إسلام فيكتور هوغو... حقيقة أم التباس؟

علاقة روحية بدأت بالخوف وتطوّرت إلى الإعجاب

AFP
AFP
بورتريه للكاتب الفرنسي فيكتور هوغو (1802-1885) الذي كتب روائع الأدب الفرنسي مثل "البؤساء" و"أحدب نوتردام".

إسلام فيكتور هوغو... حقيقة أم التباس؟

حين كان لويس بلان (Louis Blin) يعمل قنصلا عاما لفرنسا في جدة، بدأ في تحرير موسوعة عن المؤلفات الفرنسية المتعلقة بهذه المدينة التي يعيش فيها، فتفاجأ بأن إحدى قصائد ديوان "أسطورة العصور" لفيكتور هوغو (1802- 1885) تشير إلى مدينة جدة، وبعد متابعة الموضوع، لاحظ أن شخصية النبي محمد والقرآن تتكرران أكثر من مائة مرة في قصائد الشاعر والكاتب الفرنسي الشهير، صاحب "البؤساء" و"أحدب نوتردام".

أسطورة العصر

بلان الذي نشر خلاصة بحثه في كتاب "فيكتور هوغو والإسلام"، لا يخفي أن هدفه من تأليف الكتاب كان الوقوف ضد موجة الخوف من الإسلام "الإسلاموفوبيا" التي انتشرت في أوروبا، ولما يمثله هذا الاهتمام بالإسلام من أهمية لمكانة هوغو الكبيرة في الثقافة الفرنسية والعالمية.

في أحاديث إذاعية ومقالات صحافية، يتحدث بلان عن كتابه ويشير إلى أن هوغو كان من متتبعي الثقافة الإسلامية ومعجبا بها، ويرى في ذلك دليلا على التأثيرات الإسلامية في الثقافة الإنسانية، وأن لا صحة للقول "إن الإسلام خارج ثقافتنا"، كما يروّج في الغرب.

وبسبب هذه الادعاءات، يظن بلان أن كتابه لم يحظ بالاهتمام الكافي ولم يقرأه إلا المهتمون بالشرق الأوسط وتاريخ الإسلام. ونشرت "دار إريك بونييه" (Erick Bonnier) الكتاب بعدما رفضت مشروعه 67 دار نشر فرنسية.

ما ينوه إليه بلان هو أن هوغو كان "عنصريا" ضد الإسلام في شبابه، لكنه في سن السادسة والخمسين، بدأ في كتابة ملحمته، "أسطورة العصور"، بعد وقت قصير من أزمة عاشها إثر فقدان ابنته، ومروره بفترة روحانية من 1853 إلى 1856. فكتب قصيدته "السنة التاسعة للهجرة" التي كان موضوعها سيرة النبي محمد، فتناول الكثير من جوانب حياته حتى وفاته بمرجعية إسلامية، وهي القصيدة التي يعتبرها بعض المسلمين دليلا على اعتناق هوغو للإسلام، الأمر الذي ينفيه بلان، معتبرا أن علاقة الكاتب الفرنسي بالدين كانت صوفية. وهو، إذ لم يتفق مع الكاثوليكية بسبب تحالفاتها مع السلطة السياسية، كان يميل إلى الجوانب الروحية، واتخذ من النبي محمد نموذجا له، وقصيدته عنه تندرج ضمن إطار إعجابه بالدين الإسلامي، شأنها شأن قصيدة "الأرز"، (Le Cèdre) التي يقترب نطقها بالفرنسية من "سدرة المنتهى" الواردة في القرآن.

