الغزو البري الأول للبنان في سنة 1978 الذي سمي "عملية الليطاني"، جاء بعد سنتين من تدخل الجيش السوري، ونحو ثلاث سنوات على الحرب الأهلية التي مزقت الجيش، وفتحت الجنوب للمقاتلين الفلسطينيين الذين انتقلوا إليه من الأردن عقب "أيلول الأسود" في 1970.
وفي يوليو/تموز سنة 2006، حصل التدخل البري الثالث، بعد ست سنوات من انسحاب إسرائيل من الجنوب، وسنة من خروج الجيش السوري، عقب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في فبراير/شباط 2005 وصدور القرار 1559 الذي يدعو إلى "نزع سلاح الميليشيات".
وبين الحرب الأولى والثالثة، واجتياح عام 1982 واحتلال بيروت، في خضم الحرب الأهلية اللبنانية وتفتت الجيش وانقسامات سياسية هائلة. كان هدف الحرب الذي وضعه وقتذاك، رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن ووزير الدفاع آرئيل شارون طرد رئيس "منظمة التحرير الفلسطينية" ياسر عرفات ومقاتليه. كان عرفات كثير الأعداء، وقليل الحلفاء الذين من بينهم الرئيس العراقي صدام حسين، الذي كان يخوض حربا ضد إيران بدأها بعد سنة من انتصار "الثورة الخمينية" في 1979.
لم يكن هذا هو التعقيد الوحيد في المشهد الإقليمي، فالأسد يخوض صراعا ضد "الإخوان المسلمين" وسط بوادر لطموح من شقيقه الأصغر رفعت في السلطة، خصوصا بعد مرضه (حافظ الأسد). انحاز الرئيس السوري إلى "المرشد" الإيراني في الحرب ضد صدام. والتنسيق بين الأسد والخميني، تم التعبير عنه بتمهيد الأرضية لقيام "الحرس الثوري" بتأسيس الخلايا الأولية لـ"حزب الله" في سهل البقاع في يونيو/حزيران 1982.
شهدت بداية الثمانينات انقسامات عربية–عربية على خلفية اتفاق "كامب ديفيد" بين مصر وإسرائيل عام 1978، والحرب العراقية-الإيرانية بدءا من 1980. لكن كان هناك حد من التعاون العربي في لبنان تمثل في إرسال "قوات الردع" في 1976 وبدء تنسيق عربي مع دمشق وصولا إلى "اتفاق الطائف" في 1989 برعاية سعودية–سورية.
قبل 1982 كانت الحرب الباردة بين أميركا والاتحاد السوفياتي لا تزال قائمة. وبالفعل ظهرت ملامحها في الأزمات الكبرى في الإقليم، بما في ذلك حرب لبنان، حيث برز دور واشنطن وموسكو فيها من خلال دعم كل منهما طرفا في الحرب الأهلية. وعندما قررت أميركا البقاء عسكريا في لبنان، بعد خروج عرفات في أغسطس/آب 1982، بررت ذلك في اتصالاتها السرية بأنها تريد "مواجهة المد الشيوعي" و"النفوذ الإيراني" قبل أن تصطدم بالهجوم على "المارينز" في 1983.
ورغم التحالف الكبير بين أميركا وإسرائيل، لم يتوان الرئيس رونالد ريغان في مواجهة بيغن والضغط عليه سياسيا وعسكريا وعبر الأمم المتحدة، سواء بالنسبة لقصف بيروت أو شروط إخراج أبو عمار أو اتفاق 17 مايو/أيار للسلام بين بيروت وتل أبيب، ودعم الرئيس أمين الجميل، ونقل الرسائل بين بيغن والأسد وإنجاز بعض الترتيبات العسكرية لنزع فتيل مواجهة مباشرة، كانت إحداها أزمة الصواريخ في 1981.