شريان حياة سعودي لباكستان بـ2.2 مليار دولار

الدعم الاقتصادي لإسلام أباد لا يقف عند حدود الاستثمارات

Shutterstock
Shutterstock

شريان حياة سعودي لباكستان بـ2.2 مليار دولار

ظهر وزير الاستثمار السعودي خالد بن عبد العزيز الفالح، محاطا بكل من رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف ورئيس أركان الجيش صاحب النفوذ الجنرال عاصم منير، وبدا عليه الرضا والثقة بالنفس بينما كان مسؤولون من المملكة العربية السعودية وباكستان يوقعون مذكرات تفاهم بقيمة 2.2 مليار دولار. تغطي هذه الاتفاقات مجموعة من القطاعات، من الطاقة إلى الزراعة، وتعمل على تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين، لكنها الى ذلك، مؤشر بارز الى تنامي دور الاستثمار السعودي في استقرار الاقتصاد الباكستاني الهش.

تمر باكستان، التي تتمتع بموقع جيوسياسي واستراتيجي مهم في جنوب آسيا، بمرحلة اقتصادية مضطربة، حيث تعاني من أزمة ديون خارجية وتضخم وتراجع الاحتياطيات الأجنبية. وفي خضم هذا الغموض المالي، يعتبر التزام السعودية تعافي باكستان شريان حياة هي في أمسّ الحاجة إليه. ومثلت زيارة الوفد السعودي الرفيع المستوى الذي ترأسه الوزير الفالح إلى إسلام آباد لثلاثة أيام، لحظة فارقة في العلاقات الثنائية. وتدل تركيبة الوفد، الذي يضم مسؤولين بارزين من شركات سعودية متخصصة في الطاقة والتعدين والزراعة والصناعة، على جدية النيات السعودية في دعم باكستان.

تمتد العلاقة بين باكستان والمملكة العربية السعودية إلى ما هو أبعد من مجرد علاقات ديبلوماسية، فهي متجذرة بعمق في الروابط الدينية والثقافية والاستراتيجية. وكانت السعودية تاريخيا من أكبر الجهات المانحة لباكستان، وهي التي طالما قدمت الدعم المالي والقروض والتسهيلات النفطية في أوقات الأزمات. وقد تعمق هذا التحالف على مر السنين.

جرعة إنعاش في توقيت دقيق

وليس توقيع 27 مذكرة تفاهم بقيمة 2.2 مليار دولار في مختلف القطاعات سوى شهادة على الجهود المستمرة لتوطيد هذه الشراكة. ومن المتوقع أن تمهد هذه الاتفاقات الطريق لمزيد من الاستثمارات السعودية، مما يساهم في استقرار الاقتصاد الباكستاني ونموها. وأكد رئيس الوزراء شهباز شريف، في كلمته في حفل التوقيع، أهمية الدعم الذي تقدمه المملكة، قائلا: "إنه يعبر عن مظهر حقيقي من مظاهر الإخلاص والمودة التي يحملها إخواننا السعوديون لباكستان".

وكان دور المؤسسة العسكرية الباكستانية، لا سيما رئيس أركان الجيش الجنرال عاصم منير، أساسيا أيضا في تسهيل هذا التعاون. وعلى الرغم من أن تدخل المؤسسة العسكرية في الديبلوماسية الاقتصادية محدود في العادة، فإن العلاقات الشخصية لمنير مع السعودية أثبتت أنها ذات أهمية لا تقدر بثمن. إن جهوده في إقناع السعودية بلعب دور أكثر فعالية في دعم الاقتصاد الباكستاني توضح الطبيعة المتطورة للديبلوماسية العسكرية في البلاد.

واس
الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري يستقبل وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح.

وخلال زيارة رئيس الوزراء شهباز للسعودية في وقت سابق من عام 2024، تعهد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بتقديم استثمارات بقيمة خمسة مليارات دولار، مع التركيز على القطاعات الرئيسة مثل الطاقة والتعدين والبنية التحتية. وقد تكرر هذا الالتزام خلال حفل التوقيع الأخير في إسلام آباد، عندما أكد الوزير الفالح أن حزمة الاستثمارات البالغة 5 مليارات دولار ما هي إلا "غيض من فيض".

