هاريس وترمب... هل من تغييرات كبيرة تجاه الشرق الأوسط؟

تشهد المنطقة تغيرا استراتيجيا كبيرا قد يؤدي إلى إعادة تشكيل موازيين القوى

سام غرين
سام غرين

هاريس وترمب... هل من تغييرات كبيرة تجاه الشرق الأوسط؟

كان دونالد ترمب والحزب الجمهوري واضحين بشأن إيران. حيث حدَّد "مشروع 2025"- وهو البرنامج السياسي الذي أعده خبراء الحزب الجمهوري ومسؤولون سابقون في إدارة ترمب- إيران كواحدة من خمس دول رئيسة تهدد أميركا (إلى جانب الصين وروسيا وكوريا الشمالية وفنزويلا. وتُعد الصين الشاغل الأكبر).

وقد أكد ترمب في يوليو/تموز، وسبتمبر/أيلول أن العقوبات الصارمة ضد إيران خلال فترة رئاسته أضعفتها، وهدد في 25 سبتمبر بشن هجوم على إيران. ودعا مسؤولون سابقون في إدارة ترمب، مثل مايك بومبيو وزير الخارجية الأسبق، وروبرت أوبراين مستشار الأمن القومي الأسبق، ونيكي هايلي سفيرة ترمب لدى الأمم المتحدة، وكريس ميلر آخر وزير دفاع لترمب، إلى زيادة الضغط على إيران، بما في ذلك المزيد من العقوبات، وعلى الدول التي تدعم إيران مثل الصين. ومن المحتمل أن يعود هؤلاء إلى مناصبهم في إدارة ترمب الجديدة.

وبالمثل، يدعو بعض الخبراء الجمهوريين إلى وقف المساعدات الإنسانية لحلفاء إيران في سوريا واليمن. وتجدر الإشارة إلى أن "مشروع 2025" يدعو أيضا إلى دعم المعارضة الإيرانية ضد نظام الجمهورية الإسلامية.

من السهل تخيل ترمب يأمر بشن هجوم قوي على إيران، لكن من الممكن أيضا تخيله يحاول إبرام صفقة جريئة في اللحظة الأخيرة مع طهران

ومع ذلك، لا يقترح الحزب الجمهوري تغيير النظام في إيران. كما يحذر "مشروع 2025" قائلا: "يجب أن يكون التخلص من القادة المسيئين في إيران هو قرار الشعب الإيراني". وقد تجنب ترمب أثناء وجوده في البيت الأبيض المخاطرة بحرب مع إيران، وكان أمره باغتيال الجنرال قاسم سليماني في يناير/كانون الثاني 2020 يهدف فقط إلى ردع إيران. والاستثناء من هذا النهج يكون عند وجود سلاح نووي إيراني. ومن المرجح أن يحث الجمهوريون في الكونغرس (ومعظم الديمقراطيين) وكذلك شخصيات مثل بومبيو وهايلي، ترمب على استخدام القوة العسكرية كخيار أخير إذا كانت إيران على وشك إنتاج سلاح نووي.

نعلم ما سيقوله مستشاروه وحلفاؤه السياسيون، وهو أن ترمب هدد كوريا الشمالية في عام 2017 لكنه لم يهاجمها.

من السهل تخيل ترمب يأمر بشن هجوم قوي على إيران، لكن من الممكن أيضا تخيله يحاول إبرام صفقة جريئة في اللحظة الأخيرة مع طهران، كما فعل مع كوريا الشمالية. بالطبع، سياسة واشنطن تجاه إيران وإسرائيل مختلفة تماما عن كوريا الشمالية.

