البطالة نقطة سوداء في اقتصاد المغرب الواعد

وقالت "إن البطالة في المناطق الحضرية ارتفعت من 16,3 في المئة إلى 16,7 في المئة، وزادت في المناطق القروية من 5,7 في المئة إلى 6,7 في المئة بسبب تأثير الجفاف. وشهد معدل البطالة زيادة بين الجنسين، حيث ارتفع من 17 في المئة إلى 17,7 في المئة لدى النساء، ومن 11 في المئة إلى 11,7 في المئة لدى الرجال. وبلغ مجموع العاطلين مليوناً و633 ألفا، بزيادة 90 ألف عاطل جديد وهي أعلى نسبة منذ ما قبل جائحة "كوفيد-19" بارتفاع 6 في المئة".

نقطة سوداء في أداء الاقتصاد

وبحسب تقرير البنك المركزي الأخير، ارتفع معدل البطالة أربع نقاط مئوية، قياسا بما كان عليه قبل الجائحة، وانتقل من 9,4 في المئة عام 2019 إلى 13,1 في المئة خلال الربع الثاني من السنة الجارية، وهو أعلى معدل منذ عام 2001، خصوصا في المناطق الحضرية، التي تضم ثلثي السكان في سن العمل. وكانت الجائحة كبدت الاقتصاد المغربي نحو نصف مليون وظيفة لم يتم استرجاعها كاملا، على الرغم من أن الحكومة ضخت أكثر من 13 مليار دولار في خطة الإنعاش الاقتصادي لإنقاذ الشركات المتعثرة ودعم القطاعات المتضررة من الإغلاق الاقتصادي أثناء الجائحة.

وخسر سوق العمل 157 ألف وظيفة بين 2023 و2024 بسبب الظروف المناخية وشح الأمطار وضعف الإنتاج الزراعي. وتراجعت حصة الزراعة في مجموع الوظائف إلى 27,8 في المئة حاليا، بعدما كانت تقدر بـ37,8 في المئة في عام 2008، و42,8 في المئة في عام 2000.

ووصف حاكم البنك المركزي عبد اللطيف الجواهري بطالة الشباب بـ"النقطة السوداء في مجموع أداء الاقتصاد والمسؤولة عن محاولات الهجرة السرية على الرغم من التحسن المسجل في المؤشرات". هذه الملاحظة أغضبت الحكومة التي كانت تعتقد أن النمو الاقتصادي المسجل (معدل متوسط 3,5 في المئة) كاف لخلق وظائف جديدة، أو على الأقل للحد من ارتفاع البطالة، خصوصا لدى الوافدين إلى سوق العمل للمرة الأولى.

خلاف حول المؤشرات الاجتماعية

على مدى السنوات المنصرمة، كانت الحكومات المتعاقبة تنتقد المؤسسات المشرفة على الإحصاءات عندما يتعلق الأمر بمؤشرات القضايا الاجتماعية والتوظيف والتنمية البشرية. ويعود آخر خلاف بين الطرفين إلى فترة ارتفاع الأسعار والتضخم، عندما أقدم البنك المركزي العام المنصرم على رفع سعر الفائدة المصرفية الأساس إلى 3 في المئة، قبل أن يتم خفضها إلى 2,75 في المئة في الربع الأول من السنة الجارية. 

ولم تصدر حتى الآن أية دراسة عن تأثير أسعار الفائدة المصرفية على تكلفة الاستثمار وسوق العمل، لكن المعطيات المتوفرة أشارت إلى وجود حالة من عدم اليقين الاقتصادي أضرت بقطاعات مثل العقار والبناء والسلع الغالية مثل السيارات. ووعد "المركزي" باتخاذ قرار جديد قبل نهاية السنة الجارية في شأن أسعار الفائدة الأساس، سيكون مرتبطا بحجم انخفاض معدلات التضخم العالمي. وهناك مخاوف من أن تؤدي مواجهة عسكرية بين إسرائيل وإيران إلى إشعال أسعار النفط التي تكلف المغرب في المتوسط من 15 إلى 17 مليار دولار.

