بعد قيام "الثورة" في إيران عام 1979، انتقلت إيران من النظام الملكي إلى نظام سُمي بأنه نظام جمهوري، إلا أن ذلك النظام في حقيقة الأمر متفرد تماماً ولا يشبه أي نظام حكم جمهوري أخر.
للأنظمة السياسية والدساتير دورة حياة
من المتعارف عليه في فقه القانون الدستوري، أن للأنظمة السياسية والدساتير دورة حياة، تبدأ بولادة النظام السياسي الجديد في الدولة ويتبلور ذلك بنشأة دستور ذلك النظام بإحدى الطرق المتعارف عليها تبعا لكل حالة على حدة، وتنتهي الدساتير أما بطريق طبيعي، مثل قيام النظام في الدولة بتغيير الدستور أو تعديله كليا تلبية لمتطلبات الواقع الذي تعيشه تلك الدولة.
قد تنتهي الدساتير بطريقة غير طبيعية بنهاية النظام السياسي في الدولة نفسه، ويتم ذلك عادة عن الطريق الثورات والهبّات الشعبية وغيرها مما يشبه ذلك من الوسائل العنيفة، أو قد ينهار النظام نتيجة نشوب حرب تؤدي إلى سقوط رأس النظام أو أغلب أركان ذلك النظام، بما مؤداه إضعاف سلطات الدولة لدرجة تؤدي إلى عجزها عن آداء مهامها الدستورية أو حدوث حالة من الفوضى تسمح بحدوث أي شكل من أشكال العنف الجمعي السياسي مثل الهبّات الشعبية أو الاضطرابات المدنية وما شابه ذلك، بما يؤدي إلى إنهيار النظام الدستوري في البلاد.
وأشهر مثال للحالة الأخيرة هو سقوط نظام الأمبراطورية الفرنسية الثانية بعد هزيمة وأسر الإمبراطور نابليون الثالث خلال الحرب البروسية (الألمانية) - الفرنسية في معركة سيدان 1870، وما أعقب ذلك من حدوث حالة فراغ دستوري، ترتب عليها قيام وسقوط حكومة كوميون الثورية من شهر مارس/آذار حتى شهر مايو/ أيار العام 1871، ثم قيام الجمهورية الفرنسية الثالثة وإحكام سلطتها على باريس وكامل فرنسا.
وفي حالة حدوث فراغ دستوري في نظام إيران، فمن المحتمل أن يكون لتلك الحالة تداعيات جسيمة وأثر بالغ الخطورة عليها قد تصل إلى حد الإنهيار سياسياً ودستورياً.
النظام الدستوري لـ "الجمهورية الإسلامية الإيرانية"
بعد قيام ونجاح "الثورة الإسلامية" في إيران عام 1979 بزعامة روح الله الخميني (أية الله الخميني)، رجل دين وفقيه شيعي اثنى عشري، انتقلت إيران من النظام الملكي إلى نظام سُمي بأنه نظام جمهوري، إلا أن ذلك النظام في حقيقة الأمر متفرد تماما ولا يشبه أي نظام حكم جمهوري أخر ولا أي نظام سياسي معاصر على الإطلاق، فيتميز ذلك النظام بأنه نظام شديد التعقيد، وأنه يصنف كذلك كنظام ثيوقراطي، أي أنه حكم ديني، أو حكم رجال الدين على وجه الدقة. وقد تم وضع قواعد وأركان هذا النظام في الدستور الإيراني الحالي الصادر عام 1979 والمعدل عام 1989، نتناول بإيجاز أهم أركانه:
- "المرشد الأعلى للثورة" (القائد) أو "الولي الفقيه": ووفقاً لأحكام هذا الدستور يتربع على هرم السلطة "المرشد الأعلى للثورة" (رأس الدولة)، وهو ما يطلق عليه لقب "الولي الفقيه"، و "ولاية الفقيه" هو مبدأ ومصطلح فقهي قديم في الفقه الشيعي الإثنى عشري، قام بإحيائه وتطويعه وإعادة استخدامه في الدستور أية الله الخميني، ويُقصد بذلك المبدأ إنابة "الولي الفقيه" عن "الإمام الغائب" (وهو الإمام محمد المهدي بن الإمام الحسن العسكري، الإمام الثاني عشر عند الشيعة الإثنى عشرية) في قيادة الأمة وإدارة شئونها والقيام بمهام الحكومة الإسلامية و"إقامة حكم اللّه على الأرض"، وبهذا تم الدمج بين منصب سياسي ومقام ديني في منصب واحد.
ويفترض أن يتوافر عدة شروط فيمن يتولى ذلك المنصب، أخصها توافر العلم الديني والشرعي الوافي، وأن يتم ذلك بعد إجراء استفتاء. ووفقا لأحدث تعديلات الدستور، يستمر "المرشد" في منصبه مدى الحياة، إلا إذا عجز عن آداءوظائفه القانونية. ولـ "المرشد الأعلى للثورة" صلاحيات دستورية تكاد تكون مطلقة منها: رسم السياسات العامة لنظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد التشاور مع المجالس المختصة، إصدار الأمر بالاستفتاء العام، إعلان الحرب والسلام والنفير العام (التعبئة العامة)، القيادة العامة للقوات المسلحة، حل الاختلافات بين أفرع القوات المسلحة الثلاث وتنظيم العلاقات بينها، حل مشكلات النظام التي لا يمكن حلها بالطرق العادية من خلال المجالس المختصة، التصديق على قرار تعيين رئيس الجمهورية بعد انتخابه من قبل الشعب، عزل رئيس الجمهورية بعد استيفاء الشروط الدستورية لذلك، إصدار العفو أو تخفيف العقوبات بناء على اقتراح من رئيس السلطة القضائية، وأخيراً تنصيب وعزل وقبول استقالة كل من: أ) الفقهاء أعضاء مجلس صيانة الدستور. ب) رئيس السلطة القضائية. ج) رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون. د) رئيس أركان القيادة المشتركة للقوات المسلحة. هـ) القيادات العليا للقوات المسلحة. و) القائد العام لقوات "حرس الثورة الإسلامية".