ينهمك الكتاب السياسيون في سعيهم لمعرفة الاحتمالات السياسية بعد حرب غزة، ولا يرون من شأنهم بحث الاحتمالات الفكرية بعدها، فشأن السياسيين أن يبقوا في البحث في المسائل القريبة المتعلقة بالحلول الزمنية المباشرة، على أن التغيرات الفكرية من أهم ما يمكن دراسته تبعا لتأثيرها الضخم حتى على الشق السياسي فيما بعد، وينبغي على المفكرين تلمس ما الذي يمكن أن تدفع إليه حرب غزة بعد انجلاء غبار الحرب في جانب الأفكار والأيديولوجيات، التي قد لا يكون لها مردود مرصود آني وسريع، رغم مساهمتها في التأثير على الحياة الاجتماعية والسياسية فيما بعد، فعادة ما تحتاج الأفكار الجديدة إلى وقت حتى تستثمر في تيارات وتشكلات اجتماعية وسياسية، ولا تظهر نتائجها السياسية إلا بعد عقود، وفي هذه المقالة سيتم التركيز على الاحتمالات الفكرية والأيديولوجيات فيما يمكن تعريفه بتشكلات الهوية.
لقد عرف العالَم تشكلات الهوية مع الأحداث السياسية والعسكرية العاصفة، ففي الحرب العالمية الثانية شعر الألمان بأن الشروط التي فرضت عليهم بعد الحرب العالمية الأولى 1918 مجحفة بحقهم، وعانوا من التضخم المالي والتفسخ الاجتماعي بعد الحرب، فساعدت الظروف على ظهور الأيديولوجيا النازية، إذ إن الظروف هي العِظام التي ينبت عليها لحم الأيديولوجيا، فمثلت الأيديولوجيا النازية تعبيرا عن رفض هزيمة ألمانيا بصورة أفكار متطرفة وكانت متسببة في اندلاع حرب عالمية ثانية على مستوى العالَم سنة 1939، وقد استعارت النازية الكثير من أفكارها من الفاشية في إيطاليا التي انبعثت هي الأخرى بعد الحرب العالمية الأولى ووصل موسوليني فيها إلى الحكم وشكل حكومة بسرعة بعد الحرب الأولى بعامين في 1922، ليصبح حليفا لهتلر الزعيم الألماني، ومشاركا مع دول المحور في الحرب العالمية الثانية.