الاستثمار في البورصة المصرية يتحرر من الضريبة

سعي لاجتذاب استثمارات أجنبية بـ30 مليار دولار

الاستثمار في البورصة المصرية يتحرر من الضريبة

تواجه البورصة المصرية أزمة جيوسياسية وظروفا عالمية غير مستقرة، وسط تصاعد النزاع في منطقة الشرق الأوسط وتوسع نطاق المناطق الملتهبة، والتداعيات السلبية على جذب الاستثمارات. في ظل هذه الأجواء، تعتزم الحكومة المصرية إلغاء ضريبة الأرباح الرأسمالية على الاستثمار في البورصة، وذلك من ضمن إجراءاتها الإصلاحية المخصصة لتهيئة بيئة أعمال جاذبة للاستثمار وتعزيز الثقة في الاقتصاد المصري. وفي الوقت نفسه، تعمل الحكومة لإعادة الروح إلى البورصة والحفاظ على تنافسيتها كسوق مالية.

لا شك أن هناك ضرورة لجذب المستثمرين الكبار والصناديق للاستثمار في أصول الدولة والقطاع الخاص ذات الملاءات المالية القوية، ولا سيما في ظل نية البلاد استكمال برنامج الطروح المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي.

أهداف حكومية

ويُعتبَر إلغاء الضريبة تحدياً لنجاح البرنامج وجذب المستثمرين الأجانب والمحليين إليه. ويشير البعض إلى تخوفات من آثار استمرار العمل بالضريبة، فهو قد يدفع الأفراد إلى التخارج من البورصة والبحث عن ملاذات آمنة للاستثمار، سواء في الذهب أو الدولار.

تستهدف الخطة الحكومية جذب استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 30 مليار دولار في السنة المالية 2024-2025

تستهدف الخطة الحكومية جذب استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 30 مليار دولار في السنة المالية 2024-2025، التي بدأت في يوليو/تموز الماضي، وفق التقرير العام للجنة الخطة والموازنة العامة في البرلمان. وشهدت ضريبة الأرباح الرأسمالية رحلة استمرت 11 سنة، تراوحت بين فرض قرارات وتعليق العمل بأخرى، وسط طموحات وآمال كبيرة بإلغائها نهائياً.

بدأ العمل بالضريبة عام 2013، وعُلِّق العمل بها عام 2014، وانعكس ذلك حينها آثارا إيجابية في أداء البورصة. ومع إعادة تطبيقها بين عامي 2017 و2019، تسببت الضريبة في تخارج بعض المستثمرين من السوق لمجرد العزم على تطبيقها، احتجاجاً على غموض آلية التطبيق والأعباء الإضافية التي فرضتها. واليوم ثمة اتجاه الى إلغائها نهائياً.

.أ.ف.ب
البورصة المصرية في القاهرة، 25 يونيو 2012

تُفرَض ضريبة الأرباح الرأسمالية على المستثمر الذي يحقق أرباحاً سنوية نقدية من معاملاته في سوق المال المصرية. وقد أبدى بعض خبراء الاقتصاد والمال ترحيبهم بنية الحكومة إلغاء هذه الضريبة، إذ اعتبرها البعض رسالة طمأنة إيجابية لتعزيز الاستثمار المباشر، كما ستنعكس إيجاباً على حجم تداول الأجانب في السوق. ومع ذلك، أبدى البعض الآخر تخوفه من أثر نشوب حرب موسعة في المنطقة وانعكاساتها على الاستثمارات والبورصة وحركة التجارة الإقليمية.

تراجع عدد السفن العابرة لقناة السويس إلى النصف تقريباً، في ظل الاضطرابات الأمنية في البحر الأحمر، مما أدى إلى انخفاض عوائد القناة بنحو 50 إلى 60 في المئة. وبلغت الخسائر أكثر من ستة مليارات دولار خلال الأشهر الثمانية الأخيرة

فقد تعرض الاقتصاد المصري إلى صدمات جيوسياسية وإقليمية أدت إلى تراجع عدد السفن العابرة لقناة السويس إلى النصف تقريباً، ولا سيما في ظل الاضطرابات الأمنية في البحر الأحمر، مما أدى إلى انخفاض عوائد القناة بنحو 50 إلى 60 في المئة. وبلغت الخسائر أكثر من ستة مليارات دولار خلال الأشهر الثمانية الأخيرة، وفق ما صرح به الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

تسهيلات ضريبية

في الوقت نفسه، أعلنت الحكومة أخيراً حزمة من التسهيلات الضريبية الجديدة التي تستهدف تحقيق مجموعة من الأهداف المتداخلة. أهم تلك الأهداف هو تحفيز دمج أنشطة القطاع غير الرسمي في القطاع الرسمي، الذي يمثّل نحو 60 في المئة من الاقتصاد القومي. ويُعَدّ الدمج خطوة ضرورية لتمكين القطاع غير الرسمي من الاستفادة من الخدمات والإمكانات المتاحة للقطاع الرسمي. 

ولا يساهم القطاع غير الرسمي، بانفصاله عن القطاع الرسمي، في الحصيلة الضريبية، على الرغم من استفادته غير المباشرة من المرافق العامة والخدمات الأخرى. ويخشى أصحاب هذا القطاع من الخضوع إلى نظام ضريبي يقلل أرباحهم ويقلص تنافسيتهم، خصوصا إذا فُرِضت عليهم ضرائب بأثر رجعي. لذلك، تأتي حزمة التسهيلات الضريبية لتخفيف هذه المخاوف، إذ أكدت مصلحة الضرائب أنها لن تنظر إلى الماضي، بل ستركز على المستقبل، وستتبع أسلوب الفحص الضريبي القائم على دراسة الأخطار، وستعمل على تسريع بت المنازعات والملفات المتراكمة لدفع حركة النشاط الاقتصادي.