هل هاريس متشددة؟

في بداية البيان السياسي للحزب الديمقراطي في أغسطس/آب 2024، كان الهدف هو ردع إيران، وانتقد البيان ترمب بشدة لعدم رده العسكري على استفزازات إيران في الخليج، مثل الهجوم الصاروخي الإيراني في يناير 2020 على قاعدة أميركية في العراق بعد مقتل سليماني. ومن المرجح أن تتبع هاريس، بخبرتها المحدودة في الشرق الأوسط، نهج بايدن. وبالتالي، قد ترد هاريس وفريقها، الذي سيضم بعض المسؤولين من فريق بايدن، على تهديد المصالح الأميركية وربما مصالح الشركاء الأميركيين بضرب الميليشيات الموالية لإيران في سوريا والعراق. ولكن، مثل بايدن وترمب، ستحاول هاريس تجنب حرب كبرى مع إيران. وستواجه الضغوط نفسها التي سيواجهها ترمب إذا كانت إيران على وشك إنتاج سلاح نووي. لا يريد ترمب ولا هاريس مواجهة هذا السؤال. وإذا قرر ترمب الهجوم، فمن المحتمل أن يفعل ذلك بشكل أحادي أو ربما بالتعاون مع إسرائيل. أما هاريس، فستسعى إلى بناء إجماع دولي واسع قبل التحرك، وحشد الدعم الإقليمي ودعم الحلفاء في أوروبا وآسيا.

سيسعى ترمب وهاريس لتجديد جهود بايدن لإدخال السعودية في اتفاقات إقليمية مع إسرائيل، لكن من المحتمل أن يختلفا حول معاهدة دفاعية بين واشنطن والرياض

نظرا للتقدم الذي أحرزته إيران منذ اتفاق أوباما في 2015، ليس من الواضح كيف يمكن لهاريس التفاوض على اتفاق جديد. لقد فشل بايدن في ذلك. سيكون من الأسهل على هاريس الاستمرار في نهج بايدن بعدم محاولة وقف مبيعات النفط الإيراني إلى الصين مقابل عدم إنتاج إيران قنبلة نووية. ومن المؤكد أن هاريس ستواجه تشكك الكونغرس، وسيكون من الصعب للغاية الحصول على تصديق في مجلس الشيوخ الأميركي، وهي خطوة تفضلها طهران. وبدلا من ذلك- في غياب المفاوضات- من المرجح أن تفرض هاريس المزيد من العقوبات على إيران والشركات الصينية التي تستورد النفط من إيران إذا حققت إيران تقدما إضافيا في برنامجها النووي.

وتجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من خطاب ترمب المتشدد تجاه إيران، فقد ألمح مرتين في سبتمبر إلى أنه قد يرفع العقوبات عن إيران وروسيا لمنع الاستخدام الأوسع للعملة الصينية في هاتين الدولتين. وبالمقارنة، تؤكد هاريس والحزب الديمقراطي على احتواء إيران أكثر من أي تهديد طويل الأجل لهيمنة الدولار في الأسواق العالمية.

إلى أي مدى يمكن الذهاب مع السعودية؟

أوصى برنامج "مشروع 2025" الجمهوري بتعزيز قدرات المملكة العربية السعودية ودول الخليج بحيث يمكنها أن تفعل المزيد من أجل دفاعها الخاص، وهي فكرة يدعمها أيضا الحزب الديمقراطي. لذلك، سيستمر ترمب وهاريس في برنامج القيادة المركزية الأميركية تحت إدارة بايدن للتدريب مع الدول الإقليمية في مناورات عسكرية جوية وبحرية مشتركة. وسيواصل ترمب وهاريس مبيعات الأسلحة إلى المملكة ودول الخليج كجزء من بناء قدراتها. كما أن المكاسب من مبيعات الأسلحة لصناعات الدفاع الأميركية ستجذب ترمب بشدة. وستكون المخاوف بشأن التغلغل الصيني، وليس حقوق الإنسان، السبب وراء تأخير أي صفقة كبيرة، على الرغم من أن إدارة هاريس ستولي اهتماما أكبر لليمن مقارنة بإدارة ترمب. كما أوصى البرنامج السياسي الجمهوري بمبادرة دبلوماسية أميركية لجمع إسرائيل والهند ومصر ودول الخليج في تحالف لردع إيران، وقد عملت إدارة بايدن بالفعل على بناء علاقات ثلاثية بين الهند وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة.

