استياء مصري من اتهامات حميدتي بمساندة الجيش السوداني

ستتضح في الفترة المقبلة كيفية تعامل مصر مع هذه المخاطر

رويترز
رويترز
حمديتي وسط انصاره لدى وصوله الى تجمع في بلدة ابرق في 22 يونيو 2019

استياء مصري من اتهامات حميدتي بمساندة الجيش السوداني

من المتوقع أن يكون للاتهامات التي وجهها قائد "قوات الدعم السريع" السودانية، محمد حمدان دقلو، المعروف بحميدتي، ضد مصر بشأن تنفيذ غارات جوية على قواته في مدينة سنار بالنيل الأزرق، تأثيرات بعيدة المدى على القاهرة.

حيث صرح حميدتي، الذي يخوض حربا ضد الجيش السوداني منذ أبريل/نيسان من العام الماضي، وهي حرب تسببت في أزمة إنسانية غير مسبوقة وتشريد أكثر من 10 ملايين سوداني داخل البلاد وخارجها، بأن مقاتلات مصرية متقدمة قتلت عددا كبيرا من "قوات الدعم السريع" في سنار.

وفي تسجيل فيديو بثّه في 9 أكتوبر/تشرين الأول، اتهم حميدتي مصر أيضا بتدريب الجيش السوداني، الذي حقق في الأيام الأخيرة انتصارات كبيرة على "قوات الدعم السريع"، واستعاد بعض المناطق الرئيسة، بما في ذلك العاصمة السودانية الخرطوم. بينما نفت وزارة الخارجية المصرية في اليوم التالي هذه الاتهامات.

وقالت الوزارة إن الاتهامات جاءت في وقت تسعى فيه القاهرة لوضع حد للحرب في السودان، وحث المجتمع الدولي على الاستجابة للاحتياجات الإنسانية للشعب السوداني الذي يعاني بشدة جراء الحرب في بلاده. وأضافت وزارة الخارجية أن مصر ستواصل تقديم الدعم للشعب السوداني في مواجهة هذه التحديات، كما طالبت المجتمع الدولي بالتحقيق في اتهامات قائد "قوات الدعم السريع".

العداوات القديمة

تنسجم اتهامات حميدتي مع التوترات القديمة بين مجموعته والقاهرة والتي بدأت تتصاعد فور اندلاع القتال بين قواته والجيش السوداني في العام الماضي. واندلعت الاشتباكات بينما كان عدد من ضباط وجنود الجيش المصري يشاركون في مهمة تدريب مشتركة مع الجيش السوداني في قاعدة مروي الجوية بشمال السودان.

وبعد استيلاء "قوات الدعم السريع" على القاعدة، أخذوا الضباط والجنود المصريين رهائن، وشاركوا مقاطع فيديو لاحتجازهم تضمنت بعض الإهانات اللفظية. كما أفادت تقارير بأن "قوات الدعم السريع" دمرت طائرات مقاتلة مصرية من طراز "ميغ-29" أرسلتها مصر إلى السودان في إطار التدريب المشترك.

وأفرجت "قوات الدعم السريع"، في وقت لاحق، عن الجنود المصريين، لكن يبدو أن هذه الحادثة منحت القاهرة تصورا أوضح عن كيفية تصرف الميليشيات حين تتولى السيطرة.

سياسة ثابتة

ليست هذه هي المرة الأولى التي يتهم فيها حميدتي مصر بمساعدة الجيش السوداني في حربه ضد "الدعم السريع". فقد وجه الاتهامات نفسها عدة مرات في الماضي، خاصة كلما تعرضت قواته لهزائم كبيرة على يد الجيش السوداني. ويعود عداء "الدعم السريع" تجاه مصر إلى موقف الأخيرة الراسخ تجاه الجهات الفاعلة غير الحكومية ودعمها للجيوش الوطنية ومؤسسات الدولة. يتجلى هذا الموقف في سياسات مصر تجاه عدد من الدول الإقليمية، بما في ذلك ليبيا والصومال وسوريا، حيث تواجه الجيوش الوطنية كيانات أو ميليشيات عسكرية موازية.

تؤثر هذه السياسة سلبا على النفوذ السياسي لمصر في الدول أو المناطق التي تسيطر فيها الجهات غير الحكومية مثل لبنان، حيث لا توجد لمصر قنوات اتصال مع "حزب الله". وكما يشير المحللون في القاهرة، لم تقم مصر يوما بفتح قنوات اتصال مع الميليشيات أو الكيانات التي تسعى للتصرف كدول داخل دولها.

وقال أحمد حجاج، الدبلوماسي المصري المتقاعد والأمين العام المساعد السابق لمنظمة الوحدة الأفريقية، لـ"المجلة": "لطالما حرصت مصر على إقامة علاقات مع الحكومات المركزية"، مضيفا أن "هذه السياسة المصرية تعود لعقود مضت".

اف ب
سودانيات ينتظرن الفحص الطبي خارج مستشفى في مدينة طوكر في 10 اكتوبر

حتى عندما تعمل مصر كوسيط بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بما في ذلك في غزة، حيث تتعاون مع قطر والولايات المتحدة للتوسط في وقف إطلاق النار وصفقات تبادل الأسرى بين إسرائيل و"حماس"، تتعامل القاهرة مع القضية كملف أمني، وتنظر إلى "حماس" كجزء من الفصائل الفلسطينية تحت مظلة السلطة الفلسطينية التي تعتبرها مصر الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني. وعندما اجتمع ممثلو الفصائل الفلسطينية، بما في ذلك "حماس"، في القاهرة مؤخرا، اجتمع وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مع وفد حركة "فتح" فقط، وهي الحركة التي يقودها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.