وكتب وزير العمل الأسبق عبد السلام الصديقي في صحيفة "البيان" المغربية الصادرة باللغة الفرنسية "أن الاقتصادات الناشئة تأثرت سلبا بالأوضاع الدولية وتوالي الأزمات المختلفة وضعف النمو الاقتصادي، مما جعل أسواق العمل لا تنمو بالوتيرة المطلوبة لتلبية طلبات الوافدين الجدد إلى سوق العمل". وأضاف "أن الانتقال من الاقتصاد النامي متوسط الدخل إلى الاقتصاد المتقدم مرتفع الدخل، الذي يحقق فائض قيمة عالية، يشكل الإطار الأفضل لتحسين الدخل وتطوير سوق العمل للشباب".  

البطالة في فئة "بدون"

وتفيد الإحصاءات الرسمية أن معدل بطالة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة انتقل من 33,6 في المئة إلى 36,1 بين الربع الثاني من 2023 والربع الثاني من 2024. وهي الفئة التي يطلق عليها "نيت" (neet)، أي لا دراسة ولا عمل ولا تكوين.

إقرأ أيضا: "اتحاد المغرب العربي" يزداد تشرذما اقتصاديا وهجرة للشباب

ويُصنف واحد من خمسة شبان من سكان العالم في الفئة العمرية بين 15 و29 سنة ضمن فئة الذين لا يعملون ولا يتدربون ولا يتعلمون، أي نحو 20,4 في المئة وفقا للمنظمة، ومقرها جنيف. وتصل النسبة إلى 24,4 في المئة في دول الشرق الأوسط و22,3 في المئة في دول شمال أفريقيا جنوب البحر الأبيض المتوسط (بحسب إحصاءات المنظمة لعام 2023). وتواجه وضعية الإناث في هذه الدول صعوبات مرتبطة بالثقافة السائدة، حيث ترتفع بطالة النساء إلى 44 في المئة، مما يجعلها تشكل قاعدة القطاع غير المهيكل.

في المغرب، بلغ عدد الذين يعملون في "حالة العمل الناقص"، أي المرتبط بعدم كفاية الدخل أو عدم التوافق بين الدراسة والعمل، نحو مليون شخص، غالبيتهم من النساء، بحسب المندوبية السامية في الإحصاء. وسجل قطاع البناء والأشغال العامة ارتفاعًا في معدل العمل الناقص بـ1,7 نقطة مئوية ليصل إلى 18,9 في المئة. 

وفي قطاع الزراعة والغابات والصيد البحري، ارتفع المعدل بـ1,9 نقطة ليصل إلى 11,5 في المئة. كما زاد معدل بطالة الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و34 سنة، من 19,8 في المئة إلى 21,4 في المئة خلال سنة واحدة. وسجلت الفئة العمرية بين 35 و44 سنة شبه استقرار من 7,2 إلى 7,3 في المئة، واقترب معدل بطالة الحاصلين على شهادات جامعية من 20 في المئة.

النمو الاقتصادي غير كاف

تعتقد منظمات المجتمع المدني والمركزيات النقابية والأحزاب السياسية المعارضة "أن التحديات التي تواجه سوق العمل من خلال ارتفاع معدلات البطالة أو عبر العمل الناقص، دعوة لتكثيف الجهود لمعالجتها بتوفير فرص عمل مناسبة ومستدامة للشباب والنساء".  وتحمّل جمعيات غير حكومية "العولمة التجارية وانتقال حركية الإنتاج وسلاسل الإمدادات المسؤولية غير المباشرة لأزمة سوق العمل في المغرب ومجموع شمال أفريقيا". وكانت نقطة واحدة من النمو الاقتصادي توفر بين 40 إلى 50 ألف وظيفة قبل عشر سنوات، لكنها تراجعت في السنوات الأخيرة إلى النصف، في وقت تضاعف عدد الوافدين إلى سوق العمل بسبب تحسن التعليم وزيادة نفقاته الحكومية.

وبلغت موازنة التربية والتعليم نحو 7,7 مليارات دولار عام 2024 دون احتساب موازنة التعليم العالي والبحث العلمي والتعليم الخاص. وأعلنت الحكومة أخيرا أنها جعلت قضية محاربة البطالة أولوية اقتصادية واجتماعية بإطلاق خطة طموحة لتوفير 250 ألف وظيفة جديدة في القطاعين العام والخاص، والاعتماد على صندوق محمد السادس للاستثمار من أجل إنعاش الاقتصاد وتحفيز سوق العمل. تشمل الخطة أيضا برامج الأشغال العامة، ودعم الشركات الناشئة المبتكرة، والزراعة الإيكولوجية، والصناعات الخالية من الكربون لتعزيز القدرة التنافسية على المستوى العالمي.