أ.ف.ب
نائبة الرئيس الأمريكي والمرشحة الرئاسية الديمقراطية كامالا هاريس في تجمع انتخابي في بوجانجلز كوليسيوم في شارلوت بولاية نورث كارولينا، في 12 سبتمبر 2024

بالإضافة إلى ذلك، سيسعى ترمب وهاريس لتجديد جهود بايدن لإدخال السعودية في اتفاقات إقليمية مع إسرائيل، لكن من المحتمل أن يختلفا حول معاهدة دفاعية بين واشنطن والرياض. وقد كان بايدن يرى المعاهدة جزءا من اتفاق شامل لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، ومن المرجح أن تجدد إدارة هاريس المناقشات الفنية بسرعة. وقد أخبر عدد من أعضاء الكونغرس من الديمقراطيين والجمهوريين موقع "سمافور" في 17 سبتمبر أن مجلس الشيوخ منفتح على دراسة معاهدة بشرط أن تشمل تطبيعا مع إسرائيل.

من السهل تخيل أن إدارة هاريس ستحاول إقناع الرياض بقبول التطبيع بأي لغة غامضة قد تحصل عليها واشنطن من تل أبيب بشأن إمكانية قيام دولة فلسطينية في مستقبل غير محدد دون أي خطوات أو جداول زمنية مرحلية. لكن الرياض ستكون هي صاحبة القرار بشأن قبول الضمانات الأميركية.

ألغت إدارة ترمب جميع التمويلات الأميركية لـ"الأونروا" عام 2019. ومن المستحيل تخيل أن إدارة ترمب الجديدة ستسعى لدفع حل الدولتين، ومن السهل تخيل أنها ستعطي إسرائيل حرية مطلقة في غزة

في المقابل، يرى دونالد ترمب أن التحالفات الرسمية تشكل التزامات للأميركيين دون التزامات مقابلة من الحلفاء. وقد أظهر استياءه من حلف شمال الأطلسي (الناتو) والتحالفات العسكرية مع اليابان وكوريا الجنوبية، مما يشير إلى أنه لن يتسرع في إنشاء تحالف جديد مع المملكة العربية السعودية. ومن الجدير بالذكر أن ترمب رفض استخدام القوات العسكرية الأميركية للرد على الهجوم الإيراني على منشآت "بقيق" في السعودية عام 2019. ومن السهل تخيل أنه في حال سعى ترمب إلى إبرام معاهدة دفاعية ثنائية مع السعودية، فإنه سيطالب المملكة أو حتى إسرائيل بتمويل كافة التكاليف التي تتحملها الولايات المتحدة لنشر القوات العسكرية. وسيكون ترمب أكثر اهتماما بالصفقات التجارية مع دول الخليج، بما في ذلك الطاقة والطائرات، والقطاعات التي قد تحاول الصين التوغل فيها بعمق داخل السوق السعودية.

فلسطين: لا مساعدة كبيرة من أي طرف

مهما كان ما يمكن أن تحصل عليه الرياض بشأن القضية الفلسطينية من إدارة هاريس فإنه سيكون أكبر مما قد تحصل عليه من ترمب. فخلال حملته الانتخابية لعام 2024، أشاد ترمب بالعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة وتعهد بدعم إسرائيل بالكامل. كما وصف ترمب بعض الديمقراطيين، بمن فيهم الرئيس بايدن، بـ"الفلسطيني" من قبيل الانتقاد، بسبب تردد بايدن بعض الشيء في تزويد إسرائيل بالقنابل الكبيرة للحرب في غزة. فمن البيت الأبيض بين عامي 2017 و2020، سعى ترمب وصهره جاريد كوشنر وسفيره لدى إسرائيل ديفيد فريدمان إلى عزل السلطة الفلسطينية ومساعدة إسرائيل على تعزيز سيطرتها على القدس والضفة الغربية. كما نقل ترمب السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وعندما قطعت السلطة الفلسطينية اتصالاتها مع إدارة ترمب، أغلق مكتبها في واشنطن. وفي عام 2019، ألغى ترمب جميع المساعدات الاقتصادية والإنسانية للسلطة الفلسطينية، بما في ذلك المساعدات لقوات الأمن الفلسطينية التي كانت تتعاون مع إسرائيل. وعندما حاولت إسرائيل استعادة التمويل لقوات الأمن الفلسطينية، قال ترمب لمساعديه إنه إذا أراد نتنياهو مساعدة قوات الأمن الفلسطينية، فعلى إسرائيل دفع الثمن.