ضريبة الأرباح الرأسمالية، ضرورية لتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص، ولا يمكن فرض ضرائب على العاملين والمنتجين والمصنعين في الوقت الذي يُعفَى المستثمرون في أسواق المال والأصول المالية بحثاً عن الأرباح

طاهر مرسي، خبير ومحلل في البورصة المصرية

كذلك، ستُبسَّط الإقرارات الضريبية، ويُوسَّع نظام الفحص بالعينة، مع وضع حد أقصى لبدل التأخير. واعتُمِد نظام ضريبي مبسط ومتكامل لمن لا يتجاوز حجم أعماله السنوي 15 مليون جنيه (311 ألف دولار تقريباً)، من المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر وريادة الأعمال. كذلك، رُفِع الحد المعفى للشركات الدولية إلى 30 مليون جنيه (622 ألف دولار تقريباً).

العدالة في تطبيق الضرائب

من جهة أخرى، يرى الخبير في أسواق المال طاهر مرسي "أن ضريبة الأرباح الرأسمالية، في حد ذاتها، ليست معيبة وهي ضرورية لتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص". وقال في حديث مع "المجلة": "لا يمكن فرض ضرائب على العاملين والمنتجين والمصنعين في الوقت الذي يُعفَى فيه أصحاب الأموال المستثمرة في أسواق المال والأصول المالية بحثاً عن الربح". وأشار إلى أن ضريبة الأرباح الرأسمالية معمول بها في الاقتصادات المتقدمة وكثير من الأسواق الناشئة، "لكن الوضع الاقتصادي المحلي يفرض تحديات تجعل فرضها عبئاً يصعب تحمله في الوقت الحالي". ويشدد مرسي على "أن هذا الوضع ينبغي أن يكون موقتاً"، ويحض على "تعميم ضرائب الدخل على الجميع من دون استثناء مع تحسن الوضع الاقتصادي، فهذا سيساهم في منع هروب الأموال من الاستثمار المباشر وتحول رؤوس الأموال إلى المضاربات في الأسواق المالية".

غيتي
مستثمر في البورصة المصرية يراقب مؤشر الأسواق، القاهرة 23 أبريل 2013

في المقابل، قالت الخبيرة المالية الدكتورة حنان رمسيس لـ"المجلة" "إن إلغاء ضريبة الأرباح الرأسمالية مطلب رئيس لمستثمري البورصة المصرية". وتشير إلى أن الإعلان في وقت سابق من السنة الجارية تطبيق الضريبة "أثر سلباً في المتعاملين في البورصة، إذ باتوا يتخوفون من انخفاض الأرباح التي تحققت نتيجة الأخطار المرتفعة للتداول في البورصة". وتلفت إلى أن هذه التخوفات "تؤدي إلى تسارع عمليات بيع الأسهم في فترات معينة، مما يؤثر سلباً في المؤشرات".

توفر هذه الحزمة الضريبية الجديدة مناخاً جاذباً للاستثمار محلياً ودولياً، فهي تساعد في زيادة السيولة المالية لدى الشركات الصغيرة والمتناهية الصغر، مما يمكّنها من التوسع والتوظيف

محمد عبد العال، خبير مالي

تعليقا على الحزمة التي وافقت عليها الحكومة، يرى الخبير المالي محمد عبد العال أن هذه الحزمة الضريبية الجديدة "تمهد الطريق لرؤية واستراتيجيا تتناسبان مع أهمية دور القطاع الضريبي في دفع معدلات النمو الاقتصادي". ويشير في تصريح إلى "المجلة" إلى "أنها توفر مناخاً جاذباً للاستثمار محلياً ودولياً، فهي تساعد في زيادة السيولة المالية لدى الشركات الصغيرة والمتناهية الصغر، مما يمكّنها من التوسع والتوظيف". ويرجح أن تساعد التسهيلات الضريبية أيضاً "في تعزيز القدرة التنافسية للشركات من خلال خفض الأعباء الضريبية، مما يمكّنها من تقديم منتجات وخدمات بأسعار أقل، وهذا يصب في مصلحة المواطنين على صعيد القدرة الشرائية". ومع تحسن الظروف المالية للشركات، "يمكنها الاستثمار في تدريب وتطوير الموظفين، مما يؤدي إلى رفع الكفاءات والمهارات في سوق العمل". 

ومن المتوقع أن تساهم الإعفاءات الضريبية في زيادة الحصيلة الضريبية للدولة من طريق تحفيز الشركات والأنشطة في الاقتصاد غير الرسمي للانضمام إلى القطاع الرسمي، مما يوسع قاعدة دافعي الضرائب من دون الحاجة إلى زيادة معدلات الضرائب. ذلك أن انضمام الاقتصاد غير الرسمي سيساهم في زيادة الإنتاجية، مما يؤدي إلى استقرار الأسعار أو خفضها، وبالتالي تقليل معدلات التضخم وزيادة الدخل الحقيقي للمواطنين.

يُشَار إلى أن حصيلة مصلحة الضرائب المصرية بلغت نحو 1,483 تريليون جنيه (30,7 مليار دولار) خلال الفترة من يوليو/تموز 2023 وحتى يونيو/حزيران 2024، مقارنة بـ1,139 تريليون جنيه (23,6 مليار دولار) عن الفترة المماثلة في السنة السابقة، بمعدل نمو بلغ 30 في المئة. وتستهدف وزارة المالية تحصيل 2,02 تريليون جنيه (40 مليار دولار) إيرادات ضريبية للعام المالي الحالي 2024/2025، أي نحو 77 في المئة من إجمالي الإيرادات العامة للدولة و11,8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للدولة.

font change

مقالات ذات صلة