كان التعافي الاقتصادي في باكستان يعتمد على الدعم الخارجي بشكل كبير، وخصوصا من المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والشراكات الثنائية كالشراكة مع السعودية. وتعتبر حزمة الاستثمارات الأخيرة ضخا بالغ الأهمية من رأس المال الأجنبي في الاقتصاد الباكستاني، الذي أصيب بالشلل بسبب ارتفاع التضخم، وارتفاع عجز الحساب الجاري، وتضاؤل احتياطي النقد الأجنبي.

إقرأ أيضا: السعودية وباكستان... تجديد الشراكة على شبكة المصالح

وقد اضطلعت باكستان في الأشهر الأخيرة بتنفيذ عدد من الإصلاحات الاقتصادية الصارمة كجزء من برنامج تحقيق الاستقرار التابع لصندوق النقد الدولي. وقد ساعدت هذه الإجراءات في تحسين المؤشرات الاقتصادية الرئيسة، وكان من بينها خفض الدعم وزيادة الضرائب، لكن احتياطي النقد الأجنبي للبلاد ظل منخفضا بشكل خطير. ومن المتوقع أن يؤدي التزام السعودية التعجيل في تنفيذ الاستثمارات، لا سيما في مجال الطاقة والبنية التحتية، إلى تخفيف جزء من هذه الضغوط الاقتصادية.

اضطلعت باكستان في الأشهر الأخيرة بتنفيذ عدد من الإصلاحات الاقتصادية الصارمة كجزء من برنامج تحقيق الاستقرار التابع لصندوق النقد الدولي

وأشاد رئيس الوزراء شريف بدور السعودية في مساعدة باكستان على تحقيق برنامج صندوق النقد الدولي. وذكر أن "برنامج الصندوق ما كان ليرى النور لولا دعم المملكة"، مسلطا الضوء على أهمية الدعم الديبلوماسي السعودي في تحقيق استقرار الاقتصاد الباكستاني.

دور التحويلات المالية الأجنبية

لا يقف الدعم الاقتصادي السعودي لباكستان عند حدود الاستثمارات وحدها. وتكمن إحدى أهم المساهمات التي قدمتها  السعودية للاقتصاد الباكستاني في التحويلات المالية التي يرسلها المغتربون الباكستانيون العاملون في المملكة، والتي كانت على الدوام مصدرا حيويا للعملات الأجنبية لباكستان، حيث شهد شهر أغسطس/آب من عام 2024 رقما قياسيا بلغ 713 مليون دولار أميركي أرسلها الباكستانيون المغتربون وراء البحار إلى وطنهم من المملكة العربية السعودية وحدها. وهو ما مثل زيادة بنسبة 45 في المئة مقارنة بالشهر نفسه من عام 2023.

وفي الواقع، كانت التحويلات الأجنبية من الباكستانيين العاملين في الخارج شريان حياة بالغ الأهمية لاقتصاد البلاد، ويعادل إجمالي التحويلات حزمة الإنقاذ البالغة 7 مليارات دولار التي قدمها صندوق النقد الدولي في الأشهر الثلاثة الماضية. وتلعب هذه التحويلات، إلى جانب الاستثمار الأجنبي، دورا مهما في الحفاظ على احتياطي باكستان من النقد الأجنبي والوفاء بالتزاماتها المتعلقة بديونها الخارجية.

إقرأ أيضا: باكستان وأفغانستان على شفير الهاوية

تغطي مذكرات التفاهم الموقعة بين باكستان والسعودية طيفا واسعا من القطاعات، التي تضم الطاقة والتعدين والزراعة والسياحة. ويأتي قطاع الطاقة في مقدم المجالات الرئيسة التي تركز عليها هذه المذكرات، حيث يُتوقع أن تستثمر  السعودية بكثافة في مشاريع الطاقة المتجددة في باكستان. وهذا يتسق مع "رؤية 2030" للمملكة، التي تهدف إلى تنويع اقتصاد المملكة وتقليل اعتمادها على صادرات النفط.

