كنت أسمع عن زوار الفجر، ولم أتوقع أن يزوروني فجرا، وتحديدا في بيروت. كنت أسمع عن الفبركة، ولم أتوقع أن أكون ضحيتها بهذا الشكل الفاضح والتافه.
بين ليلة وضحاها، حساب يضع صورتي، يعلق على حساب إسرائيلي، تؤخذ صورة وتوزع آلاف المرات مع حملة تحريض شنيعة، علما أن أي عاقل يرى المنشور يدرك من الوهلة الأولى أنه مفبرك، ولكن يبدو أن أمن الدولة في لبنان– جهاز أمني مسؤول عن انتهاك حقوق المواطنين بشكل فاضح ومتكرر – لم يرَ الفبركة. أقل من 24 ساعة على نشر الفبركة وحملة التحريض، وهي ليست الأولى ولن تكون الأخيرة التي أتعرض لها، ولست الأولى ولن أكون الأخيرة التي تتعرض لشيء مماثل. إذن، أقل من 24 ساعة صدرت الإشارة القضائية من معاون مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي كلود غانم، وجاء زوار الفجر..
مداهمة بسبب منشور مفبرك؟ نعم، مداهمة في السادسة والنصف صباحا، مداهمة لمنزل صحافية لم تُبلَّغ بأنها مطلوبة لاستجواب مثلا، وليست لتاجر مخدرات ولا لهارب من العدالة أو لقتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري أو لقتلة لقمان سليم أو للمجرمين المسؤولين عن تفجير مرفأ بيروت.
يوم تمت المداهمة كانت تمر ذكرى استشهاد اللواء وسام الحسن، رئيس شعبة المعلومات في الأمن الداخلي التي كشفت أكثر من 30 شبكة تعامل مع إسرائيل
لم يأخذ الأمر طويلا حتى "أدركوا" أن المنشور مفبرك، لكن ذلك لم يمنع من انتهاك جميع خصوصياتي. أطلق سراحي، وياله من توصيف، لأخرج وأرى كم من الأخبار المفبركة، من يتحدث عن أنني أدير شبكة تجسس، ومن يضيف أسماء زملاء حسب توصيف هذه المواقع، اعترفت على عملهم معي في هذه الشبكة المزعومة. حسابات بأسماء صريحة تدعو لقتلي، حسابات لصحافيين يشهّرون بي ويطالبون بالقصاص مني حتى لو أنني لست على تواصل مع العدو، ولكنها فرصة– كما زعموا– فهل سمع أمن الدولة وشاهد هذا التحريض والفبركة أم إن عملهم اقتصر على منشور مفبرك يحمل صورتي؟
لبنان منذ سنوات يعيش أزمات لا تنتهي، أزمات سياسية واقتصادية وأمنية، واليوم يتعرض لعدوان إسرائيلي واختراق أمني غير مسبوق، ولكن هذا الاختراق هو ضمن بيئة "حزب الله" وليس ضمن بيئة معارضيه. فمعارضو "حزب الله" لم يعرفوا من هو فؤاد شكر إلا بعد اغتياله، وصفقة "البيجرز" لم تقم بها مجموعة من الصحافيين المعارضين لـ"الحزب"، مكان وزمان اجتماع حسن نصرالله مع قادة "الحزب"، هذا الاختراق كله في صفوف "الحزب" وبيئة "الحزب"، وليس في صفوف من يعارض سياسات "الحزب" سياسيا ويعبر عن رأيه بشكل واضح وصريح.
أمس، عندما تمت المداهمة كانت تمر ذكرى استشهاد اللواء وسام الحسن، رئيس شعبة المعلومات في الأمن الداخلي، الشعبة التي كشفت أكثر من 30 شبكة تعامل مع إسرائيل، دون أن نسمع أن أيا من هذه الشبكات والأفراد أوقفوا بسبب منشور مفبرك أو موقف سياسي أو عملية مفبركة، ودون أن يُداهم منزل صحافي. ولكن للأسف، يبدو أن الانهيار في لبنان ليس اقتصاديا وسياسيا فحسب، بل أمني ومهني.
المعركة اليوم معركة أي لبنان نريد؟ معركة حريات وبناء دولة قوية وقادرة على حماية شعبها، معركة عدوان يتعرض له لبنان. بدلا من التصدي له، يتم الزج بنا في معارك لن ترهبنا
باتت تهمة العمالة تُلصق بكل من يعارض سياسات "حزب الله" والوصاية الإيرانية على لبنان، حتى صارت تهمة تثير السخرية كما تهمة "وهن نفسية الأمن" في وطني الأم سوريا.
القضية ليست قضية عالية منصور، وإن كنت أحمّل السلطة السياسية والأمنية مسؤولية أمني كمواطنة لبنانية تتمتع بكامل حقوق المواطنة، ومسؤولية أمن عائلتي وأطفالي. القضية هي قضية لبنان أولا، قضية الحريات. وإن كان "مفهوما" أن لا تتضامن مع قضيتي مؤسسات تعنى بالحريات والصحافة ولكنها ملحقة بالسلطة السياسية، إلا أن المستغرب كان صمت منظمات حقوقية ومعنية بالحريات والإعلام والتي انبثقت من "انتفاضة 17 تشرين"، لسبب واضح وبسيط: فأنا لست فقط مواطنة لبنانية، أنا أيضا مواطنة سورية ولو كنت فينيقية من مدينة طرطوس.
ولكن كما قلت، لست أنا القضية، القضية هي القدرة على فبركة قضايا لكل من يعارض "حزب الله" ومن يدور في فلكه، من قضية زياد عيتاني وزياد عجوز ومريم مجدولين اللحام إلى اليوم، وكله يمر مرور الكرام في بلد كان واحة الحريات الوحيدة في المشرق العربي.
المعركة اليوم معركة أي لبنان نريد؟ معركة حريات وبناء دولة قوية وقادرة على حماية شعبها، معركة عدوان يتعرض له لبنان. وبدلا من التصدي له، يتم الزج بنا في معارك لن ترهبنا، ولن تمنعنا من قول رأينا بمنتهى العلنية والوضوح، طالما أننا تحت سقف القانون الذي من المفترض أن يحمينا لا أن يضعنا في دائرة الخطر.
كان لي الشرف منذ 2005 أن أطلق على بيروت مدينتي وكان لي الشرف أن شاركت إلى جانب جبران تويني وسمير قصير وغيرهم من الأحرار في معركة بناء شرق يليق بنا، ومن هنا لن يخيفنا أو يردعنا نظام أمني سياسي مارق يلفظ رمقه الأخير.