روسيا وإسرائيل... ما مصير التفاهمات العسكرية ضد إيران في سوريا؟https://www.majalla.com/node/322605/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D9%85%D8%A7-%D9%85%D8%B5%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%87%D9%85%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B3%D9%83%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%B6%D8%AF-%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D8%9F
تزايدت احتمالات انزلاق منطقة الشرق الأوسط إلى حرب إقليمية، ووسّعت الشرخ في العلاقات الروسية الإسرائيلية، التي شهدت برودا واضحا منذ انطلاق الحرب الروسية على أوكرانيا. ورغم أن العلاقات بين البلدين تميزت بفترات مدّ وجزر منذ تأسيس الدولة اليهودية، وصلت إلى حدّ القطيعة لنحو ربع قرن، فليس من المبالغة القول إن الحقبة الحالية تشكل أقسى اختبار لعلاقاتهما منذ استئناف الاتصالات الدبلوماسية نهاية عام 1991.
وبعودة إلى التاريخ، فقد دعم الاتحاد السوفياتي قرار تقسيم فلسطين في عام 1947، وكان من أوائل الدول التي اعترفت بالدولة الناشئة حينها، وتبادلت معها التمثيل الدبلوماسي. وراهن القادة السوفيات حينها على انحياز إسرائيل للكتلة الشيوعية، وابتعادها عن بريطانيا والغرب، وتحولها إلى نموذج للاشتراكية في المنطقة، بناء على الخلفية الفكرية لمؤسسي الدولة الأقرب إلى الاشتراكية، ولكن سرعان ما خاب ظن موسكو التي سارعت إلى بناء علاقات مع الدول العربية وفي مقدمها، العراق وسوريا ومصر.
وبعد حرب 5 يونيو/حزيران 1967 قطعت روسيا علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، ليعاد فتح السفارة الإسرائيلية في موسكو قبل أيام من لفظ الاتحاد السوفياتي أنفاسه الأخيرة في ديسمبر/كانون الأول 1991. ورغم توجهات النخب الحاكمة في موسكو في تسعينات القرن الماضي الداعمة للغرب وإسرائيل، فقد تميزت تلك الحقبة بانكفاء روسيا عن قضايا الشرق الأوسط. ومع صعود الرئيس فلاديمير بوتين توجهت أنظار الكرملين إلى الشرق الأوسط، ونشطت الدبلوماسية الروسية في بناء علاقات قوية مع جميع الأطراف في المنطقة، ومن ضمنها إسرائيل.
ومنذ الزيارة الأولى لبوتين إلى إسرائيل في 2005 شهدت علاقات البلدين "شهور عسل" طويلة تخللتها خلافات تتعلق بانفتاح روسيا على إيران، والتنظيمات المدعومة منها مثل "حماس" و"حزب الله". ورغم أن إسرائيل لم تنضم إلى العقوبات الغربية بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم في 2014، فقد توترت العلاقات الروسية-الإسرائيلية على خلفية تأكيد تل أبيب أن القرم أراض أوكرانية، ورفض الاعتراف بالسيادة الروسية عليها.
منذ الزيارة الأولى لبوتين إلى إسرائيل في 2005 شهدت علاقات البلدين "شهور عسل" طويلة تخللتها خلافات تتعلق بانفتاح روسيا على إيران والتنظيمات المدعومة منها مثل "حماس" و"حزب الله"
وشكّل التدخل العسكري الروسي في سوريا خريف 2015 نقطة مفصلية في تاريخ العلاقات بين البلدين، وتوصل الطرفان إلى تفاهمات لمنع الصدام. ورغم إدانة موسكو في عدة بيانات الهجمات الإسرائيلية على مواقع إيران و"حزب الله" في سوريا، فإن دفاعاتها الجوية لم تتصدّ لهذه الضربات. وبدا أن موسكو تهتم أساسا بعدم استهداف قواتها، وقوات النظام السوري، وتطلق يد الجيش الإسرائيلي لمنع نقل أي أسلحة إلى "حزب الله"، ومنع تمركز الميليشيات الإيرانية واللبنانية في الجنوب السوري، وتدمير البنى التحتية الإيرانية لصناعات المسيرات والصواريخ. ويمكن وصف علاقات السنوات الثلاث الأولى من التدخل العسكري الروسي في سوريا بأنها "شهر عسل طويل" زادت فيها زيارات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى موسكو. ونسق الطرفان بشأن إعادة الجنوب السوري إلى سيطرة النظام صيف 2018، ومنح بوتين نتنياهو "هدايا" مكنته من الفوز في أكثر من استحقاق انتخابي حينها، ومن أهمها استعادة رفات الجندي الإسرائيلي زاخاريا باومل.
