مرصد كتب "المجلة"... جولة على أحدث إصدارات دور النشر العربية

مرصد كتب "المجلة"... جولة على أحدث إصدارات دور النشر العربية

نتعرّف من خلال هذه الزاوية إلى أحدث إصدارات الكتب العربية، في الأدب والفلسفة والعلوم والتاريخ والسياسة والترجمة وغيرها. ونسعى إلى أن تكون هذه الزاوية التي تطلّ كلّ أسبوعين مرآة أمينة لحركة النشر في العالم العربي.

الكتاب: الطيب صالح؛ تفتيت العالم: أحاديث في الأدب والفكر

الكاتب: محمود الزهي

الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر – لبنان

يرى الكاتب المغربي محمود الزهي أن هناك من اعتبر كتابات الطيب صالح، الأدبية والفكرية، "انعكاسا لتوجه إبداعي جديد لأقلام من العالم الثالث وسعيها الحثيث لمواجهة الهيمنة الغربية"، بالإضافة إلى أنها تجابه "زيف الواقع". وبناء عليه يمكن الاعتقاد أن هذا قد يكون أقصى ما يتطلع إليه كاتب، من حيث اعتباره يمثل توجها ثقافيا وسياسيا لعالم واسع وكبير أطلق عليه تعبير "العالم الثالث"، هذه من جانب. ومن جانب آخر، يشكل هذا المستوى الذي وصل إليه نوعا من فخر أمة وشعب بكاتبها الذي يمثلها خير تمثيل.

يتعرف القارئ عبر هذا الكتاب "الطيب صالح؛ تفتيت العالم: أحاديث في الأدب والفكر"، الى اهتمامات متنوعة وثقافة موسوعية حازها الكاتب السوداني الشهير، وقد سخّرها باحترافية عالية بكتاباته في حقول شتى، تقع في القلب منها رواياته التي أحدثت أثرا وتأثيرا على القارئ العربي، كما على القارئ غير العربي لمّا تُرجمت.

عرض الكتاب في القسم الأول منه تحت عنوان "مختارات من نصوص الطيب صالح"، مناقشاته الغنية حول "السودان وأفريقيا ومواردها البشرية والطبيعية ومقوماتها الحضارية المستمدة من تنوع لغاتها وثقافاتها وأنماط إنتاجها، موضحا نقاط القوة التي تحتاج إلى بحث بغية الاستجابة لتحديات العصر، وذلك برسم خطط تنموية تستحضر التنوع الحاصل في مكونات المجتمع، واختلاف أنماط حياة الرحّل والمستقرّين، وتباين الحاجيات".

التوجه العام للكتاب هو إظهار المحاولات الحثيثة للكاتب السوداني الكبير لدحض الهيمنة الغربية وتفكيك خطاب التفوق

وفي القسم الثاني، بعنوان "حوارات مع الطيب صالح"، يكتشف القارئ، وفق مقدمة الكاتب، "جانبا من رؤيته لسبل تغيير العالم العربي، عبر البحث في الماضي، وفهم الأخطاء، واحترام الخصوصيات، وإدراك تشوّهات وفوضى الفكر والمفاهيم التي أحدثها الاستعمار. وتصوره هذا قائم على نقد جذري لأزمة التفكير التي كانت ولا تزال تترسخ إلى اليوم بشكل مهول".

التوجه العام للكتاب هو إظهار المحاولات الحثيثة للكاتب السوداني الكبير لدحض الهيمنة الغربية وتفكيك خطاب التفوق، عبر إيقاظ الذاكرة الجماعية، وإبراز ما ينبغي معرفته في الحضارة العربية الإسلامية.

