السنوار…لماذا لم يبتهج إسرائيليون بمقتله؟

بعد مقتل رئيس المكتب السياسي لـ "حماس" في اشتباك في قطاع غزة

رويترز
رويترز
المبنى الذي كان يتحصن فيه السنوار بعد أن استهدفته دبابة إسرائيلية

السنوار…لماذا لم يبتهج إسرائيليون بمقتله؟

مع انتشار خبر مقتل زعيم "حماس" يحيى السنوار، بدأ المعلقون والمذيعون الإسرائيليون يرددون اللازمة العبرية "سيكرات معكال"، والتي تعني "إغلاق دائرة". وهم بذلك يشيرون إلى دورة العنف التي بدأت في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بواحدة من أشد الإخفاقات كارثية في تاريخ إسرائيل، حين اخترق الآلاف من مسلحي "حماس" الحدود، وقتلوا شبانا إسرائيليين في مهرجان موسيقي وهاجموا مجتمعات حدودية.

بدا توقيت مقتل السنوار رمزيًا، إذ حدث بعد حوالي عام من الهجوم، في الوقت الذي كانت إسرائيل تستعد للاحتفال بعيد "سمحات توراه" اليهودي، وهو العيد الذي وقعت خلاله المجزرة التي خطط لها السنوار. وقد احتفل بعض الإسرائيليين بالحدث بتوزيع الحلويات، بينما رقص آخرون، واحتفل الجنود.

بيد أن كثيرين آخرين لم يبتهجوا، على الرغم من شعورهم بأن موت "مهندس" هجمات 7 أكتوبر كان نبأ طيبا. ففي دولة منقسمة، اتبعت ردود الفعل على وفاة زعيم "حماس" خط الصدع المألوف، بين من يرون أن تدمير "حماس" يأتي على رأس الأولويات، ويتخطى كل ما عداها، وأولئك الذين يشعرون بأن "الدائرة" لن تُغلق بتسوية الحسابات، بل بإطلاق سراح الرهائن، الذين يراهم كثير من الإسرائيليين كناجين من محرقة العصر الحديث. وفي حين احتفل جزء من البلاد، لم يتمكن الجزء الآخر من إجبار نفسه على الاحتفال.

وعندما بدأ خبر الوفاة المحتملة للسنوار بالانتشار، كان الذعر هو أول ما شعرت به عائلات الرهائن، فقد تكرر على مسامعهم كثيرا أن السنوار يحيط نفسه دوما بعدد منهم. وفي النهاية أبلغ مكتب رئيس الوزراء العائلات أن أي رهينة لم تصب أثناء العملية.

عندما بدأ خبر الوفاة المحتملة للسنوار بالانتشار، كان الذعر هو أول ما شعرت به عائلات الرهائن، فقد تكرر على مسامعهم كثيرا أن السنوار يحيط نفسه دوما بعدد من الرهائن

وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، ادعى الجيش الإسرائيلي أن "رهائن" السنوار، الذين كانوا "ضمانة حياته"، هم الإسرائيليون الستة الذين أعدمتهم "حماس" في أحد الأنفاق في سبتمبر/أيلول. وهذا يفسر لِمَ لم يكن بالقرب من السنوار أي رهينة وقت وفاته؟ وقد يفسر أيضا لِمَ اضطر إلى مغادرة منطقة تل السلطان في رفح جنوب قطاع غزة؟

رويترز
متظاهرة إسرائيلية ترفع لافتة تطالب نتتنياهو بإنهاء الحرب في غزة بعد قتل السنوار والتوصل لاتفاق لإطلاق الرهائن

ولكن تأكيد عدم إصابة أي رهينة بالأذى لم يساعد على طمأنة عائلات الرهائن وشعورهم بالقلق لم يختف تماما، فمن يضمن أن لا تنتقم خلايا "حماس" لمقتل زعيمها بإعدام عدد من الرهائن؟

 وحتى لو لم تتحقق هذه الفكرة الرهيبة التي تقض مضاجع من ينتظرون عودة أحبائهم، فإن وفاة السنوار أثارت أيضا علامة استفهام كبيرة حول المفاوضات بشأن صفقة تحرير الرهائن. فأصدرت عائلات الرهائن على الفور بيانا حثت فيه الحكومة على بذل كل ما في وسعها لتأمين صفقة تؤدي إلى إطلاق سراح الرهائن المتبقين. كما أن الفريق الإسرائيلي المفاوض نفسه عقد اجتماعات استمرت ساعات لمناقشة تداعيات هذا التطور المفاجئ غير المتوقع.