وتعرضت العلاقات لاختبار قاس في 17 سبتمبر/أيلول 2018، وحينها سقطت طائرة استطلاع من نوع "إيل-20" ما أدى إلى مقتل جميع أفراد طاقمها المكون من 15 عسكريا، واتهم الجيش الروسي إسرائيل بالتسبب في الحادثة، وأوضح المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشينكوف أن إسرائيل أخبرت قيادة القوات الروسية في سوريا بأنها ستنفذ بعد دقائق ضربة في شمال سوريا، ولكنها نفذت غارت في المناطق الغربية، وبعد دقيقة من البلاغ، ما تسبب في عدم قدرة الطائرة الروسية على تفادي الوقوع في منطقة العمليات، وخلص إلى أن "هذه الأعمال تعتبر انتهاكا مباشرا للاتفاقيات الروسية-الإسرائيلية الموقّعة عام 2015 للحيلولة دون وقوع حوادث تصادم بين قواتنا المسلّحة في سوريا".
ورغم بيانات التنديد بهذه الحادثة، وما تبعها من ضربات إسرائيلية على مواقع في سوريا، فإن الرد الروسي لا يقارن بحجم الرد على إسقاط تركيا مقاتلة "سوخوي-24" في عام 2015 عند الحدود السورية التركية. كما استطاع الطرفان تجاوز الأزمة بسرعة لافتة. وبعدها واصلت إسرائيل ضرباتها لأهداف إيران و"حزب الله" في عدة مناطق في سوريا من دون تدخل أنظمة الدفاع الجوي والتشويش الإلكتروني، التي قالت روسيا إنها ستنقلها إلى سوريا لمنع الضربات الإسرائيلية.
التوازن بين إيران وإسرائيل
وقد سعت روسيا إلى المحافظة على توازنات دقيقة في علاقاتها مع كل من إيران وإسرائيل، ومنع تحول سوريا إلى ساحة للحرب بالوكالة بينهما، وكانت حريصة على تأكيد التزامها التام بأمن إسرائيل. وفي مقالة بمناسبة الذكرى الثلاثين لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، شدد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على: "نحن مهتمون بمواصلة المشاورات مع الشركاء الإسرائيليين حول الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط. ونلفت الانتباه دائمًا إلى أن الحلول الشاملة لمشاكل منطقة الشرق الأوسط يجب أن تأخذ بالضرورة في الاعتبار المصالح الأمنية لإسرائيل. هذه نقطة أساسية".
وفي 22 أكتوبر/تشرين الأول 2021، وفيما كانت التقارير الغربية تتحدث عن حشود روسية لمهاجمة أوكرانيا، قصد رئيس الحكومة الإسرائيلية حينها، نفتالي بنيت سوتشي بحثا عن تثبيت التفاهمات الروسية-الإسرائيلية بشأن الضربات الإسرائيلية في سوريا، ومناقشة الملف النووي الإيراني. وتلقى بنيت دعما من بوتين الذي وصف العلاقات الروسية-الإسرائيلية بأنها "فريدة" وتتسم بالثقة المتبادلة، مشيرا إلى دور روسيا كوريثة للاتحاد السوفياتي في تأسيس دولة إسرائيل، إضافة إلى أن "إسرائيل موطن أكبر جالية ناطقة بالروسية في الخارج".
وأعرب بوتين عن أمله في أن "حكومة بنيت ستواصل نهج سلفه بنيامين نتنياهو فيما يتعلق بالعلاقات الإسرائيلية–الروسية". وبدا واضحا أن الملف السوري كان على رأس جدول أعمال المباحثات، وقال بوتين: "كما تعلمون، نبذل جهودا من أجل استعادة سلطة الدولة في سوريا، وهناك مسائل خلافية بيننا وعددها ليس قليلا، غير أن هناك أيضا نقاط تلاقٍ وفرصاً للتعاون، لا سيما فيما يخص المسائل المتعلقة بمحاربة الإرهاب، وبشكل عام ثمة الكثير من المسائل التي يمكن ويجب علينا مناقشتها".