الكتاب: عمّة آل مشرق

الكاتبة: أميمة الخميس

الناشر: دار الساقي – لبنان

تمرض "الجازي"، وهي العمّة؛ امرأة سعودية من آل مشرق، فيرسلها والدها مع ممرض أميركي اسمه ماثيو إيدن إلى البحرين لمعالجتها في مستشفى "الإرسالية" في المنامة، على أن يتزوجها الأميركي ويعتنق الإسلام كمهر لها. إنما تنقطع أخبارهما عن العائلة بشكل نهائي، إلا أن حكايتهما تستمر شفويا، ومع كل رواية تظهر أحداث وتختفي أخرى، ومع كل حكاية ثمة نهاية مختلفة عن باقي النهايات. النساء روين الحكاية بنوع من التحسّر، أما الرجال فباقتضاب وتفكّك، وروتها الصبايا على أنها قصة حب يسطو على القلوب، وهكذا... حكاية لا تنتهي، ورواة عبر الأجيال، حتى الجنّ، ومخلوقات الليل التي تلتف حول نار السّمر، شاركوا في صنع الحكاية - اللغز... ذلك أن المساحة الزمنية تجعل من إمكان سرد الحكاية بلا نهاية، وبأشكال ومضامين مختلفة تسمح بذلك، فثمة مائة عام مشغولة بتلك الحكاية الغامضة، فالحدث بدأ في العام 1918، ولم يُكشف إلا في العام 1918 عبر فيلم سينمائي لأحد أفراد عائلة مشرق، فواز؛ حفيد العمّة، الذي يروي الحكاية كلها ويكشف تفاصيلها، وبذلك يرويها فرد من العائلة، وينزعها من أفواه الآخرين الذين كانوا يروونها، كلّ بحسب توجهه العاطفي والخيالي. وهنا يكمن المغزى، فقد أشارت الكاتبة السعودية أميمة الخميس إلى ذلك بمقدمة روايتها هذه "عمّة آل مشرق" حيث قالت: "عادت (أي السعودية بشكل خاص) تطالب بأسطر من الحكاية تُروى بلسانها، وليس كما كتبه المارّون بها عنها".

مائة عام جالت الكاتبة عبرها وصالت في التخيل والواقع والخرافات وبجعل الزمن صلصالا بيديها، لتبني حكايتها

مائة عام جالت الكاتبة عبرها وصالت في التخيل والواقع والخرافات وبجعل الزمن صلصالا بيديها، لتبني حكايتها الغريبة هذه، التي جرت في غالبيتها بمدينة الرياض، وفي الوقت نفسه كشفت عن التغيرات الهائلة التي أحاطت بالمملكة وانتقلت عبرها من حكم القبائل إلى أن صارت دولة حديثة وغنية.

عدا كونها رواية لغز تحبس الأنفاس، هي رواية ملحمية لم ينقطع السرد فيها عبر مائة عام، ولم تكتفِ بالحدث ليبني، هو، تلك الملحمة، بل اعتمدت لغة جعلتها كذلك حقّا. 

 

الكتاب: الفكر الموسيقي عند الفارابي؛ مع ملحق معجم مصطلحات الموسيقى عند الفارابي

الكاتب: أحمد عيدون

الناشر: منشورات المتوسط – إيطاليا

لم يغب اسم الفارابي (874 – 950) لدى كل تفكير، ليس في الفلسفة العربية الإسلامية فحسب، ويُعتبر مؤسسها لدى الكثيرين، بل في الموسيقى العربية أيضا، حتى يومنا هذا، لما له من تأثير واسع شرقا وغربا في طبيعة الموسيقى الفلسفية والروحية والعلاجية، وكذلك في تقنياتها.

في هذا الكتاب "الفكر الموسيقي عند الفارابي؛ مع ملحق معجم مصطلحات الموسيقى عند الفارابي"، يناقش الباحث والمؤرخ الموسيقي المغربي أحمد عيدون الفكر الموسيقي عند "المعلم الثاني"، ويؤكد أصالته، ويدحض عبر ذلك المقولات الاستشراقية التي نظرت إلى الفارابي على أنه ناقل وشارح فقط للمؤلفات اليونانية حول الموسيقى، فعقد مقارنات بين ما كتبه أولئك وما كتبه الفيلسوف المسلم، وأظهر ابتكاراته وتصحيحه لبعض المفاهيم وإضافاته الخاصة، الأمر الذي يجعل موسيقاه أصيلة بعيدة عن تلك المزاعم الغربية. ولجأ الكتاب لإيضاح فكر الفارابي الموسيقي إلى كتابات أخرى له، ولم يكتف بدراسة كتابه الأساس وهو "كتاب الموسيقى الكبير"، وذلك من طريق التأويل وليس الشرح والتفسير فقط، نظرا لأن كتابات الفارابي لا تسلم نفسها بسهولة للفهم. وأظهر أنه لم يقتصر في دراسته الموسيقى "على البيئة العربية فحسب، بل وسّع نظره إلى كونية الموسيقى لكي يتجاوز ما هو معلوم في زمنه، إلى استنباط ما هو أعم بتوليد إمكانات نظرية موسعة".