الطرف الآخر من المعادلة هو في غزة. فقد فقدت حماس أحد أهم قادتها، وهو الذي قامر بوحشية بمصير الملايين

وعبرت كثرة ممن قُتل أحباؤهم في هجوم 7 أكتوبر عن خيبة الأمل التي أثارها خبر وفاة السنوار، ليس فقط لأن موته كان مفاجئا وعشوائيا، بل أيضا لأن السنوار قتل في مواجهة مع جنود نظاميين وليس في عملية للقوات الخاصة.

وتعليقا على وفاة السنوار، قالت والدة واحد ممن قتلوا في المهرجان "حسن، لقد مات..."، كما لو كانت تقول: "حسنا، وماذا بعد؟ وماذا الآن؟".

بالنسبة لهذا النصف من إسرائيل، لن يكون موت السنوار مدعاة للاحتفال إلا إذا أدى إلى "إغلاق هذه الدائرة" فعلا، لا بإرسال "جزار خان يونس" إلى الجحيم الذي يشعر جميع الإسرائيليين بأنه يستحقه، إنما بتخليص الرهائن أخيرا من الجحيم الذي أرسلوا إليه قبل عام، دونما ذنب اقترفوه.

على أي حال، ما من شيء يضمن أن موت السنوار سيكسر الجمود فجأة، صحيح أن موته قد يمنح نتنياهو "هالة النصر" التي طالما سعى إلى انتزاعها طيلة العام الماضي، وهو يستطيع الآن أن يبرز هزيمة أكبر أعداء إسرائيل، ولكن الأهم أن موت السنوار قد يؤمن له أيضا بعض المساحة السياسية، ويخفف من غلواء حلفائه من اليمين المتطرف، الذين غالبا ما يقفون له بالمرصاد كلما كاد الطرفان أن يتوصلا إلى اتفاق لإنهاء الحرب وتأمين إطلاق سراح الرهائن. ومع ذلك، هناك من داخل إسرائيل من يجادل، مستندين إلى تجربة "حزب الله" واغتيال نصرالله، بأنه "يجب طرق الحديد وهو ساخن،" أي إنه لا مجال للدبلوماسية الآن، بل يجب تصعيد الهجوم على "حماس"، تماما كما فعلت إسرائيل مع "حزب الله".

الطرف الآخر من المعادلة في غزة. حيث فقدت "حماس" أحد أهم قادتها، وهو الذي قامر بوحشية بمصير الملايين. كما شكل رفضه القاطع لتقديم التنازلات عقبة أمام التوصل إلى اتفاق، تماما مثل الألاعيب التي مارسها نتنياهو. والسؤال عمن سيخلفه أمر بالغ الأهمية: هل سيستبدل السنوار بزعيم في المنفى، قد يكون أكثر عرضة للضغوط الدبلوماسية إنما أيضا أقل سيطرة على الوضع في غزة؟ أم على العكس من ذلك، سيستبدل بشخصية أقرب إليه، مثل شقيقه محمد السنوار، الذي قد يكون أكثر تشددا من أخيه؟

قبل بضعة أسابيع، لاحظ المراقبون مخططا بيانيا يظهر عددا من قادة "حزب الله" و"حماس"، حيث وضعت فيه علامات على أولئك الذين قضت عليهم إسرائيل، بينما وضعت فوق السنوار علامة استفهام، لأن الجيش الإسرائيلي لم يكن حينها متأكدا إن كان زعيم "حماس" لا يزال على قيد الحياة أم لا. واليوم، على الرغم من أننا نعلم يقينا أن السنوار قد مات، فإن علامة الاستفهام حول تأثير هذه الوفاة لا تزال قائمة،  بل وتزداد حجما.

font change

مقالات ذات صلة