رغم كثرة صورها في لوحات الطرق والنشرات الترويجية المصورة الخاصة بها، وحتى في البيانات الرسمية المعلنة الصادرة عنها، فإنه لا يُمكن العثور على الاسم الحقيقي للمرشحة رقم 36 ضمن القائمة 114 التابعة لـ"حركة التغيير الكردية" المعارضة (كوران) في الحملة الانتخابية الخاصة بانتخابات برلمان إقليم كردستان. فإلى جانب صورها ومقاطعها المصورة وبياناتها الرسمية، ثمة تعريف مُقتضب وحيد بشخصها "والدة الشهيد كرميان"، وفقط كذلك.
في إقليم كردستان، تشكل حالة هذه المرشحة استعارة وتعبيرا ذا دلالة على مدى "حضور ودور الشهداء" في الحملة الانتخابية الراهنة، وتاليا في كل المشهد السياسي لإقليم كردستان. فالكثير من المرشحين أرفقوا صورهم ولافتاتهم الانتخابية بصورٍ لآبائهم أو أقربائهم "الشهداء"، وعدد غير قليل منهم لا يتوقفون عن التذكير بانتمائهم إلى هذه العائلة التي قدمت الكثير من "الشهداء".
الحزبان السياسيان الرئيسان في الإقليم، ومثلهما أحزاب وقوائم المعارضة، وحتى المرشحون المستقلون لانتخابات الدورة السادسة لبرلمان إقليم كردستان العراق، حرصوا جميعا أن يكون من ضمن قوائمهم عدد من أبناء "شهداء" الحركة القومية أو أقاربهم، وأن تتضمن الشعارات والبرامج الانتخابية التي يقدمونها للرأي العام الكثير من المعطيات والعبارات الخاصة بهم.
"طبقة الشهداء" في إقليم كردستان ليست مجرد أفراد ضمن الطيف الاجتماعي الأوسع، بل يكادون أن يشكلوا- لكثرتهم ودورهم الاستثنائي والمستدام طوال عقود كثيرة في الحياة العامة- ما يُمكن تسميته "الطبقة العليا" من المجتمع، يستمد ذووهم والأحزاب والتنظيمات السياسية التي ينحدرون منها تلك الهالة القدسية التي يشغلونها، ويعيدون توظيفها واستخدامها لأغراض سياسية ورمزية كثيرة.
فالضحايا المدنيون الأكراد- الذين سقطوا جراء المواجهات المسلحة بين تنظيمات البيشمركة الكردية ومختلف الحكومات والسلطات العراقية، منذ عام 1961 حينما أُعلنت أول ثورة كردية مسلحة في العصر الحديث، وحتى عام 2017 حينما وقعت المواجهات بين الجيش العراقي وفصائل "الحشد الشعبي" من جهة وقوات البيشمركة من جهة أخرى، عقب أحداث "استفتاء الاستقلال"- لا يقلون عن ربع مليون ضحية، حسب الإحصاءات الكردية الرسمية والمؤرشفة، من بينهم أكثر من 50 ألف مقاتل ميداني من قوات البيشمركة، أغلبهم من الحزبين الرئيسين، الحزب "الديمقراطي الكردستاني" بقيادة مسعود بارزاني، و"الاتحاد الوطني الكردستاني" الذي أسسه الرئيس العراقي السابق جلال طالباني.