وسبق لدراسة أنجزتها جامعة إبن طُفيل في القنيطرة شمال الرباط أن قدرت التكلفة الاقتصادية لبطالة الشباب بنحو 12 مليار دولار، تتحملها الموازنة العامة للدولة، تضاف إليها تكلفة ضياع المساهمة في مجهود الاقتصاد. وبحسب وزارة التربية والتعليم والرياضة، فإن أكثر من 300 ألف يافع ينقطع عن الدراسة سنويا لأسباب مختلفة، خصوصا في القرى والأرياف النائية والجبال.

ويراهن الاقتصاد المغربي على الاستفادة من الطفرة الديموغرافية لزيادة النمو ومضاعفة الثروة قبل الانتقال إلى مجتمع الشيخوخة في أفق 2050. وتقول النظريات الاقتصادية "إن مضاعفة الثروة الوطنية تحتاج نموا بـ7 في المئة على مدى عشر سنوات، و4 في المئة على مدى 22 سنة".

معدل البطالة في شمال أفريقيا

في عام 2023، كان معدل البطالة لدى الشباب في منطقة شمال أفريقيا يُقدّر بـ22,5 في المئة، ووصلت النسبة لدى فئة "نيت" إلى متوسط 31,2 في المئة بسبب ضعف الإنتاج من النفط واستمرار تأثير النزاعات الدولية والجفاف. وعلى الرغم من زيادة معدلات التوظيف في بعض القطاعات بفضل تحسن معدلات النمو الاقتصادي، إلا أنها بقيت محدودة التأثير على معدلات البطالة التي بلغت 16 في المئة في تونس و12,5 في المئة في الجزائر و13 في المئة في المغرب. وبين 2011 و2021 تراجعت حصة عمل الشباب في القطاع الزراعي في دول المغرب العربي نحو 10 نقاط مئوية، وفق منظمة العمل الدولية. في المقابل زادت فرص العمل في قطاعات التجارة والخدمات والتكنولوجيا والسياحة والمطاعم والصناعات التحويلية، لكنها كانت أقل من القدرة على امتصاص أعداد طالبي العمل، في منطقة غير متجانسة اقتصاديا، ومتضررة من الأزمات الدولية وتوالي سنوات الجفاف وإغلاق الحدود.

من الصعب أن تجد شابا في هذه الدول يبحث عن أول عمل له، لا تخامره فكرة الهجرة، خصوصا إلى دول الاتحاد الأوروبي القريبة. ويكاد يكون موضوع الأمن والهجرة المحدد الأول للعلاقات بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط قبل التجارة والاقتصاد والاستثمار.

وبقدر مناهضتها استقبال المهاجرين الأقل تعلما، فإن الدول الأوروبية تعمل باستمرار على استقطاب الكفاءات ذات المستويات العالية التي كلفت دولها مجهودات في التعليم لسنوات. وهو ما تنبه إليه الحكومات التي تتعرض إلى ضغوط ديبلوماسية للحد من الهجرة السرية غير المتعلمة من جهة، واستعادة مهاجريها غير النظاميين من جهة ثانية. ويقول جيلبير هونغبو، المدير العام لمنظمة العمل الدولية، "إن الشباب الذي لا يحصل على تعليم جيد يصعب عليه الحصول على عمل جيد، وملايين الشباب في العالم قد لا يكون لهم حظوظ تحقيق مستقبل مزدهر".

حلم الهجرة إلى أوروبا

ويربط الاتحاد الأوروبي بين إيقاف الهجرة وتمويل مشاريع التنمية وتسهيل التجارة البينية والتحويلات. ومع تصاعد أحزاب اليمين المتطرف زادت الضغوط من أجل استبدال مهاجرين مغاربيين وعرب أو مسلمين بآخرين من شرق أوروبا وأميركا اللاتينية. وتتعرض تونس والجزائر والمغرب إلى مقايضة مفضوحة في شأن موضوع الهجرة مع تزايد الراغبين في تحسين ظروفهم الاقتصادية خصوصا من أفريقيا جنوب الصحراء. وتقترح إيطاليا إقامة مراكز إيواء موقتة لفرز طلبات الهجرة واللجوء داخل دول المغرب العربي قبل انتقالها إلى الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط، على غرار تجربة يجري تنفيذها مع ألبانيا.