غموض الفارابي أدى إلى أن يقوم المحققون لتراثه بعملية تأويل واسعة لعلّهم يصلون إلى مراده، إلا أن الكاتب أحمد عيدون يعبر عن حذره إزاء ذلك بقوله إنه "لم يحتفظ من التأويلات إلا على ما يحافظ على تماسك الخطاب المنطقي عند الفارابي، ويحقق انسجامه مع جوانب أخرى من عرضه النظري والتطبيقي ضمن مؤلَّفاته الأخرى".

يدحض الكاتب المقولات الاستشراقية التي نظرت إلى الفارابي على أنه ناقل وشارح فقط للمؤلفات اليونانية حول الموسيقى

 الأمر الذي يعني أنه عرض لفلسفة الفارابي العامة وعلاقتها بالفلسفة اليونانية وأثرها في الفكر الفلسفي الإسلامي، كما بيّن تأثيره على تلاميذه وعلى الآخرين من المهتمين بالشأن الفلسفي، وذهب ليُظهر حضور فلسفته في أوروبا منذ القرون الوسطى وغير ذلك، مما ساهم فعلا في إيضاح الفكر الموسيقي عند هذا الفيلسوف العظيم.

جدير بالذكر أن المؤلف استنبط الكثير من المصطلحات الموسيقية التي استخدمها الفارابي، وبلغ عددها 678 مصطلحا.

 

الكتاب: من العربية إلى العالم اللاتيني – أثر حضارة العرب على الغرب

الكاتب: مشهد العلاف

الناشر: دار المحيط للنشر – الإمارات العربية المتحدة

ربما تكون الكتب والأبحاث حول تأثير الحضارة العربية على العالم الغربي كثيرة ومتنوعة، إلا أنها ضرورية في كل مرة، وذلك "ليس لأهمّية هذه الحضارة في تطور العلوم والفلسفة والآداب وحسب، بل لأنّ الحضارة العربية الإسلامية كانت عاملا جوهريّا في تطور الحضارة الإنسانية، ولولاها لما وصل العلماء اليوم إلى إنجازات علمية كثيرة، أو على الأقلّ لتأخّر وصولنا إليها بقرون عديدة". من هنا تأتي أهمية كتاب "من العربية إلى العالم اللاتيني – أثر حضارة العرب على الغرب" للكاتب العراقي المختص بالفلسفة والدراسات الإسلامية، مشهد العلاف، فهو، إضافة إلى ذلك، ينطوي على ردود مدعّمة بشواهد على تجاهل تلك المعارف الهائلة من علوم العرب والمسلمين التي تُرجمت في طليطلة وصقلية وبيزنطة وغيرها، ونُقلت إلى الغرب اللاتيني.

يشير الكاتب إلى تأثير الصوفية العربية الإسلامية على المسيحية الأوروبية، وأدب العرب في الأندلس على آداب أوروبا، ويبين أن كوبرنيكوس، على سبيل المثل، نقل عن الطوسي وابن الشاطر، وأن الكيمياء (العربية) أثرت على روبرت بويل عبر المخطوطات التي كان ينقلها اليه توماس هايد، وذلك وفق ما نشرته الجمعية الملكية في لندن. وثمة أمر مثير للاهتمام حقّا، وهو الصداقة التي ربطت رينه ديكارت بعالم الرياضيات يعقوب جوليوس الذي اهتم -إضافة إلى ذلك- بالمخطوطات العربية، وأن الفيلسوف الفرنسي تعلم الرياضيات على يديه وأقام معه في بيته بهولندا، ومنه تعرّف إلى الغزالي وتأثر بمنهج الشك لديه! إضافة الى تأثر توما الأكويني بفلسفة الفارابي، وغير ذلك.