التفاهمات الجديدة تتضمن حل الخلاف حول الغارات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية التي يقيمها "الحرس الثوري" الإيراني وميليشياته. وبمقتضى التفاهمات تعهد بنيت بإعطاء الروس "معلومات أكثر دقة وقبل تنفيذها بوقت كافٍ"
من جانبه، شدد بنيت على أهمية العلاقات مع روسيا بالنسبة إلى بلده، مشيرا إلى أن بوتين خلال العقدين الماضيين قاد عملية تعزيز العلاقات بين الدولتين، ونجح في رفعها إلى مستواها الحالي، واصفا بوتين بأنه: "صديق قريب جدا وحقيقي لإسرائيل". وأشاد بدور الاتحاد السوفياتي في حماية اليهود أثناء الحرب العالمية الثانية. وكشف في بداية اللقاء أنه ينوي مناقشة التطورات في سوريا و"الجهود المبذولة بغية وقف تطور برنامج إيران النووي" مع الرئيس بوتين.
وفي مؤشر إلى أهمية اللقاء استمرت المباحثات خمس ساعات بزيادة ثلاث ساعات عن الوقت المخصص لها سابقا، وتلاها اصطحاب بوتين بنيت في جولة حدائق القصر الرئاسي في سوتشي، ما اضطر بنيت إلى تأجيل العودة إلى تل أبيب بسبب حلول يوم السبت.
وبعدها بأيام أكد بنيت أنه توصل مع بوتين إلى "اتفاقات جيدة ومستقرة"، مضيفا أنه وجد لدى الرئيس الروسي "أذنا مصغية بشأن احتياجات إسرائيل الأمنية". وأشار بنيت إلى أن محادثاته مع بوتين تناولت أيضا التطورات حول برنامج إيران النووي، مشددا على أن المرحلة المتقدمة التي بلغها هذا البرنامج "تثير قلق الجميع".
ونقلت الصحافة الإسرائيلية عن مصادر سياسية في تل أبيب أن الخلافات الروسية الإسرائيلية في الموضوع السوري، انخفضت إلى أدنى حد، وأن التفاهمات الجديدة تتضمن حل الخلاف حول الغارات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية التي يقيمها "الحرس الثوري" الإيراني وميليشياته. وبمقتضى التفاهمات تعهد بنيت بإعطاء الروس "معلومات أكثر دقة وفي وقت أطول قبل تنفيذها". كما تعهد بأن تصبح الضربات أكثر تحديدا، وأن لا تستهدف هذه الغارات البنى التحتية ورموز النظام السوري.
واتفق الطرفان على مواصلة العمل على إبعاد ميليشيات "حزب الله" اللبنانية والميليشيات الإيرانية عن الحدود مع الجزء المحتل من الجولان السورية. كما وافق الرئيس الروسي على استئناف عمل لجنة التنسيق العسكرية بين البلدين، التي يقودها نائبا رئيسي أركان الجيشين، بوتيرة أعلى وتفاهما على دراسة الاقتراح الروسي "لإقامة طاقم مشترك مع إسرائيل، لمواجهة خطر الطائرات المسيرة التي باتت تشكل تهديدا على المنطقة برمتها".
وذكرت الصحافة الإسرائيلية أن الخلافات في الموضوع الإيراني بقيت على حالها تقريبا. ورغم أن روسيا تشترك مع إسرائيل في القلق من خطر تحول إيران إلى دولة نووية، فإن بوتين رفض الموقف الإسرائيلي حول الخيار العسكري، ورفض طلب بنيت أن يعيد النظر في موقفه هذا، مشددا على أن الحل الوحيد لهذه المعضلة هو الجهد الدبلوماسي.
تثبيت ركائز نظام الأسد
ومن غير المستبعد أن غض الطرف الروسي عن منع الضربات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية يندرج في إطار رغبة روسيا في الحدّ من نفوذ إيران، والاستفراد بالمكاسب السياسية والاقتصادية بعد تثبيت نظام حكم الرئيس بشار الأسد بتدخل من القوتين، إضافة إلى تباين نظرة كل من طهران وموسكو إلى دور الجيوش والميليشيات في الدول، ففي حين تفضل الأولى جيشا ضعيفا مع ميليشيات قوية يمكن التحكم بها واستخدامها حين الحاجة، تفضل موسكو بناء جيش مركزي قوي يأتمر بالقيادة السياسية.
ويجب عدم إهمال عامل مهم، وهو أن روسيا ربما انطلقت من أن الوجود الإيراني القوي في سوريا يشكل عقبة أمام عودة اللاجئين، وتحسين الاقتصاد، والحصول على دعم غربي وعربي من أجل إعادة الإعمار، وتأهيل البنى التحتية لعودة اللاجئين، فضلا عن أن إيران غير قادرة كما حال روسيا على تمويل كلفة إعادة الإعمار في سوريا.
