ولا شك أن تزامن أزمة الصواريخ السورية مع قصف تل أبيب المفاعل النووي العراقي، زاد الأمور تعقيدا. تطلب الأمر تدخلات إقليمية ودولية للوصول إلى تفاهمات وتجاوز "أزمة الصواريخ".
هناك من ذهب إلى أن هذه الأزمة كانت بدايات اجتياح إسرائيل للبنان في يونيو من العام اللاحق. خلال اجتياح 1982 كانت أميركا تنقل إلى الأسد "رسائل" من تل أبيب تفيد بأنها لاتريد أن تقاتل السوريين، إذا لم تهاجمهم القوات السورية في لبنان.أكدت تل أبيب: "لن يحدث إجراء ضدهم"، وطلبت من الرئيس حافظ الأسد أن يأمر مقاتلي "منظمة التحرير الفلسطينية" العاملين ضمن القوات السورية في سهل البقاع بأن ينسحبوا مسافة 25 كيلومترا شمالا من الحدود الإسرائيلية. وإذا قبل الرئيس السوري مقترحات رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن، فإن المرحلة العسكرية من العملية الإسرائيلية في لبنان تنتهي، ويمكن أن يدخل وقف إطلاق النار موضع التنفيذ.
كانمجلس الأمن أصدر قرارين برقم 508 و509 يومي الخامس والسادس من يونيو لوقف القتال دون شروط. وطالب القرار 509 بـ"أن تسحب إسرائيل كافة قواتها العسكرية فورا دون شرط إلى حدود لبنان المعترف بها دوليا". وأعلنت "منظمة التحرير الفلسطينية" موافقتها على القرار، إلا أن القوات الإسرائيلية استمرت بعملياتها العسكرية، حيث بدأت المواجهة الحادة مع القوات السورية في البقاع وجبل لبنان وبيروت.
وفي 8 يونيو، استقبل معاون وزير الخارجية السوري ناصر قدور السفير الأميركي روبرت باغانيللي الذي قال: "لدي رسالة عاجلة من (المبعوث الأميركي) فيليب حبيب أرسلها من مكتب بيغن،وهي عبارة عن رسالة من بيغن إلى الرئيس الأسد.وتقول هذه الرسالة:
1- لاتريد إسرائيل أن تقاتل السوريين.
2- إذا لم تهاجم القوات السورية أو تحاول مهاجمة القوات الإسرائيلية في لبنان،لن يحدث شيء ضد القوات السورية.
3- لاحظت إسرائيل تحركات لبعض القوات السورية في البقاع الأسفل على بعد عدة كيلومترات إلى الغرب والجنوب من مواقعها التي كانت فيها في 5 يونيو، وهي تطلب أن يتم سحب القوات السورية وإعادتها إلى المواقع التي كانت تحتلها يوم السبت في 5 يونيو.
4- تطلب إسرائيل من الرئيس الأسد أن يأمر قوات "منظمة التحرير الفلسطينية" العاملة ضمن القوات السورية في البقاع بأن تنسحب مسافة 25 كيلومترا أخرى شمالا من الحدود الإسرائيلية.
إذا قبل الرئيس الأسد مقترحات بيغن هذه فإن المرحلة العسكرية من العملية الإسرائيلية في لبنان ستنتهي ويمكن أن يدخل وقف إطلاق النار موضع التنفيذ. إن رئيس الوزراء بيغن لن يدلي علنا بأي بيان أو ملاحظة حول هذه الرسالة".
وعندما قال قدور: "هذا موقف بيغن،ما هو موقف إدارتكم؟". أجابه السفير: "إن التعليمات التي وصلتني هي تكليفيبأن أسلمكم الرسالة لتنقلوها إلى السيد الرئيس، وأن فيليب حبيب مستعد للقدوم فورا إذا أتيح له أن يقابل السيد الرئيس".
اعتبرت دمشق كلام بيغن تهديدا ورفضت الاستجابة له، وقال قدور للمبعوث الأميركي خلال لقائهما في دمشق: "أي نوع من رؤساء الوزراء هذا الذي يطلب إلى مبعوث الرئيس الأميركي أن يستخدم كمراسل له؟ الإسرائيليون لايخجلون".
حبيب يطالب الأسد بالانسحاب إلى "خط 5 يونيو"
حسب الاعتقاد الرسمي السوري، تميزت السياسة الأميركية في عهد الرئيس رونالد ريغان بروح المجابهة في العلاقات الدولية، ولكنها وفي قضية الصراع العربي-الإسرائيلي كانت تسعى لاحتوائه. سعت أيضا إلى استيعاب الأسد وعرفات، من خلال رئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير فاروق القدومي، الذي تلقى دعوة منتصف عام 1982 لزيارة واشنطن، تقدم بها النائبان لي هاملتون، وبول فندلي.