مفهوم العار في اليمن ظلم النساء كثيرا، ولكنه في الوقت نفسه أعطى للنساء مميزات بدافع حمايتهن. قد تكون هذه المميزات ليست إيجابية بالمعنى الحقوقي، ولها علاقة أكثر بشرف الرجل وتهدف لإرضائه، ولكن في عهد الحوثيين خسرت النساء كل شيء سواء الحقوق التي كانت تمتلكها لأنها حقوقها الشرعية كإنسان، أو المميزات التي كانت لها علاقة بمفهوم العار، والتقاليد القبلية.
أتذكر عندما كنت أعيش في اليمن أنني كنت أستغرب كثيرا كيف أن الشرطة لا تفتش السيارة إن كان هناك نساء بداخلها. لم يكن الإجراء قانونا مكتوبا، وإنما عادات وتقاليد يمارسها المجتمع؛ فالمرأة هي شرف الرجل، وأن تقوم بتفتيش السيارة، وبداخلها نساء فهذا يعتبر فعلا مستنكرا، وغير مقبول. كان هذا غريبا في مجتمع أصبحت فيه المرأة وزيرة، وعضوة في البرلمان، ولكن المجتمع لم يجد أن هناك تناقضا في ذلك، وكان راضيا عنه. ولكن هذا تغير اليوم.
عندما نتحدث عن السجن لأسباب سياسية، فالمرأة أيضا كانت مستثناة من هذا النوع من العقاب. كانت لديها مساحة أوسع لأن تنتقد وضعا سياسيا ولا يمكن المساس بها. ولو عدنا للماضي في عهد الرئيس السابق علي صالح لتذكرنا كيف ثار المجتمع، و"قامت القيامة" عندما احتجز ناشطة سياسية في عام 2011 ليوم واحد فقط، وكان هذا من ضمن الأسباب التي أضعفته في تلك الفترة، ولكن هذا تغير كثيرا في عصر الحوثيين، فقد تم حبس الكثير من النساء لأسباب سياسية.
خسرت النساء أيضا حقوقا كنّ يتمتعن بها مثل حرية التنقل
فبالنسبة للنساء اللواتي لسن من عائلات كبيرة كان يتم تلفيق تهمة الدعارة، وتعاطي المخدرات. أما بالنسبة للنساء اللواتي من عائلات معروفة، فيتم اتهامهن بأنهن جواسيس لأميركا وإسرائيل، وكان من المستغرب جدا مؤخرا اعتقال نساء من عائلات هاشمية معروفة، ولها احترام في المجتمع، رغم أن الغالبية منهن لم يكنّ حتى معارضات للحوثيين، وإنما فقط يعملن في منظمات دولية.
في الوقت نفسه خسرت النساء أيضا حقوقا كنّ يتمتعن بها مثل حرية التنقل. زميلة لي تدير منظمة في صنعاء، قالت إنها اضطرت لأن تأخذ ابنها لكي يوقع على قبوله لسفرها باعتباره ولي أمرها. هي في الخمسينات من عمرها، مطلقة، إخوانها تركوا اليمن، ولا يوجد إلا ابنها ليقوم بمهمة التوقيع، وكأنها طفلة لا تعرف مصلحتها، وتحتاج لولي أمر لكي يوافق على سفرها. ابنها الذي يعرف قدر والدته وقع على الورقة وهو يقول: "آسف يا أمي" هو يعتذر لأنه يعرف أن هذا أمر مهين وليس منطقيا، ولكن هكذا أصبحت حياة النساء في عهد الحوثيين.
في إحدى المؤتمرات التي حضرتها قبل عامين كنا نناقش هذا الموضوع بعد أن اشتكت النساء اللواتي حضرن المؤتمر من هذا القمع، وكان مزعجا جدا رد أحد الذين يعملون في منظمات المجتمع الدولي عندما قال إن "هذه عادات اليمن ولم يأتِ الحوثيون بجديد". هذا الشخص لم يكن يمنيا، ولكنه يرى أن اليمن ليست متطورة بالقدر الكافي، وأن قمع نسائها ليس بالشيء المستغرب. أي إن نضال النساء للحصول على حقوقهن تبخر بحجة أن هذه ليست تقاليد جديدة. يومها شعرت بالغضب، فهل يعني هذا أن نعيد كل التقاليد التي قمعت المرأة بحجة أنها كانت موجودة، وكانت جزءا من تقاليدنا؟ ما هذا المنطق؟ هنا علمت أن حتى المجتمع الدولي نفسه لن يقف في صف النساء اليمنيات إن لم يأخذن حقوقهن بأيديهن، ولكن هل هذا ممكن في وجود جماعة دينية مسلحة؟
مفهوم العار يتغير في كل زمان ومكان بحسب السلطة التي تتحكم في هذا المجتمع، فما هو مستنكر اليوم يصبح من الطبيعي غدا
ما هو رد المجتمع على هذه التصرفات؟ هناك غضب وفي الوقت نفسه خوف كبير، حيث يتم اعتقال الرجال يوميا لمجرد كتابة انتقاد في وسائل التواصل الاجتماعية، أو حتى مجرد الاحتفال مؤخرا بثورة 26 سبتمبر التي أسقطت نظام الإمامة في اليمن، والذي يعتبر الكثيرون أن الحوثي هو امتداد لهذا النظام، فتسبب بالتالي هذا الاحتفال، أو الكتابة عنه في اعتقال المئات. في بلد مثل اليمن- المجتمع المدني فيه ضعيف، وضعف أكثر مع الاعتقالات الأخيرة- يصبح من الصعب الانتصار على جماعة تمتلك السلاح، وتمارس العنف والتسلط، وتستخدم الدين لتبرير ذلك. مواضيع مثل حقوق الإنسان، وخاصة حقوق المرأة، أصبحت من المحرمات، ويتم التحجج بحروب في دول أخرى ليتم قمع الشعب.
مفهوم العار يتغير في كل زمان ومكان بحسب السلطة التي تتحكم في هذا المجتمع، فما هو مستنكر اليوم يصبح من الطبيعي غدا. لذلك يصبح من المخيف إن سيطرت ميليشيا متطرفة دينيا على هذا المجتمع، وفرضت قوانينها الخاصة، وصبَغَتها بمفهوم العار لكي تجعلها مقبولة في المجتمع. خسرت النساء اليمنيات الكثير من حقوقهن، بالإضافة لمحاولات إقصائهن المتواصلة بحجة "عدم الاختلاط"، وتصوير الاختلاط بأنه "مؤامرة أميركية صهيونية" بهدف إخفاء وجود المرأة تدريجيا.
ربما ليس بالإمكان عمل الكثير في وجود هذه الجماعة التي لا تحترم لا المجتمع اليمني، ولا المجتمع الدولي، ولكن بالتأكيد هو درس قاسٍ بأن قبول هكذا جماعات بحجة أنها "مناضلة" هو أكبر خطأ ارتكبناه، ونتمنى أن يسامحنا عليه جيل الشباب الجديد الذي يعاني حاليا، ونتمنى أيضا أن ينتهيَ هذا الكابوس، فلكل ظالم نهاية.