التزام بالاستثمار في صحتنا المشتركة

مقال خاص تنشره "المجلة" بقلم الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، ووزراء الصحة في النرويج وفرنسا وألمانيا وموريتانيا

إدواردو ريمون تريو/المجلة
إدواردو ريمون تريو/المجلة

التزام بالاستثمار في صحتنا المشتركة

مقال خاص تنشره "المجلة"، بقلم: الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس (المدير العام لمنظمة الصحة العالمية)، جينيفيف داريوسيك (وزيرة الشؤون الاجتماعية والصحة، فرنسا)، كارل لوترباخ (وزير الصحة الاتحادي، ألمانيا)، عبد الله ولد وديه (وزير الصحة، موريتانيا)، يان كريستيان فيستري (وزير الصحة وخدمات الرعاية، النرويج).

جميعنا نثمّن صحتنا وصحة المقربين منا. ولكن على الرغم من الإنجازات العظيمة في مجالي العلم والابتكار، فإن صحتنا معرّضة للتهديد، حتى في أكثر البلدان تقدماً. وبصفتنا قادة في مجال الصحة، تقع على عاتقنا مسؤولية ضمان صحة وسلامة مواطنينا، ويجب أن نفعل ذلك على نحو منصف. ينبغي أن لا نترك أحداً خلف الركب. فنحن نعلم أن هذا استثمار ضروري للمساعدة في ضمان وبناء ثروة البلدان وإرساء الثقة في الحكومات والمؤسسات العالمية والنُهج المتعددة الأطراف للنهوض بالصحة للجميع. وتتمثل إحدى أهم الخطوات في دعم النظُم الصحية الوطنية وتعزيزها، وهو ما التزمت به جميع البلدان بتوقيعها على أهداف التنمية المستدامة.

ولكننا نعلم أن هذا وحده لم يعد كافياً، إذ يجب على جميع البلدان أن تستثمر في سلامتها وحمايتها المشتركة: فلا أحد في مأمن، حتى يكون الجميع في مأمن. ولا يمكننا القيام بذلك إلا بالنظر إلى ما وراء الحدود، على الصعيدين الإقليمي والعالمي. يجب أن نعزز النظم الصحية والأمن الصحي في جميع أنحاء العالم، وأن ندعم البلدان كافة في جميع أنحاء المعمورة، ولا سيما أقل البلدان نموا. وقد عبّرنا عن ذلك من خلال البيانات والإجراءات في الأمم المتحدة وغيرها من المحافل المتعددة الأطراف.

إن أحد الاستثمارات الأكثر فعالية من حيث التكلفة والاستدامة التي يمكن القيام بها من أجل عالم أكثر صحة وأماناً للجميع هو الاستثمار في تقوية منظمة الصحة العالمية من الناحيتين التقنية والتشغيلية. فمنظمة الصحة العالمية، بتمثيلها 194 بلداً، تتمتع بنطاق وولاية فريدين من نوعهما لتكون بمثابة القوة التوجيهية في مجال الصحة العالمية، حيث تجمع أقطاب التفوق العلمي وصناع القرار الوطنيين والشركاء الصحيين على حد سواء. ولكن لكي تنجح المنظمة في مسعاها، يتعين تزويدها بما يلزم لتتحلى بالمرونة والموثوقية والكفاءة. ولذلك قررت الدول الأعضاء في المنظمة الاستثمار في المنظمة ودعم الجولة الاستثمارية التاريخية الأولى للمنظمة.

أحد الاستثمارات الأكثر فعالية من حيث التكلفة والاستدامة التي يمكن القيام بها من أجل عالم أكثر صحة وأماناً للجميع هو الاستثمار في تقوية منظمة الصحة العالمية من الناحيتين التقنية والتشغيلية

وتتيح الجولة الاستثمارية للمنظمة، التي ستحتل مركز الصدارة في مؤتمر قمة الصحة العالمي الذي سيُعقد اليوم في برلين، فرصة فريدة للبلدان كي تتكاتف من أجل دعم الصحة العالمية. فكل دولار يستثمر في المنظمة يحقق عائدا قدره 35 دولارا أميركيا، ويمكن أن يسهم في إنقاذ حياة 40 مليون شخص على مدى السنوات الأربع المقبلة. والتمويل الكامل والمستدام للمنظمة سيمكّنها من دعم البلدان في بناء مجتمعات أكثر صحة وقوة وازدهاراً.

وقد التزم الكثير من الحكومات بالصحة العالمية من خلال دعم تطعيم الأطفال، ومكافحة فيروس العوز المناعي البشري/الإيدز واستئصال شلل الأطفال، وإنشاء برامج الصحة المجتمعية وبناء المستشفيات، ودعم البحوث والعلوم. غير أن هذه النجاحات والبرامج معرّضة للخطر في ظل وجود الكثير من الأزمات المتزامنة التي تفرض ضغوطاً هائلة على الميزانيات الوطنية.

ومع ذلك، فقد علمتنا جائحة "كوفيد-19" أنه في عالم اليوم شديد الترابط، فإن فاشيات الأمراض قد تحمل في طياتها خطر التسبب بجائحة يمكن أن تلحق خسائر اقتصادية واجتماعية أكبر بكثير من الاستثمارات الأساسية  اللازمة للوقاية منها والاستجابة لها. وقد تعلمنا، فاشيةً بعد فاشية، أن هذا الاستثمار يتطلب استجابة والتزاماً من المجتمع بأسره ومن الحكومة بجميع قطاعاتها، كما يتطلب، في الوقت نفسه، تضامناً واتفاقات دولية حتى تعرف البلدان أنه عندما تقع الأزمة التالية، يمكنها الاعتماد على بعضها البعض، سواء في مجال تبادل المعرفة والتدابير المضادة، أو دعم الإجراءات التي تمنع حدوث اضطرابات كبيرة في التجارة والتبادل التجاري الدوليين، كل ذلك من أجل حماية حياة الناس وسبل عيشهم. 

فكل طفل لم يحصل على تطعيم، وكل قرية تفتقر إلى عامل صحي مجتمعي، وكل فاشية تحدث، هي اختبار لالتزامنا بالعدالة الصحية. يجب أن نرتقي إلى ما هو أبعد من المصالح الضيقة لدعم الفئات الأكثر ضعفا- وبذلك نحمي أنفسنا جميعا. ونحن نرى أن أحد أسلم الاستثمارات في الصحة العالمية هو الاستثمار في منظمة الصحة العالمية. وهو ما تقوم به البلدان بالفعل من خلال اشتراكاتها النظامية. ولكنّ هناك فهما واضحا بأن هذا لا يكفي في أوقات الأزمات، وهو ما يجعل الجولة الاستثمارية للمنظمة فائقة الأهمية. فالاستثمار في منظمة الصحة العالمية هو التزام مالي تجاه المنظمة والتزام سياسي بتعددية الأطراف. وهو، قبل كل شيء، استثمار في صحة جميع دول العالم وفي الصحة العالمية. ونحن نطلب من الآخرين الانضمام إلينا. فلا خيار لدينا، سوى أن نعمل معا.

font change

مقالات ذات صلة