النهائية. هذا هو التسلسل على أن يسبقه موضوع إخراج القوات الفلسطينية من الموقع الذي توجد فيه".

أ.ف.ب
الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد

أجابه الأسد: "هذا عدوان علينا... هذا غزو للبنان ولنا. هم جاءوا لكي يسيطروا على الطريق بين دمشق وبيروت، وهذا أمر لا يمكن أن نسمح به ولو خضنا مئة حرب. لا يمكن أن نسمح لهم بأن يقطعوا الطريق إلى بيروت، لأن لنا قوات في بيروت وصوفر وبحمدون. نحن لم نعمل للتصعيد ولم نبدأ الاشتباك، وليست لدينا أي رغبة في التصعيد. القوات السورية تريد عودة الأمن والهدوء إلى الأرض اللبنانية، لأن هذا في مصلحة سوريا ولبنان والفلسطينيين والجميع".

بقاء القوات في مواقعها

وفيما يتعلق بالقوات السورية، فقد وافق الأسد على بقائها في مواقعها، أما بالنسبة للفصائل الفلسطينية المتماهية معها في البقاع "فليس هذا من صلاحيتنا، ولا مسوؤليتنا.لا يمكن مناقشة أمور خاصة بهم". وأضاف أن هذا الأمر يعود لهم وللرئيس اللبناني إلياس سركيس. "مامعنى الطلب من سوريا إبعاد قاعدة فدائية؟ لاأحد يصدق أن هذا الطلب هو بسبب خطورة القاعدة، هذه مسألة سياسية مبدئية، والمقصود تحطيم القاعدة، وبالتالي فرض إرادة إسرائيل علينا. هذا الطلب غير معقول، خاصة عندما يقدم إلى سوريا".

 يجب أن يفهم الإسرائيليون أنهم لايستطيعون فرض أي شيء ضد مصلحتنا ومصلحة لبنان ومصلحة الفلسطينيين

حافظ الأسد

وفي المساء، اجتمع الأسد بفيليب حبيب مجددا، الذي قال له: "طلب الرئيس بيغن وقف إطلاق النار الفوري اعتبارا من الساعة السادسة صباح الغد بتوقيت لبنان". مضى الوقت وجاءت الساعة السادسة، وكان الكل موافقا على وقف إطلاق النار، إلا الأسد الذي اشترط أن يشمل كل لبنان، وليس سهل البقاع وحده. قال لحبيب: "أنا أوافق على وقف إطلاق النار بشرط الانسحاب في المرحلة الأولى وأن يتم مباشرة مع وقف إطلاق النار،لأنه لن يكون وقف إطلاق النار عمليا مالم يرافقه انسحاب". وتابعالرئيس: "لاأريد أن يبقى شيء غير واضح...مافهمته منكم هو أن الانسحاب سيكون من كل الأراضي اللبنانية، صحيح أننا لانفاوض على الأرض اللبنانية، فهذا شأن السلطة اللبنانية، ولكن إذا لم تنسحب إسرائيل من كامل الأراضي اللبنانية فسنقاتل دفاعا عن الأرض اللبنانية، لأننا نعرف ولنا تجربة مع إسرائيل".

ثم سأله الرئيس: "إذا لم تنسحب إسرائيل ماذا سيكون عليه موقف الولايات المتحدة؟". أجاب حبيب: "نحن نسير في هذا الاتجاه، الرسالة تقول إن إسرائيل يجب أن تنسحب". فقال الرئيس: "إذن نلخص ما قلته بالتالي:

  • إخراج الفلسطينيين من منطقة حاصبيا وجزين، مسافة تبعد أربعين كيلومترا عن الحدود.
  • وقف إطلاق النار.
  • انسحاب إسرائيل إلى أربعين كيلومترا من حدودها.
  • تبقى القوات السورية حيث هي كقوات ردع.
  • إجراء مفاوضات وترتيبات لإيجاد وضع مستقر في الجنوب يعقبه انسحاب إسرائيل بالكامل".

وتابع الرئيس قائلا: "الفدائيون كانوا ملتزمين بوقف إطلاق النار،ولكن بعد أن ضربوا في بيروت والجنوب دافعوا عن أنفسهم،والتزامهم بوقف إطلاق النار قائم على أساس القرارات العربية في قمة تونس (التي عقدت في نوفمبر/تشرين الثاني 1979 بعد الغزو الإسرائيلي الأول). يجب أن يفهم الإسرائيليون أنهم لايستطيعون فرض أي شيء ضد مصلحتنا ومصلحة لبنان ومصلحة الفلسطينيين.نحن لانستطيع أن نفاوض نيابة عن (منظمة التحرير الفلسطينية)، ولا نيابة عن اللبنانيين. أنتم تطلبون منا أشياء ليست من اختصاصاتنا. اختصاصاتنا تتعلق بالقوات السورية فقط، والطلب من سوريا إبعاد قاعدة فلسطينية، هذه مسألة سياسية تتعارض مع مبادئنا وقيمنا. إن وقف إطلاق النار دون الانسحاب يخدم مصلحة إسرائيل، لذا أرى أن يقترن وقف إطلاق النار بانسحاب فوري إلى نقاط محددة ثم يبدأ الانسحاب الشامل".

أ.ف.ب
الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات بين مقاتليه في بيروت خلال الأيام الأولى للغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982

أجابه حبيب: "سأنقل ذلك إلى الرئيس ريغان، وسأبلغكم الجواب". وفي الساعة الحادية عشرة مساء من 10 يونيو، استقبل الرئيس الأسد فيليب حبيب للمرة الثالثة خلال وجوده في دمشق، وبدا الأخير شديد الاكتئاب حيث خاطب مضيفه بالقول: "طلبت المقابلة لأضعكم بصورة الاتصالات التي أجريناها مع الإسرائيليين. لقد اتصل بي الوزير هيغ هاتفيا وقال إنه كان سيذهب إلى إسرائيل، ولكن التعنت الإسرائيلي منعه. هيغ منزعج من الموقف الإسرائيلي لأنهملايوافقون على وقف إطلاق النار دون شروط. والانسحاب لن يتم قبل أن يعرفوا الوضع الجديد في لبنان".

وفي صباح اليوم التالي أعلنت إسرائيل وقف القتال من جانب واحد فيما إذا التزمت الأطراف الأخرى. توقف إطلاق النار لبضع ساعات، واستأنفته إسرائيل في منطقتي بيروت والجبل، بهدف الوصول إلى العاصمة اللبنانية وتصفية الوجود الفلسطيني فيها وقطع طريق بيروت-دمشق.

وبالفعل وكما توقع الأسد، بدأت إسرائيل حملتها العسكرية للسيطرة على طريق دمشق–بيروت في 22 يونيو وفي 24 من الشهر نفسه وصلت إلى بلدة شتورا حيث كانت تعقد القمم السورية-اللبنانية لوجودها على الطريق الدولي الواصل بين العاصمتين.

 أما حصار بيروت، فقد بدأ في 14 يونيو، واستمر حتى شهر أغسطس، ولم ينته إلا بانسحاب 14 ألف مقاتل فلسطيني، وزعوا على سوريا والأردن واليمن، بينما توجهت قيادتهم إلى تونس، ضيوفا على الرئيس الحبيب بورقيبة.

غدا حلقة ثالثة: إسرائيل تحاصر بيروت... وعرفات "يجن جنونه" ويستسلم

font change

مقالات ذات صلة