من المتوقع أن يكون للاتهامات التي وجهها قائد "قوات الدعم السريع" السودانية، محمد حمدان دقلو، المعروف بحميدتي، ضد مصر بشأن تنفيذ غارات جوية على قواته في مدينة سنار بالنيل الأزرق، تأثيرات بعيدة المدى على القاهرة.
حيث صرح حميدتي، الذي يخوض حربا ضد الجيش السوداني منذ أبريل/نيسان من العام الماضي، وهي حرب تسببت في أزمة إنسانية غير مسبوقة وتشريد أكثر من 10 ملايين سوداني داخل البلاد وخارجها، بأن مقاتلات مصرية متقدمة قتلت عددا كبيرا من "قوات الدعم السريع" في سنار.
وفي تسجيل فيديو بثّه في 9 أكتوبر/تشرين الأول، اتهم حميدتي مصر أيضا بتدريب الجيش السوداني، الذي حقق في الأيام الأخيرة انتصارات كبيرة على "قوات الدعم السريع"، واستعاد بعض المناطق الرئيسة، بما في ذلك العاصمة السودانية الخرطوم. بينما نفت وزارة الخارجية المصرية في اليوم التالي هذه الاتهامات.
وقالت الوزارة إن الاتهامات جاءت في وقت تسعى فيه القاهرة لوضع حد للحرب في السودان، وحث المجتمع الدولي على الاستجابة للاحتياجات الإنسانية للشعب السوداني الذي يعاني بشدة جراء الحرب في بلاده. وأضافت وزارة الخارجية أن مصر ستواصل تقديم الدعم للشعب السوداني في مواجهة هذه التحديات، كما طالبت المجتمع الدولي بالتحقيق في اتهامات قائد "قوات الدعم السريع".
العداوات القديمة
تنسجم اتهامات حميدتي مع التوترات القديمة بين مجموعته والقاهرة والتي بدأت تتصاعد فور اندلاع القتال بين قواته والجيش السوداني في العام الماضي. واندلعت الاشتباكات بينما كان عدد من ضباط وجنود الجيش المصري يشاركون في مهمة تدريب مشتركة مع الجيش السوداني في قاعدة مروي الجوية بشمال السودان.
وبعد استيلاء "قوات الدعم السريع" على القاعدة، أخذوا الضباط والجنود المصريين رهائن، وشاركوا مقاطع فيديو لاحتجازهم تضمنت بعض الإهانات اللفظية. كما أفادت تقارير بأن "قوات الدعم السريع" دمرت طائرات مقاتلة مصرية من طراز "ميغ-29" أرسلتها مصر إلى السودان في إطار التدريب المشترك.
وأفرجت "قوات الدعم السريع"، في وقت لاحق، عن الجنود المصريين، لكن يبدو أن هذه الحادثة منحت القاهرة تصورا أوضح عن كيفية تصرف الميليشيات حين تتولى السيطرة.
سياسة ثابتة
ليست هذه هي المرة الأولى التي يتهم فيها حميدتي مصر بمساعدة الجيش السوداني في حربه ضد "الدعم السريع". فقد وجه الاتهامات نفسها عدة مرات في الماضي، خاصة كلما تعرضت قواته لهزائم كبيرة على يد الجيش السوداني. ويعود عداء "الدعم السريع" تجاه مصر إلى موقف الأخيرة الراسخ تجاه الجهات الفاعلة غير الحكومية ودعمها للجيوش الوطنية ومؤسسات الدولة. يتجلى هذا الموقف في سياسات مصر تجاه عدد من الدول الإقليمية، بما في ذلك ليبيا والصومال وسوريا، حيث تواجه الجيوش الوطنية كيانات أو ميليشيات عسكرية موازية.
تؤثر هذه السياسة سلبا على النفوذ السياسي لمصر في الدول أو المناطق التي تسيطر فيها الجهات غير الحكومية مثل لبنان، حيث لا توجد لمصر قنوات اتصال مع "حزب الله". وكما يشير المحللون في القاهرة، لم تقم مصر يوما بفتح قنوات اتصال مع الميليشيات أو الكيانات التي تسعى للتصرف كدول داخل دولها.
وقال أحمد حجاج، الدبلوماسي المصري المتقاعد والأمين العام المساعد السابق لمنظمة الوحدة الأفريقية، لـ"المجلة": "لطالما حرصت مصر على إقامة علاقات مع الحكومات المركزية"، مضيفا أن "هذه السياسة المصرية تعود لعقود مضت".
حتى عندما تعمل مصر كوسيط بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بما في ذلك في غزة، حيث تتعاون مع قطر والولايات المتحدة للتوسط في وقف إطلاق النار وصفقات تبادل الأسرى بين إسرائيل و"حماس"، تتعامل القاهرة مع القضية كملف أمني، وتنظر إلى "حماس" كجزء من الفصائل الفلسطينية تحت مظلة السلطة الفلسطينية التي تعتبرها مصر الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني. وعندما اجتمع ممثلو الفصائل الفلسطينية، بما في ذلك "حماس"، في القاهرة مؤخرا، اجتمع وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مع وفد حركة "فتح" فقط، وهي الحركة التي يقودها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.
أما في حالة السودان، فإن السياسة نفسها تخلق توترات بين القاهرة و"قوات الدعم السريع"، التي تؤمن بأن مصر لا تعاملها بالقدر نفسه من الاعتبار الذي تمنحه للجيش السوداني وقائده عبد الفتاح البرهان. حيث استقبلت القاهرة البرهان عدة مرات خلال عام ونصف، في حين لم يزر حميدتي العاصمة المصرية منذ اندلاع الحرب الأهلية في السودان.
خسائر فادحة
ربما يكون الدعم الإثيوبي المزعوم لـ"الدعم السريع" والعلاقات الوثيقة بين حميدتي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد سببا إضافيا لتفاقم التوترات بين مصر و"قوات الدعم السريع". فمصر تخوض صراعا وجوديا مع إثيوبيا حول بناء الأخيرة سد النهضة العملاق على النيل الأزرق، الذي يعد المصدر الرئيس لمياه نهر النيل، المصدر الأساسي للمياه العذبة لمصر، ما يؤدي إلى تقليص حصتها السنوية من المياه بشكل كبير.
في الوقت الحالي، تطوق مصر إثيوبيا من خلال تعزيز وجودها العسكري في الصومال، على بُعد كيلومترات قليلة من الحدود الإثيوبية، وتسعى لتوحيد خصوم أديس أبابا الإقليميين. ويُحتمل أن العلاقات الوثيقة بين حميدتي ورئيس الوزراء الإثيوبي تزيد من موقف مصر المعادي للجهات غير الحكومية مثل "قوات الدعم السريع"، التي فقدت في الأيام الأخيرة أراضي استراتيجية لصالح الجيش السوداني، من بينها منطقة جبال مويا الواقعة بالقرب من ولاية سنار جنوب شرقي السودان.