لطالما لفتت المملكة العربية السعودية الأنظار إليها برؤيتها الثاقبة وعملها الدؤوب، وحنكتها في خرق جدران الأزمات، ووزنها كقوة عالمية لها قرارها وتأثيرها السياسي والديبلوماسي والاقتصادي حيث يجب.
اختبر العالم حكمة المملكة في التحولات الاستراتيجية، حيث نفضت عنها في السنوات الأخيرة معوقات، اجتماعية وسياسية وبيروقراطية-اقتصادية، ودخلت مع إطلاقها "رؤية 2030" قبل ثماني سنوات، مسارا جديدا يتسم بالانفتاح، والجرأة، والثقة، والصلابة.
بداية، ليس تفصيلا ثبات هذا المسار السعودي الجديد في تقدمه ونجاحاته، وسط عالم شهد فوز التطرف اليميني والشعبوية في أكثر من دولة، وتعصف به حاليا الصراعات السياسية والعسكرية والاقتصادية، وتستعر حروب متفاوتة في ست دول عربية، إضافة إلى كارثة حرب غزة وما يتهدد الضفة الغربية وجيرانها. ليس سهلا التحدث عن الاقتصاد والمؤشرات بين شرقين أوسطين، واحد تمثله دول الخليج العربي بنموها الاقتصادي، وآخر يزداد غرقا في جهنم الموت والدمار والتخلف و"يمانع" فتح أي باب للأمل بمستقبل إيجابي للشباب العربي في دوله.
في وجه الأزمات العاتية من كل صوب، وفي المنطقة العربية خصوصا، وتعطيل سلاسل الإمداد في البحر الأحمر المرتبط باستمرار الحرب على غزة منذ عام، وتمددها إلى لبنان، لا تنقص المملكة المرونة الاقتصادية، ولا الفطنة السياسية حرصا على مصالحها الوطنية أولا، وشركائها ثانيا، من دول إقليمية ومستثمرين وشركات عملاقة في الداخل السعودي وخارجه. فالأخطار المحدقة وحال عدم اليقين السائدة منذ ما يزيد على أربع سنوات، جعلت السعودية، كما دول العالم، تعيد النظر في بعض خططها ومشاريعها، وتشرع في تقييم موضوعي للجدوى الاقتصادية لكل مشروع على حدة، في ضوء المتغيرات، بما يتماشى مع حاجات المملكة ومتطلبات الحفاظ على متانة موقعها كبلد يضيء بالفرص والإيجابيات.