التأرجح سيد الموقف... بين ترمب "القلق" وهاريس "الواثقة"

حسابات انتخابية مختلفة لدى المتنافسَين

ناش فيراسكرا/المجلة
ناش فيراسكرا/المجلة

التأرجح سيد الموقف... بين ترمب "القلق" وهاريس "الواثقة"

"لقد تأخر الوقت كثيرا، فالتصويت قد بدأ، لن تكون هناك مناظرة رئاسية أخرى". بهذه الكلمات القاطعة التي كتبها مؤخرا عبر حسابه في منصة "إكس" أغلق المرشح الجمهوري، دونالد ترمب، الباب على أي مناظرة انتخابية أخرى، ضد المرشحة الديمقراطية ونائبة الرئيس، كامالا هاريس، التي سبق أن طالبت، عدة مرات، بمناظرة أخرى ضد خصمها الجمهوري، بعد أدائها الناجح في مناظرتهما الأولى واليتيمة في العاشر من سبتمبر/أيلول الماضي.

تعكس مطالبة هاريس بمناظرة انتخابية أخرى، ورفض ترمب لها- بعيدا عن تبريره لرفضه بأن الوقت قد فات، لأن التصويت البريدي في بعض الولايات قد بدأ فعلا- حسابات انتخابية مختلفة لدى المُتَنافسين، اعتمادا على مناظرتهما الوحيدة. تقوم حسابات حملة هاريس على ثقة متزايدة بقدرة مرشحتها على تحسين حظوظها بالفوز الرئاسي عبر المواجهات الإعلامية والانتخابية المباشرة، بعكس ترددها السابق بهذا الصدد، فيما تقوم حسابات حملة ترمب على تجنب مثل هذه المواجهات المُقلقة، واكتفاء مرشحها بالخطب الانتخابية، أمام جمهور موال لا يحرجه بأسئلة صعبة، ومقابلات صحافية مع وسائل إعلام قريبة سياسيا منه.

جرت العادة بأن يجري المرشحون الرئاسيون ثلاثة مناظرات انتخابية، في فترة الشهرين الفاصلة بين نهاية المؤتمر العام لكل من الحزبين الرئيسيين حيث يتلقى الفائز بالانتخابات التمهيدية الترشيح الرسمي للحزب، ويوم الانتخابات، تحديداً باسبوعين او ثلاثة قبل إدلاء الناخبين باصواتهم. لكن ترمب رفض دعوتين لاجراء مناظرتين إضافيتين، واحدة من محطة "سي إن إن" التلفزيونية وأخرى من محطته التلفزيونية المفضلة، "فوكس نيوز". المرجح أن الرجل يخشى مواجهة هاريس في مناظرة تلفزيونية أخرى بعد تفوقها في المناظرة الأولى عبر نجاحها المتكرر أثناء المقابلة في استفزازه ودفعه لشخصنة المناظرة، فيما ظهرت هي "رئاسية" في سلوكها وكلماتها على مدى دقائق المناظرة التسعين، وذلك بالعكس من الانطباع الذي سعى ترمب لترسيخه بخصوصها من كونها ضعيفة وأنها، بحسب لقاء له مع "فوكس نيوز" في نهاية يوليو/تموز، ستبدو للزعماء الأجانب "سهلة، ستكون أشبه بلعبة. سينظرون لها ويقولون لا نستطيع أن نصدق أننا محظوظون لهذا الحد. سيستغلونها أبشع استغلال".

اعتاد المرشحون الرئاسيون اجراء ثلاث مناظرات انتخابية في فترة الشهرين الفاصلة بين نيلهما الترشيح الحزبي الرسمي ويوم الانتخابات

تبدو واضحة خشيةُ ترمب من مواجهة أسئلة صعبة ومباشرة من الإعلام غير المحافظ (أجرى الرجل نحو 30 مقابلة تلفزيونية مع محطات إعلامية محافظة ودودة سياسيا نحوه). وأصبح من الأعراف الانتخابية الأميركية، على مدى الخمسين عاما الماضية، تحديدا منذ عام 1968، أن يظهر المرشحون الرئاسيون الكبار، عادة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، في استضافة لدى برنامج "ستون دقيقة" الشهير والعالي المتابعة الذي تبثه محطة "سي بي إس" حيث كان المتفق عليه، بحسب العادة، أن يظهر ترمب وهاريس في فقرتين مختلفتين، طول كل واحدة منهما 20 دقيقة من حلقة البرنامج نفسها، وهما يجيبان على أسئلة المذيع الجدية. وافق الاثنان على إجراء المقابلة الأسبوع الماضي، لكن ترمب تراجع عن إجراء المقابلة المتعلقة، فيما مضت هاريس بإجراء مقابلتها، التي بُثت بعدها بأيام، ليتهم ترمب المحطة التلفزيونية بأنها تلاعبت بالمقابلة كي تظهر نائبة الرئيس "رئاسية".