نقض المؤلف فكرة أن الترجمة من العربية إلى العالم اللاتيني توقفت عند "مدرسة توليدو للترجمة" في القرن الثالث عشر، بل هي مستمرة حتى العصر الحديث

يرى المؤلف أن أثر العرب على الغرب امتد ليطال الحقول المعرفية جميعها مثل العلم والفلسفة والأدب والشعر واللاهوت والتكنولوجيا والجغرافيا والملاحة والعمارة والغناء والرقص والحبّ والعطور والحمامات والمفروشات والسجاد وطرق العيش المتحضّرة، واستمرّ هذا التأثير بشكل مطّرد عبر العصور.

كما نقض فكرة أن الترجمة من العربية إلى العالم اللاتيني توقفت عند "مدرسة توليدو للترجمة" في القرن الثالث عشر، بل هي مستمرة حتى العصر الحديث.

كتاب زاخر بالمعلومات.

الكتاب: المتغيرات والصيرورات؛ قراءة في معطيات عالم متحول

الكاتب: عبد الإله بلقزيز

الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية – لبنان

يواصل المفكر المغربي عبد الإله بلقزيز مشروعه الفكري المتمثل في دراسة أوضاع العالم العربي والمتغيرات التي تعصف به وتؤدي شيئا فشيئا إلى انهياره، تلك المتغيرات التي تؤدي الى ظهور أوضاع جديدة، تجعل مهمات تغييرها أكثر صعوبة وتحتاج إلى أدوات ورؤى أخرى للنظر إليها.

كتاب نقدي لاذع للأوضاع العربية ولما آل إليه الواقع العربي، مكتوب بخبرة فكرية وكتابية كبيرة

بلقزيز، الذي منحته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الكسو) لقب "شخصية العام 2024 الثقافية"، الجائزة التي مُنحت قبلا للمطربة فيروز وللشاعر محمود درويش، يحدد تسعينات القرن العشرين بداية "لتهالك" العالم العربي "مصحوبا -ذلك التهالك- بانسداد حاد في الآفاق وافتقار شديد إلى القوى والأدوات والبرامج والرؤى والخيارات، مقابل صعود قوى أخرى من محيطنا الجنوبي كانت أوضاعُها -إلى عقودٍ قليلة خلت- أشبه بأوضاعنا، بل أسوأ أحيانا". ويواصل المفكر في كتابه الجديد "المتغيرات والصيرورات؛ قراءة في معطيات عالم متحول" دراسة الأسباب التي أدت إلى "صعود" تلك القوى وتراجع "أوضاعنا". فهو يرى أن التغير هو قانون يحكم المجتمعات الإنسانية مثلما يحكم الطبيعة، فمهما بلغ عمرانه قدما ورسوخا فإن التغيير قادم لا محالة، فإذا كان التغير في الطبيعة خاضعا لقانون طبيعي فإن التغير في الاجتماع البشري على مستوى الاقتصاد والاجتماع والسياسة والمعرفة مرتبط بالإرادة وبالأفعال الإنسانيّة. ولأنّ وراء التغيير في الاجتماع الإنسانيّ، فاعلية تتأتى من الإرادة الإنسانية، فإن زمن التغير -أو الأزمنة التي يقع فيها فعل التغير في الظواهر الإنسانية والاجتماعية- ليس زمنا واحدا ثابتا، وإنما هو متبدل باستمرار، ومرتبط بما يقع من تراكم أو تطور في الإرادات الإنسانية التي تصنعه.

كتاب نقدي لاذع للأوضاع العربية ولما آل إليه الواقع العربي، مكتوب بخبرة فكرية وكتابية كبيرة.

font change

مقالات ذات صلة