وفي المقابل، ظل موقف روسيا ثابتا في الملف الإيراني، فموسكو ضد حيازة إيران أسلحة نووية ودخول "النادي النووي"، ولكنها ضد ضربة قد تخل بمنظومة الأمن في بحر قزوين، وجنوب القوقاز وآسيا الوسطى، والتوازنات في منطقة الخليج العربي. وتسعى لحل دبلوماسي يضمن مصالحها مع إيران والحصول على مكاسب إضافية في مجال الاستثمارات في الطاقة والبنية التحتية، وغيرها بعد رفع العقوبات عن إيران.
كشفت الأحداث التالية لزيارة بنيت أن العلاقات الروسية الإسرائيلية تسير على أفضل حال، فإسرائيل تواصل ضرباتها في سوريا كما تشاء، وتعهد روسيا بأمن الدولة اليهودية ما زال كما كان سابقا، إضافة إلى عامل مهم وهو عدم تركيز موسكو على استضافة مفاوضات إسرائيلية مع السلطة الفلسطينية.
الدعم العسكري الإيراني لروسيا
وطغت أجواء التفاؤل بطي صفحة الخلافات بين موسكو وتل أبيب نهائيا، واستمرار التعاون الوثيق بمراعاة كل طرف احتياجات ومخاوف الطرف الآخر، لكن الصواريخ والقنابل الروسية الموجهة ضد أوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022 لعبت دورا كبيرا في تصاعد التوتر في علاقات إسرائيل وروسيا إلى مستوى غير مسبوق.
وفي اليوم الأول من الحرب، أعلن الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ أن "إسرائيل تدعم وحدة أراضي أوكرانيا"، ودعا الإسرائيليين في أوكرانيا إلى "العودة عبر المعابر البرية". كما دان وزير الخارجية حينها يائير لابيد، الهجوم الروسي، وعدّه "خرقا للنظام العالمي"، مضيفا أن "إسرائيل تربطها علاقات عميقة وجيدة مع أوكرانيا". وبعد هذين التصريحين طالب نفتالي بنيت الوزراء بعدم الإدلاء بأي تصريح بشأن ما يحصل في أوكرانيا. وفي مقابل الإدانة رفضت إسرائيل تزويد أوكرانيا بأسلحة إسرائيلية في محاولة لإيجاد التوازن.
ومع ازدياد حدة الاصطفاف والضغوط على إسرائيل لإدانة أشد للهجوم الروسي والانضمام إلى العقوبات الغربية، سعى نفتالي بنيت في مهمة سلام متنقلا بين موسكو وكييف في 12 مارس/آذار لوضع حدّ للحرب وعدم اضطرار بلاده إلى الوقوف مع أي من طرفي الصراع؛ ففي أوكرانيا يعيش قرابة 10 آلاف إسرائيلي و200 ألف يهودي، كما أن السكوت عن الهجوم الروسي يغضب واشنطن والغرب. وفي المقابل ونظرا للمصالح الكبيرة مع "الجارة الشمالية" روسيا في ملفات عدة أهمها سوريا والبرنامج النووي الإيراني والعلاقات السياسية والاقتصادية يصعب على تل أبيب اتخاذ مواقف أكثر حدة بشأن الحرب في أوكرانيا.
وبعد فشل مهمة بنيت، تدهورت العلاقات بشدة بين البلدين على خلفية تصريحات لوزير الخارجية لافروف في مطلع مايو/أيار 2022 أشار فيها في لقاء مع محطة قناة "ميديا سات" الإيطالية إلى وجود أصول يهودية لهتلر، ردا على سؤال في اللقاء، كيف يمكن أن تكون أوكرانيا نازية إذا كان رئيسها يهوديا؟
وأثارت تصريحات لافروف ردودا غاضبة من المسؤولين الإسرائيليين، وتم استدعاء السفير الروسي في تل أبيب والمطالبة بالاعتذار.
وتردت العلاقات إلى مستويات أدنى، مقابل تعزيز العلاقات مع طهران على ازدياد اعتماد روسيا على الدعم العسكري الإيراني في حربها على أوكرانيا، مثل مسيرات "شاهد" والقذائف والصواريخ، إضافة إلى العمل المشترك بينهما للالتفاف على العقوبات الغربية.
