لعل أول ما يغري النظر في بيت كاتب من لدن كاتب آخر هو اكتشاف مكتبته الشخصية، ربما هو الأمر نفسه بالنسبة الى القارئ أيضا، إذ المكتبة المستأثرة بهذا الاهتمام في بيت أو شقة صاحبها هي أبدع ما يمكن أن يتمثل صورته، شخصيته، رمزيته ككاتب جدير بالدنو من طقوسية أشيائه في عالمه الخاص.
من بداهة الخطاب تكرار القول: "لا يمكن تخيل بيت كاتب بدون مكتبة"، إذ هي ما يسبغ على المكان قيمته ومعناه، هذا إن لم يكن مجمل البيت محض مكتبة، بالطول والعرض.
في الغالب تلفي كتّابا يشهرون مكتبة علنية للضيوف، فيما يخفون أخرى في غرف نومهم، فالأولى شبه مكشوفة، تفصح عن قائمة عناوين أريد لها بعناية أن تشغل الحيز المشرع على فضول الزائرين، والثانية سرية، حميمة، منذورة لأقلية من صفوة الأصدقاء لا غير.
مكان مقدّس
أحيانا تصدمك زيارة بيت كاتب ولا تلفي مكتبة إطلاقا، وإن ما قد تقع عليه نظرتك رزمة كتب مهداة إليه في الغالب، وأخرى محشورة في صناديق كرتون، كما لو كانت نشازا، وإلا كيف لا يوليها تقديرها بأن يرففها في خزانة تليق بها على الأقل... يفقد هذا الصنف المثير للشقفة احترامك كيفما كانت أسبابهم وإكراهاتهم.
تشييد مكتبة شيء مقدس بالنسبة الى الكاتب، لا يستقيم فضاء البيت إلا بصرحها اللافت، بأيقونيتها المثيرة، وبجاذبيتها السحرية. وبغير ما مبالغة، هناك من الكتاب من يكتفي بحضورها كأثر هندسي وجمالي لا بد منه لإقامته كي يكون لها معنى، وهناك من يبالغ في تضخيمها حد البهرجة، فتبدو فولكلورية أكثر منها طقوسية، وجودية وجمالية.