رحل الشاعر اللبناني الكبير شوقي أبي شقرا في التسعين من عمره، منفردا في تجربته، غريبا في مناخاته، احتفاليا بالكلمة والقصيدة.
بدأ بكتابة الشعر الحرّ "ماء إلى حصان العائلة" وهو من بداياته الأولى، شاعر شفيف اللغة، مرِن في استخدام الأوزان، طربا في مخيّلته، ثريا في معجمه. باكورتاه "أكياس الفقراء" و"خطوات الملك"، تحملان ما تحملان من مناخات شعرية حميمة على الرغم من جوّه الجديد بين أقرانه. لكن في ديوانه الرابع "سنجاب يقع من البرج" يفتتح مغامرته في قصيدة النثر، التي انطلقت من "مجلة شعر" الذي كان ضمنها المتميّز والشاعر في سلوكه، العتيد، غير المتساهل في تجاوز الكتابات فيها، ومنها انطلق في تمرّده على نفسه، وعلى كل من سبقه، وعلى كلّ مذهب جاهز. فهو غنائي بلا رومنطيقية، وسوريالي بلا قواعدها، وقرويّ لم ينسَ طفولته في الجبال، وبين الشجر والأنهار والمياه، في مزرعة الشوف ورشميا.
ضدّ القولبة
جافى أبي شقرا في لغته كل معنى مقولب، أو شعور قد يؤثر على نضارته اللغوية، فكان خارجا على العادات التعبيرية ومنفردا بامتياز، لا يشبهه أحد من جيله، كان أستاذهم في مدارج اللغة، غير عابئ بأي طموح إلى الانكسار أمام التجارب التي تكون واسطة إلى الشهرة والطليعية، والسباق على الحداثة، بمفاهيمها وشروحها واقتباساتها. شوقي صديقي لا يحبّ التنظير في القصيدة فهي أكبر من تنظير، وقد ابتعد عن كل وسيلة تخرجه من سياقه الحر، وإخلاصه لتجاربه المتعدّدة.
ترك سباق محاولة بعض شعراء مجلة "شعر" إلى "الريادة"، وإلى تنسيق "التحديدات" الخارجية التي تغمر الشعر، بأيدٍ من الفولاذ والجفاف. وعندما انخرط في مجلة "شعر" (يوسف الخال، أنسي الحاج، أدونيس، عصام محفوظ)، كان مرجعها اللغوي يعمل على بعض نصوصهم وينقّحها ويصوّب انحرافاتها. لكنه، وإن نشر فيها بعض قصائده وبصماته الشعرية ، عمد إلى الترجمات (رامبو، ريڤردي ولوتريامون).