Shutterstock
مهندسون يعملون في خط تجميع السيارات في إحدى شركات السيارات في كراتشي، باكستان.

ويشكل قطاع التعدين والمعادن ميدانا آخر ترى فيه المملكة إمكانات كبيرة للتعاون. فباكستان غنية بالموارد الطبيعية، بما في ذلك الفحم والنحاس والذهب، وتحرص الشركات السعودية على استكشاف فرص الاستثمار في هذا القطاع. كما تحتل الزراعة والأمن الغذائي مكانة بارزة في جدول الأعمال، حيث يتطلع البلدان إلى تعزيز التعاون في إنتاج الغذاء وسلاسل التوريد.
كما أبرزت زيارة الوفد السعودي لباكستان أهمية السياحة والتبادل الثقافي. فالمملكة العربية السعودية تعمل بشكل حثيث على الترويج للسياحة كجزء من استراتيجيتها لتنفيذ "رؤية 2030"، وتعتبر باكستان، ذات التراث الثقافي الغني والجمال الطبيعي، شريكا رئيسا في هذا المسعى.

الديبلوماسية العسكرية والشراكات الاقتصادية

إن مشاركة المؤسسة العسكرية الباكستانية، وخاصة دور الجنرال منير، في تسهيل الاستثمار السعودي، شهادة على الدور المتزايد للديبلوماسية العسكرية في الشؤون الاقتصادية الباكستانية. وقد وُصِف لقاء الجنرال منير مع وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح خلال زيارة الوفد بأنه "صادق" وركز على ضمان استبدال "الخطوط الحمراء" المرتبطة بالروتين البيروقراطي بـ"السجادة الحمراء" التي ستفرش أمام المستثمرين السعوديين.

وكان إنشاء مجلس تيسير الاستثمار الخاص في باكستان، الذي يهدف إلى تبسيط الاستثمارات الأجنبية، أداة فعالة في هذا المجال. حيث يعمل المجلس، الذي يرأسه الجنرال منير، كـ"مركز شامل" للمستثمرين الأجانب، مما يضمن تسريع استثماراتهم وتذليل أية عقبات بيروقراطية تواجههم.

واس
القوات الجوية الملكية السعودية تشارك في تمرين "درع نهر السند 2024" في باكستان.

وبينما يرنو كلا البلدين إلى المستقبل، توضع خطط طموحة لزيادة التجارة الثنائية إلى 20 مليار دولار سنويا. ويعكس هذا الهدف، الذي يسير جنبا إلى جنب مع الاستثمارات السعودية المستمرة في قطاعات رئيسة من الاقتصاد الباكستاني، الأهمية المتزايدة للديبلوماسية الاقتصادية في صياغة مستقبل العلاقات الباكستانية السعودية. وتستعد باكستان للخروج من أزمتها الاقتصادية وتعزيز مكانتها كلاعب رئيس في المنطقة.

إن مشاركة المؤسسة العسكرية الباكستانية في تسهيل الاستثمار السعودي، شهادة على الدور المتزايد للديبلوماسية العسكرية في الشؤون الاقتصادية الباكستانية.

وفي ذلك، يقول الخبير في السياسة الخارجية والسياسي المعروف المقيم في إسلام آباد صمد يعقوب لـ"المجلة": "تستمر العلاقات الاستراتيجية بين هاتين الدولتين الإسلاميتين في التطور، حيث يدرك الجانبان الإمكانات الهائلة للتعاون والنمو الاقتصادي. ولا يتعلق استثمار المملكة العربية السعودية في باكستان بتقديم المساعدات المالية وحسب؛ بل ببناء مستقبل يمكن فيه لكلا البلدين الازدهار معا، والإفادة من قيمهما المشتركة ومصالحهما الاستراتيجية".

font change

مقالات ذات صلة