أما في حالة السودان، فإن السياسة نفسها تخلق توترات بين القاهرة و"قوات الدعم السريع"، التي تؤمن بأن مصر لا تعاملها بالقدر نفسه من الاعتبار الذي تمنحه للجيش السوداني وقائده عبد الفتاح البرهان. حيث استقبلت القاهرة البرهان عدة مرات خلال عام ونصف، في حين لم يزر حميدتي العاصمة المصرية منذ اندلاع الحرب الأهلية في السودان.

خسائر فادحة

ربما يكون الدعم الإثيوبي المزعوم لـ"الدعم السريع" والعلاقات الوثيقة بين حميدتي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد سببا إضافيا لتفاقم التوترات بين مصر و"قوات الدعم السريع". فمصر تخوض صراعا وجوديا مع إثيوبيا حول بناء الأخيرة سد النهضة العملاق على النيل الأزرق، الذي يعد المصدر الرئيس لمياه نهر النيل، المصدر الأساسي للمياه العذبة لمصر، ما يؤدي إلى تقليص حصتها السنوية من المياه بشكل كبير.

في الوقت الحالي، تطوق مصر إثيوبيا من خلال تعزيز وجودها العسكري في الصومال، على بُعد كيلومترات قليلة من الحدود الإثيوبية، وتسعى لتوحيد خصوم أديس أبابا الإقليميين. ويُحتمل أن العلاقات الوثيقة بين حميدتي ورئيس الوزراء الإثيوبي تزيد من موقف مصر المعادي للجهات غير الحكومية مثل "قوات الدعم السريع"، التي فقدت في الأيام الأخيرة أراضي استراتيجية لصالح الجيش السوداني، من بينها منطقة جبال مويا الواقعة بالقرب من ولاية سنار جنوب شرقي السودان.

سعى حميدتي إلى تبرير الخسائر الفادحة التي تكبدتها قواته مؤخرا من خلال الادعاء بأن خصمه يتلقى دعما من شريك إقليمي قوي عسكريا، وهو مصر

وباستعادة سلسلة جبال مويا التي تقع على بُعد أقل من 300 كيلومتر جنوب الخرطوم وتربط ولاية سنار بولايات النيل الأبيض والجزيرة والنيل الأزرق، أصبح الجيش السوداني في وضع استراتيجي جيد للتحرك نحو ولاية شمال كردفان والجزء الغربي من إقليم دارفور في غرب السودان.
ويرى المحللون السودانيون أن هذه الخسائر تضع الجيش السوداني في موقع أقوى لإنهاء الحرب الأهلية الحالية لصالحه وتوجيه هزيمة قاسية لـ"قوات الدعم السريع". وقال الباحث السياسي السوداني مجدي عبد العزيز لـ"المجلة": "لهذا السبب أقول إن اتهامات حميدتي ضد مصر تعادل اعترافا بالهزيمة"، مضيفا: "الانتصارات الأخيرة تميل بشكل واضح لصالح الجيش السوداني".


تشويه سمعة مصر

ربما سعى حميدتي إلى تبرير الخسائر الفادحة التي تكبدتها قواته مؤخرا من خلال الادعاء بأن خصمه يتلقى دعما من شريك إقليمي قوي عسكريا، وهو مصر. وبإطلاقه هذه الاتهامات ضد مصر، يكون حميدتي قد تصرف بناء على نصيحة أحد رعاته الإقليميين الذين يرون مصلحة في تقويض النفوذ المصري في صراع أصبح مركزا للتدخلات الإقليمية والدولية.
كما أن الغضب المصري من هذه الاتهامات مبرر، حيث إنها تجر القاهرة إلى الوحل في وقت تبذل فيه جهودا كبيرة لحشد المجتمع الدولي لدعم حل للأزمة السودانية، بصفتها وسيطا إقليميا وقاريا نزيها. فمنذ اندلاع الحرب الأهلية في السودان، عملت مصر بجد لدفع دول الجوار السوداني نحو إيجاد صيغة لإنهاء النزاع.
وعلى مدار العام ونصف العام الماضيين، استضافت مصر كثيرا من الاجتماعات حول الأزمة السودانية، بما في ذلك اجتماعات القوى السياسية السودانية، في محاولة لدفع هذه القوى إلى التوصل إلى حل للأزمة. بالإضافة إلى ذلك، تترأس مصر مجلس السلم والأمن الأفريقي خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول، وهو الجهاز التنفيذي الدائم لصنع القرارات في الاتحاد الأفريقي.
ومع ذلك، تشكل اتهامات حميدتي ضربة كبيرة لمصر، حيث تحرمها من لعب دور الوسيط النزيه في صراع أثبت أنه مكلف للغاية لها. حيث استقبلت مصر عددا كبيرا من الفارين من الحرب في السودان، الذين يعيشون جنبا إلى جنب مع المصريين وليس في مخيمات للاجئين، مما يزيد الضغط على الموارد المحدودة للبلاد ويرفع الطلب على السلع الأساسية. وهذا يُضاف إلى تسعة ملايين لاجئ يعيشون بالفعل في مصر.
ويشكل بعض هؤلاء اللاجئين، والذين قد يكون البعض منهم من أنصار "قوات الدعم السريع"، تهديدا أمنيا لمصر، خصوصا في ضوء التهديدات التي أطلقها بعض ضباط "قوات الدعم السريع" بالانتقام. إذ هدد أحد مستشاري "قوات الدعم السريع" بالفعل باستهداف السد العالي في جنوب مصر، وهو السد الذي يحمي البلاد من فيضانات نهر النيل.
وستتضح في الفترة المقبلة كيفية تعامل مصر مع هذه المخاطر بينما تواصل جهودها لإنهاء الصراع في السودان وحماية نفسها من تهديدات "قوات الدعم السريع".

font change

مقالات ذات صلة