لم يقدم ترمب سببا واضحا أو مقنعا لرفضه الظهور في البرنامج، بل أعطى هو وحملته الانتخابية أسبابا مختلفة حد التناقض، إذ أشار في تبريره الأول لرفضه الظهور بعد إعطاء الموافقة، إلى أن البرنامج مدين باعتذار له عن مقابلته له في عام 2020 بسبب انحياز المحطة المفترض ضده في أثناء تلك المقابلة. أما حملته الانتخابية فقد ذكرت أنها تعترض على قيام المحطة بتدقيق الحقائق التي ترد على لسان ترمب في المقابلة، وهو الأمر المعتاد الذي تقوم به المحطة في مقابلاتها الرئاسية هذه. هذا فضلا عن تبرير آخر جاء عبر مدير الاتصالات في حملة ترمب الانتخابية، ستيفن شآنغ، الذي ذكر، في رسالة له عبر منصة "إكس" أنه لم يتم الاتفاق بالأصل على موعد لإجراء مقابلة، وإنما فقط الحديث عن تحضيرات أولية. ردت المحطة على كل هذه الحجج بالنفي..

أ.ف.ب
ترمب يصافح هاريس

يبدو قرار ترمب برفض مواجهة إعلام مشكك أو غير موال له أيديولوجياً أو الدخول في مناظرة ندية يبدو حكيما في الأسابيع القليلة الأخيرة الفاصلة عن يوم الانتخابات في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني. يخشى الرجل، على نحو مفهوم، ارتكابَ أخطاء في ذكر الحقائق والوقائع يمكن أن توظف ضده وتساعد على الإطاحة بحظوظه، بتحقيق الفوز الانتخابي في ظل استطلاعات رأي متقاربة جدا في نتائجها، لكنها تميل على نحو بسيط، وليس حاسما، لصالح هاريس.

وبعد أسبوع من المناظرة الرئاسية التي جمعتهما في سبتمبر/أيلول حققت هاريس تقدما لافتا عليه في بعض الاستطلاعات متجاوزة هامش الخطأ، بنسبة 51 في المئة لصالحها مقابل 45 في المئة لصالح ترمب. احتاج الأمر بضعة أسابيع كي تعود هذه الأرقام إلى هامش الخطأ، مع تقدم طفيف لهاريس بالنسبة لترمب، المعروف باندفاعه في قول الأشياء، بغض النظر عما تقوله السجلات الموثقة، أو بالضد منها أحيانا كثيرة، وهي نقطة ضعف رئيسة فيه، لم تستطع حملته الانتخابية علاجها، قد يكون ارتكابه "هفوات" كهذه كارثيا مع اقتراب موعد الانتخابات، وزيادة التركيز الإعلامي على ما يقوله المرشحان الرئيسان، خصوصا من جانب المصوتين الذين لم يحسموا قراراتهم التصويتية بعد. 

يبدو قرار ترمب برفض مواجهة إعلام مشكك أو غير موال له أيديولوجياً يبدو حكيما في الأسابيع القليلة الأخيرة الفاصلة عن يوم الانتخابات في الخامس من نوفمبر المقبل

تزداد حساسية ارتكاب مثل هذه الهفوات في ظل تفوق هاريس على ترمب في استطلاعات الرأي العامة بنحو نقطتين 48.4 في المئة لهاريس مقابل 46.0 في المئة لترمب، فضلا عن أن وضعها في الولايات المتأرجحة أفضل نسبيا من وضعه، إذ تتقدمه بنقطة واحدة تقريبا في أربع من هذه الولايات، فيما يتقدمها هو بالنسبة نفسها تقريبا- نقطة واحدة- في ولايات ثلاث من هذه الولايات السبع التي يُعتقد واسعا أنها ستقرر من يكون الفائز بالانتخابات. 

