بدأ الاجتياح الثاني للبنان في 6 يونيو 1982 وفي الثالث عشر من الشهر نفسه تمكن الجيش الإسرائيلي من تطويق العاصمة، بيروت بهدف إخراج رئيس "منظمة التحرير الفلسطينية" ياسر عرفات.
قبل بضعة أسابيع من الغزو الإسرائيلي اجتمع عرفات (الذي كان انتقل قبل سنوات من الأردن بعد أحداث "أيلول الأسود" في 1970) مع بعض مسؤوليه العسكريين في الجنوب وأبلغهم أن إسرائيل ستغزو لبنان، وعليهم الانسحاب من الجنوب عند بدء الغزو.
هذا ما حصل بالفعل، ولذلك سقط الجنوب خلال ساعات عندما بدأ الاجتياح. قبل ذلك بعام واحد، كانت إسرائيل قد قصفت مقرات "منظمة التحرير" في منطقة الفاكهاني في بيروت يوم 17 يوليو 1981، التي أطلق عليها الفلسطينيون اسم "جمهورية الفاكهاني". مساحة الفاكهاني كانت لا تتعدى كيلومترا مربعا واحدا، وقريبة من دوار الكولا الذي قصفته إسرائيل في 30 سبتمبر 2024. أدى قصف الفاكهاني سنة 1981 إلى مقتل ما لا يقل عن 300 فلسطيني، معظمهم من المدنيين، وجرح قرابة 800 شخص. تدخلت أميركا يومها وفرضت وقف إطلاق نار، التزم به عرفات، ولكن بقية المنظمات قامت بخرقه مرات عدة، ومنها "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين–القيادة العامة" بزعامة أحمد جبريل القريبة من دمشق.
ذريعة إسرائيل ومحاولة اغتيال
تمهيدا للتوغل البري سنة 1982، كانت إسرائيل قد اتخذت مجموعة من الخطوات، مثل ضم الجولان السورية (المحتلة منذ سنة 1967) إلى أراضيها في عام 1981، وشنّ سلسلة من الغارات العنيفة ضد المواقع الفلسطينية في الجنوب، وقصف المفاعل النووي العراقي في 1981. ولكن وزيرالخارجية الأميركي ألكسندر هيغ قال لإسرائيل إن بلاده لن تسمح بالغزو إلا في حال وجدت إسرائيل "ذريعة مناسبة" للقيام به، وهو ما حدث بالفعل يوم تعرض السفير الإسرائيلي في لندن لمحاولة اغتيال على يد تنظيم فلسطيني خارج عن سلطة عرفات و "منظمة التحرير الفلسطينية". أطلق مقاتلو صبري البنّا (أبو نضال) زعيم "فتح-المجلس الثوري"، النار على شلومو أرغوف أمام فندق دورشستر في لندن في 3 يونيو 1982، ودعا رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن حكومته إلى اجتماع فوري، توعد فيه بالرد على كل المنظمات الفلسطينية الموجودة في لبنان، علما أن تنظيم أبو نضال كان مقره بغداد وليس بيروت. وقد جاء قرار الغزو بإلحاح شديد من وزير الدفاع الإسرائيلي آرئيل شارون، الذي قاد الاجتياح بنفسه.