7 أكتوبر... نقطة تحول
على عكس الإدانة الغربية الواضحة من دون أي لبس لهجوم "حماس" في 7 أكتوبر 2023، أشار الرئيس فلاديمير بوتين إلى وجود جذور تاريخية لهذا الهجوم. وقال بوتين بعد أربعة أيام من هجوم "حماس"، في مداخلة أمام المشاركين في منتدى الطاقة في موسكو، إن "جزءا من الأراضي التي اعتبرها الفلسطينيون دائما أرضا فلسطينية أصلية، استولت عليها إسرائيل في أوقات مختلفة وبطرق متنوعة، ولكن في الغالب، بالطبع، بمساعدة القوة العسكرية". ووصف بوتين عنف الاحتلال الإسرائيلي بأنه "مروع"، وقال إنه لا يمكن إنهاء الصراع الأوسع نطاقا دون معالجة قضايا مثل إقامة دولة فلسطينية.
وتوالت الانتقادات الروسية لطريقة تعامل الجيش الإسرائيلي مع المدنيين في غزة ورفضه التوصل إلى اتفاق لوقف النار. وارتفعت حدة ووتيرة الإدانات الروسية لإسرائيل بعد الهجوم على القنصلية الإيرانية في دمشق، وعمليات الاغتيال اللاحقة بحق رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" إسماعيل هنية، وهجمات أجهزة البيجر والضربات على لبنان، واغتيال زعيم "حزب الله" حسن نصرالله.
في 28 سبتمبر الماضي، دانت الخارجية الروسية اغتيال إسرائيل حسن نصرالله، ووصفت استهدافه بالجريمة السياسية
وفي 28 سبتمبر/أيلول الماضي، دانت الخارجية الروسية اغتيال إسرائيل حسن نصرالله، ووصفت استهدافه بالجريمة السياسية.
وعبرت مقالة لافروف المنشورة في مجلة "روسيا في السياسة العالمية" في يوم 4 أكتوبر/تشرين الأول الجاري عن موقف روسيا من الأوضاع في الشرق الأوسط. وشدد فيها لافروف على ضرورة تنفيذ قرارات مجلس الأمن مشيرا إلى أن "المثال الأكثر فظاعة هو المماطلة التي تقترب الآن من ثمانين عاما في التوصل إلى قرارات توافقية بشأن إنشاء دولة فلسطينية مستقلة تتعايش في سلام وأمن مع إسرائيل"، ومع تشديده على أنه "لا يوجد ولا يمكن أن يكون هناك أي مبرر للأعمال الإرهابية التي وقعت يوم 7 أكتوبر 2023"، انتقد استخدام هذه المأساة "للعقاب الجماعي للفلسطينيين".
وتوضح تصريحات لافروف السابقة ما آلت إليه العلاقات الروسية الإسرائيلية، وفي المقابل تتعزز العلاقات الروسية الإيرانية، ويكفي الالتفات إلى حدثين مهمين وهما زيارة رئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين طهران ولقاء كبار المسؤولين فيها نهاية الشهر الماضي، لبحث مستقبل العلاقات الاقتصادية تزامنا مع الضربات الإيرانية لإسرائيل، ولقاء الرئيس فلاديمير بوتين مع الرئيس الإيراني في العاصمة التركمانية عشق آباد يوم الجمعة 8 أكتوبر الجاري، والتحضيرات للتوقيع على اتفاقية التعاون الاستراتيجي التي وافق عليها بوتين مؤخرا.
والمؤكد أن طبيعة علاقات البلدين مستقبلا تحددها نتائج المواجهة الروسية الغربية المفتوحة في عدة أماكن، لإعادة رسم مناطق النفوذ في العالم، وتحديد شكل النظام العالمي الجديد. وتلعب نتيجة الحرب "الوجودية" في أوكرانيا، وتغير التوازنات القائمة حاليا في الشرق الأوسط دورا مهماً في تحديد دور روسيا العالمي الجديد، وهو ما يفسر حدة الانتقادات الروسية للتصرفات الإسرائيلية منذ أحداث 7 أكتوبر 2023، وتزايد حدة ووتيرة الانتقادات كلما ارتفعت مخاطر توسع الحرب في الشرق الأوسط بما يهدد الوجود العسكري الروسي في سوريا، والدور الذي تأمل بلعبه في الشرق الأوسط، أو ظهرت بوادر لانحياز إسرائيل أكثر إلى جانب أوكرانيا في الحرب.