لكن استطلاعات الرأي أيضا ليست حاسمة، لأسباب كثيرة، بينها أن هناك نسبة عالية عموما، بحدود 13 في المئة من المصوتين الذين لم يقرروا بعد لمن يعطون أصواتهم، فضلا عن وجود 5 في المئة من المستطلعة آراؤهم أشاروا إلى أنهم سيصوتون لمرشح حزب ثالث، وهو الاحتمال الذي يمكن أن يضر بحظوظ هاريس في بعض الولايات المتأرجحة مثل ميشيغان. من بين هؤلاء الـ13 في المئة، يقول ثمانية في المئة- بالتناصف أربعة لكل من ترمب وهاريس- إن لديهم ميلا أوليا لأحد المرشحين قد يتغير تاليا، فيما بقي خمسة في المئة، يؤكدون على أنه لا ميلَ لديهم لأحد المُرَشحين. عادة ما يكون جمهور المصوتين الذين لم يحسموا قراراتهم التصويتية أكثر انتباها لسلوك المرشحين، وأدائهما الإعلامي من الـ82 في المئة من المصوتين المستطلعة آراؤهم الذين قالوا، بحسب الاستطلاع نفسه، إنهم حسموا أمرهم لصالح أحد المرشحين الرئيسين (42 في المئة لصالح هاريس و40 في المئة لصالح ترمب).

تتبع النيات التصويتية للناخبين ليس علما دقيقا، وبالتالي فإن استطلاعات الرأي هذه تعطي فقط صورة تقريبية لما سيحدث في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني، من دون تحديد دقيق لنتيجة ذلك اليوم الانتخابية. فشل هذه الاستطلاعات في التنبؤ بنتيجة انتخابات 2016 لا تزال ماثلة في الذاكرة العامة، وتبرر الشك بهذه الاستطلاعات حتى مع التحسينات الكثيرة التي أدخلت على كيفية إجرائها بعد تجربة الفشل تلك.

على الأكثر الذي سيحسم نتائج الانتخابات في ذلك اليوم هو عدد المشاركين في التصويت. في آخر انتخابات رئاسية، في عام 2020، شارك أكثر من ثلثي الأميركيين الذين يحق لهم التصويت، 66.8 في المئة، أي نحو 155 مليون ناخب. تعتبر هذه نسبة عالية، وساعدت كثيرا في فوز بايدن بالانتخابات حينها، بفارق ثمانية ملايين صوت. لأن الجمهوريين معروفون تاريخيا بأنهم أكثرا التزاما بالذهاب إلى مراكز التصويت في يوم الانتخابات من نظرائهم الديمقراطيين ومؤيديهم "المتقاعسين" في الظروف التقليدية، فإن قدرة الديمقراطيين على بث حس باستثنائية هذه الانتخابات والخطر المترتب من عدم المشاركة فيها- كما فعلوا بنجاح في عام 2020- بين مؤيديهم والمتعاطفين معهم قد يحسم هذه الانتخابات لصالحهم عبر نسبة مشاركة انتخابية أعلى بين جمهورهم. 

على الأكثر الذي سيحسم نتائج الانتخابات هو عدد المشاركين في التصويت

في الانتخابات الرئاسية لعام 2016، خسرت هيلاري كلينتون لصالح ترمب، بسبب إحساس الثقة لدى الجمهور المؤيد للديمقراطيين من أن فوزها مؤكد على خصمها الجمهوري. وقد دفع إحساس الثقة المزيف هذا ما يكفي من مؤيدي الديمقراطيين لعدم المشاركة في انتخابات بدت مضمونة النتيجة لهم، ليكتشفوا متأخرين معنى الخسارة المريرة.

إذا استطاع الديمقراطيون تكرار تجربتهم الناجحة في 2020 باستنهاض أكبر عدد ممكن من مؤيديهم للذهاب إلى صناديق الاقتراع في الخامس من نوفمبر أو التصويت بريديا قبله، فإن فرص احتفاظهم بالبيت الأبيض عالية... لعب انسحاب الرئيس جوزيف بايدن لصالح نائبته هاريس على رأس التكتل الانتخابي دورا في إثارة حماسة الأقليات والنساء والشباب للمشاركة والإدلاء بأصواتهم، لكن استطلاعات الرأي لحد الآن تشير إلى أنهم لم ينجحوا في تحفيز ما يكفي من المصوتين المحتملين لضمان الفوز. وفضلا عن التعويل على التصويت البريدي الذي استخدمه الكثير من جمهورهم، وكان السبب وراء فوز بايدن في 2020، سيكون على الديمقراطيين هذه المرة إعادة إنتاج القلق بين قواعدهم الشعبية بشأن رئاسة ترمبية ثانية شبيهة بالقلق الذي أنتجه بنجاح بايدن قبل أربع سنوات.

font change

مقالات ذات صلة