وبالمثل، ألغت إدارة ترمب جميع التمويلات الأميركية لوكالة "الأونروا" في عام 2019، حيث اتهمها مايك بومبيو، ونيكي هايلي، بسوء الإدارة وتشجيع الإرهاب الفلسطيني. ومن المستحيل تخيل أن إدارة ترمب الجديدة ستسعى لدفع حل الدولتين، ومن السهل تخيل أنها ستعطي إسرائيل حرية مطلقة في غزة.

وفي المقابل، ستُظهر كامالا هاريس تعاطفا أكبر، على المستوى اللفظي، مع الفلسطينيين مقارنة بإدارة ترمب. ففي مارس/آذار 2024، تحدثت هاريس بصدق عن معاناة المدنيين الفلسطينيين في غزة وطالبت إسرائيل بالسماح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية، وهو ما لم يفعله بايدن بالطريقة نفسها. ومع ذلك، لم يكن لكلماتها تأثير كبير على حكومة نتنياهو.

لا يملك خبراء السياسة الخارجية في الحزب الديمقراطي أفكارا مبتكرة حول كيفية تحقيق حل الدولتين أو حتى كيفية إجبار إسرائيل على قبول عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة

وخلال حملتها، تجنبت هاريس مقابلة نشطاء الحزب الديمقراطي الذين طالبوا بفرض حظر على تسليم الأسلحة لإسرائيل. ولم تسمح أيضا لهؤلاء النشطاء بالتحدث في المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي. وبدلا من ذلك، أكدت هاريس مرارا وتكرارا أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها من الهجمات مثل تلك التي وقعت في 7 أكتوبر، وأن واشنطن ستوفر لإسرائيل جميع الأسلحة التي تحتاجها للدفاع عن نفسها.

ومن الجدير بالذكر أيضا أن إدارة بايدن لم تلتزم بوعدها بإعادة فتح مكتب "منظمة التحرير الفلسطينية" في واشنطن أو إعادة فتح القنصلية الأميركية العامة في القدس، التي كانت مسؤولة عن العلاقات الثنائية مع السلطة الفلسطينية حتى أغلقها ترمب. (عارضت الحكومة الإسرائيلية هذا التعهد ولم يتخذ البيت الأبيض أي إجراءات إضافية).

أ.ف.ب
الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب في تجمع انتخابي في توسون بولاية أريزونا، في 12 سبتمبر 2024

وقد تحدثت هاريس عن الحاجة إلى ضمان الأمن والحرية للفلسطينيين. ومن المرجح أن تسعى إدارة هاريس إلى الحفاظ على المساعدات الاقتصادية والإنسانية التي أعاد بايدن إطلاقها للسلطة الفلسطينية. ومن المحتمل أيضا أن تحافظ إدارتها على التواصل مع السلطة الفلسطينية، والتي قد تتخيل في البداية تولي مسؤوليات إدارية في غزة ما بعد الحرب. وقد تفرض عقوبات على بعض المستوطنين الذين يسيئون معاملة الفلسطينيين في الضفة الغربية.

ومع ذلك، لا يملك خبراء السياسة الخارجية في الحزب الديمقراطي أفكارا مبتكرة حول كيفية تحقيق حل الدولتين أو حتى كيفية إجبار إسرائيل على قبول عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة. الجناح اليساري في الحزب الديمقراطي مستعد لممارسة ضغط جدي على إسرائيل؛ حيث يدفع السيناتور بيرني ساندرز باتجاه فرض حظر على الأسلحة. ومع ذلك، فقد خسر الجناح اليساري في الحزب عضوين بارزين في الكونغرس كانا يؤيدان الضغط على إسرائيل بعد أن خسرا الانتخابات الأولية في نيويورك وميسوري.

وفي المقابل فإن حلفاء إسرائيل أقوياء في الكونغرس، ولم تظهر هاريس أي رغبة في مواجهتهم بسياسات صارمة لانتزاع تنازلات من تل أبيب. ومن المرجح أن تخوض معاركها السياسية حول قضايا داخلية أخرى. لذلك، رغم أن إدارة هاريس قد تبدو أكثر توازنا من إدارة ترمب في مسألة فلسطين، فمن المحتمل أن تتغير قليلا على أرض الواقع.

font change

مقالات ذات صلة