كان هوغو من متتبعي الثقافة الإسلامية ومعجبا بها، ويرى في ذلك دليلا على التأثيرات الإسلامية في الثقافة الإنسانية

وكان هوغو كتبها في الفترة من 20 إلى 24 أكتوبر/ تشرين الأول 1858، بعد وقت قصير من اغتيال القنصل الفرنسي ونائب القنصل البريطاني و24 آخرين في مدينة جدة، التي كانت آنذاك تحت السيطرة العثمانية. تناول الروائي السعودي مقبول موسى العلوي في روايته "فتنة جدة" هذه الأحداث، كما تناولها محمد صادق دياب في رواية "مقام حجاز"، وكانت موضوعا لإحدى قصص الكاتب الفرنسي الكسندر دوما حينها، فانتشر بعدها ما يمكن تسميته بـ"إسلاموفوبيا" مبكرة، مما دفع هوغو للتصدي لها، خاصة وقد عاش التجربة نفسها في خوفه من الإسلام حين كان شابا. فهوغو، حسب بلان، وقف "في مواجهة الضجة الإعلامية التي تشوه سمعة الإسلام من خلال وضع هذا الدين في منظور إنساني عالمي".  فعمل عبر قصيدة "الأرز" حوارا صوفيا بين الخليفة عمر بن الخطاب والقديس يوحنا الإنجيلي من جهة، وبين مدينة جدة واليونان من جهة أخرى. وهي ترمز الى العلاقة الوطيدة بين الإسلام والمسيحية.

AFP
صورة التقطت في 29 يناير 1974 في شارع بمدينة جدة، السعودية.

تأثر واستلهام

ما يلاحظ من اهتمام هوغو بالإسلام، هو متابعته لما نشر حول هذه الثقافة آنذاك، الأمر الذي انعكس على بعض قصائده، فنجده يعيد صياغة بعض العبارات القرآنية شعرا، فتبدو ترجمة حرفية، مثل: "إذا زلزلت الأرض زلزالها". وأبرز ما عرفه عن الإسلام كان من خلال كتابات ألفونس دو لامارتين (1790- 1869) التي، على عكس كتابات هوغو، عُرفت على نطاق واسع في العالم العربي وبالذات سيرته عن نبي الإسلام التي صدرت في كتاب بعنوان "حياة محمد"، وكان جزءا من كتابه "تاريخ تركيا" الذي ألفه عام 1858. وعن هذا المعجب الكبير بالإسلام، أصدر لويس بلان كتابا آخر.

shutterstock
صورة لطفلين يقرآن القرآن في منزل بجدة، السعودية، 1974.

وإذا كان ما قام به بلان في اظهار علاقة لامارتين في الإسلام مهما في هذه الظروف الحالية، فإن منجزه في البحث عن علاقة هوغو بالإسلام، يبدو لي، أكثر أهمية نظرا الى تجاهل الباحثين ودارسي أدبه هذه العلاقة. لكن هذا التغييب لا يعني أن هناك "مؤامرة" كما يذهب البعض في إخفاء اعتناق فيكتور هوغو للإسلام وانكار تسمية نفسه بـ"أبي بكر هوغو"، لأن كلّ الدلائل لا تؤكد هذه الأقاويل.

إذا كان يمكن لأحد أن يلصق اسم هوغو بالإسلام، فسيكون من باب إعجاب هذا الشاعر والكاتب بثقافة روحية مختلفة، بحث خلالها عن معنى أخروي لما بعد الموت

فإذا كان يمكن لأحد أن يلصق اسم هوغو بالإسلام، فسيكون من باب إعجاب هذا الشاعر والكاتب بثقافة روحية مختلفة، بحث خلالها عن معنى أخروي لما بعد الموت، وهو معنى يُظن أنه أقرب إلى مفهوم "تحضير الأرواح" منه إلى المفهوم التقليدي الإسلامي للحياة الأخروية، إضافة إلى أن هوغو لاحظ أن "الإسلام يجمع بين ما هو منطقي وروحي"، مما أثار انتباهه وإعجابه، في عصر شهد دعوات للفصل بين الدين والمنطق. لذا يمكن لقارئ هذه النصوص الإسلامية، ضمن أدب هوغو العام، القول بإسلام فيكتور هوغو، لكنّه اسلام روحاني فيه جانب من التقدير والاندهاش لهذا الدين أكثر من كونه اعتناقا كليا لعقيدة دينية. وأظن أن المسلمين يكفيهم فخرا بعلاقة هوغو بالإسلام ضمن هذا المستوى.

font change

مقالات ذات صلة