ظهر وزير الاستثمار السعودي خالد بن عبد العزيز الفالح، محاطا بكل من رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف ورئيس أركان الجيش صاحب النفوذ الجنرال عاصم منير، وبدا عليه الرضا والثقة بالنفس بينما كان مسؤولون من المملكة العربية السعودية وباكستان يوقعون مذكرات تفاهم بقيمة 2.2 مليار دولار. تغطي هذه الاتفاقات مجموعة من القطاعات، من الطاقة إلى الزراعة، وتعمل على تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين، لكنها الى ذلك، مؤشر بارز الى تنامي دور الاستثمار السعودي في استقرار الاقتصاد الباكستاني الهش.
تمر باكستان، التي تتمتع بموقع جيوسياسي واستراتيجي مهم في جنوب آسيا، بمرحلة اقتصادية مضطربة، حيث تعاني من أزمة ديون خارجية وتضخم وتراجع الاحتياطيات الأجنبية. وفي خضم هذا الغموض المالي، يعتبر التزام السعودية تعافي باكستان شريان حياة هي في أمسّ الحاجة إليه. ومثلت زيارة الوفد السعودي الرفيع المستوى الذي ترأسه الوزير الفالح إلى إسلام آباد لثلاثة أيام، لحظة فارقة في العلاقات الثنائية. وتدل تركيبة الوفد، الذي يضم مسؤولين بارزين من شركات سعودية متخصصة في الطاقة والتعدين والزراعة والصناعة، على جدية النيات السعودية في دعم باكستان.
تمتد العلاقة بين باكستان والمملكة العربية السعودية إلى ما هو أبعد من مجرد علاقات ديبلوماسية، فهي متجذرة بعمق في الروابط الدينية والثقافية والاستراتيجية. وكانت السعودية تاريخيا من أكبر الجهات المانحة لباكستان، وهي التي طالما قدمت الدعم المالي والقروض والتسهيلات النفطية في أوقات الأزمات. وقد تعمق هذا التحالف على مر السنين.
جرعة إنعاش في توقيت دقيق
وليس توقيع 27 مذكرة تفاهم بقيمة 2.2 مليار دولار في مختلف القطاعات سوى شهادة على الجهود المستمرة لتوطيد هذه الشراكة. ومن المتوقع أن تمهد هذه الاتفاقات الطريق لمزيد من الاستثمارات السعودية، مما يساهم في استقرار الاقتصاد الباكستاني ونموها. وأكد رئيس الوزراء شهباز شريف، في كلمته في حفل التوقيع، أهمية الدعم الذي تقدمه المملكة، قائلا: "إنه يعبر عن مظهر حقيقي من مظاهر الإخلاص والمودة التي يحملها إخواننا السعوديون لباكستان".
وكان دور المؤسسة العسكرية الباكستانية، لا سيما رئيس أركان الجيش الجنرال عاصم منير، أساسيا أيضا في تسهيل هذا التعاون. وعلى الرغم من أن تدخل المؤسسة العسكرية في الديبلوماسية الاقتصادية محدود في العادة، فإن العلاقات الشخصية لمنير مع السعودية أثبتت أنها ذات أهمية لا تقدر بثمن. إن جهوده في إقناع السعودية بلعب دور أكثر فعالية في دعم الاقتصاد الباكستاني توضح الطبيعة المتطورة للديبلوماسية العسكرية في البلاد.
وخلال زيارة رئيس الوزراء شهباز للسعودية في وقت سابق من عام 2024، تعهد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بتقديم استثمارات بقيمة خمسة مليارات دولار، مع التركيز على القطاعات الرئيسة مثل الطاقة والتعدين والبنية التحتية. وقد تكرر هذا الالتزام خلال حفل التوقيع الأخير في إسلام آباد، عندما أكد الوزير الفالح أن حزمة الاستثمارات البالغة 5 مليارات دولار ما هي إلا "غيض من فيض".
كان التعافي الاقتصادي في باكستان يعتمد على الدعم الخارجي بشكل كبير، وخصوصا من المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والشراكات الثنائية كالشراكة مع السعودية. وتعتبر حزمة الاستثمارات الأخيرة ضخا بالغ الأهمية من رأس المال الأجنبي في الاقتصاد الباكستاني، الذي أصيب بالشلل بسبب ارتفاع التضخم، وارتفاع عجز الحساب الجاري، وتضاؤل احتياطي النقد الأجنبي.
إقرأ أيضا: السعودية وباكستان... تجديد الشراكة على شبكة المصالح
وقد اضطلعت باكستان في الأشهر الأخيرة بتنفيذ عدد من الإصلاحات الاقتصادية الصارمة كجزء من برنامج تحقيق الاستقرار التابع لصندوق النقد الدولي. وقد ساعدت هذه الإجراءات في تحسين المؤشرات الاقتصادية الرئيسة، وكان من بينها خفض الدعم وزيادة الضرائب، لكن احتياطي النقد الأجنبي للبلاد ظل منخفضا بشكل خطير. ومن المتوقع أن يؤدي التزام السعودية التعجيل في تنفيذ الاستثمارات، لا سيما في مجال الطاقة والبنية التحتية، إلى تخفيف جزء من هذه الضغوط الاقتصادية.