الكورية الجنوبية الفائزة بنوبل الآداب هان كانغ: الحياة جرح

أول آسيوية والمرأة الـ 18 التي تحصل على الجائزة

هان كانغ الفائزة بجائزة نوبل للآداب 2024.

الكورية الجنوبية الفائزة بنوبل الآداب هان كانغ: الحياة جرح

بثماني روايات وثلاث مجموعات قصصية ومجموعة شعرية فازت الكاتبة الكورية الجنوبية هان كانغ بجائزة نوبل للآداب للعام 2024 بفضل "سردها الشاعريّ المكثَّف الذي يواجه الصدمات التاريخية ويعرّي هشاشة الحياة البشرية"، وفق إعلان ماتس مالم السكرتير الدائم للأكاديمية السويدية. تعد كانغ المرأة الثامنة عشرة الحاصلة على جائزة نوبل للآداب وأول امرأة آسيوية تفوز بهذه الجائزة الرفيعة في الآداب.

وفي مقابلة مباشرة بعد إعلان الفوز قالت الكاتبة السويدية آنا كارين بالم، عضوة الأكاديمية السويدية، إن كتابة كانغ غنية ومعقدة للغاية وتتنوع بين العديد من الأنواع الأدبية من خلال سردها الغنائي المكثف الرقيق والوحشي، بل والسوريالي أحيانا، رغم لعبها المستمر على ثيمات واضحة، ولكن التنوع الأسلوبي الكبير يجعل كلّ كتاب من كتبها فتحا جديدا أو تعبيرا جديدا عن هذه الثيمات الأساسية التي تعالجها.

وُلدت هان كانغ في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 1970 في مدينة غوانغجو في الجنوب الغربي من كوريا الجنوبية، سادس أكبر مدينة في البلاد.

درست كانغ الأدب الكوري في جامعة يونسي في العاصمة سيول وكانت باكورة أعمالها المنشورة خمس قصائد في مجلة "الأدب والمجتمع" في العام 1993 ثم فازت في العام التالي بجائزة مسابقة "سبرينغ ليتراري 1994" المخصصة للكتّاب الشباب التي تعد بوابة الكتّاب الجدد الى عالم النشر في كوريا وتختار الصحف الكبرى في كوريا الجنوبية الفائزين فيها كل عام، عن قصتها القصيرة "المرساة الحمراء"، لتنشر بعدها مجموعتها القصصية الأولى بعنوان "الحب في يوسو" في عام 1995، التي عادت فيها إلى بداية عشريناتها لتكتب عن الحب في مدينة يوسو الساحلية الخلابة، وعن ذكرياتها وعن الحزن المشؤوم المترسّخ في حياة البشر والغنائية الحزينة للحياة وتلك النظرة المأسوية الى العالم، وقد وصفها أحد النقاد الأدبيين الكوريين الجنوبيين عند صدور هذه المجموعة القصصية بأنها "أصغر الكتّاب الكلاسيكيين في عصرنا".

وصفها أحد النقاد الأدبيين الكوريين الجنوبيين عند صدور هذه المجموعة القصصية بأنها "أصغر الكتّاب الكلاسيكيين في عصرنا"

كثير من الكتب قليل من المفروشات

"كانت الكتب أشبه بمخلوق يتمدّد من حولي يوما بعد يوم وأسبوعا بعد أسبوع وشهرا بعد شهر"، هكذا وصفت هان كانغ حياتها عندما كانت صغيرة، في مقابلة مع متحف لويزيانا للفن الحديث عام 2020، وتحدثت عن والدها الروائي الفقير وعن المفروشات القليلة التي احتواها منزلهم وعن التنقلات المتكررة من منزل إلى آخر ومن مدرسة إلى أخرى حيث وجدت حمايتها الوحيدة في الكتب.

YONHAP / AFP
صورة غير مؤرخة تُظهر الكاتبة هان كانغ تلقي خطابا في غوانغجو.

كتب النقاد عن رواية كانغ الأولى الطويلة التي أمضت في كتابتها ثلاث سنوات متوالية، "الغزال الأسود" 1998، والتي نشرت بالكورية والصينية، إنها من أعظم الإنجازات الأدبية في تسعينات القرن العشرين، تتحدث عن قرية يونيتشول وتغوص في رمزية الحكاية الصينية القديمة للحيوان الأسطوري، الغزال الأسود، الذي يعيش في أعماق الأرض ويحلم بالصعود إلى سطحها ورؤية ضوء الشمس، ولكنه عندما يتمكن من ذلك يذوب بمجرد أن تلامسه أشعة الشمس. استحقت هذه الرواية برأي النقاد صفة الرواية الواقعية بجدارة، كونها تواجه روح العصر بتماسك سردي وتفاصيل دقيقة وتركيب سردي لا يعاني القفزات المتكررة أو الانقطاعات غير المبررة، والصور المتوافقة والمنسجمة بعضها مع بعض. وكانت أكثر العبارات التي اشتهرت من هذه الرواية تلك العبارة الوجودية: "الحياة جرح".

وفي 2002 نشرت كانغ روايتها الثانية، "يداك الباردتان"، التي قالت عنها إنها "قد غيرت عينيّ وأذنيّ وغيرت الطريقة التي أعشق بها، ونقلت روحي بهدوء وصمت إلى مكان بكر لم أكن قد وطئته من قبل". كتب نحّات مهووس بصنع قوالب من الجبس لأجساد النساء، مخطوطة يتحدث فيها عن هوسه وفنه وأعادت كانغ كتابتها في رواية غاصت فيها في مصاعب الحياة والوجود وغرزت أظفارها في جروح الحياة العميقة.

JUNG YEON-JE / REUTERS
هان كانغ، الفائزة بجائزة نوبل للآداب 2024، في مؤتمر صحافي بكوريا الجنوبية، 2016.

كان على كانغ الانتظار حتى عام 2010 لتنشر روايتها "هبت الرياح، ارحل"، التي استغرقت منها أربع سنوات و6 أشهر، وتكتب فيها عن وفاة رسامة واعدة في ظروف غامضة بعدما اضطرت أن تبقى لفترة طويلة تصارع الموت وتلتقط أنفاسها على جهاز التنفس الاصطناعي عند تلك الحدود الغامضة بين الحياة والموت. قالت كانغ عن عملها هذا إنها "أرادت كتابة رواية تكسر شكل الرواية نفسها وتمتلك جسم الرواية في الوقت نفسه". تتعمق الرواية في أصل الحياة وفهم الآخرين ومحبتهم وتلك الرغبات المظلمة في دواخلنا وإعادة بناء ذكرياتنا وتلك الإرادة الصلبة للحياة.

تواجه هانغ روح العصر بتماسك سردي وتفاصيل دقيقة وتركيب سردي لا يعاني القفزات المتكررة أو الانقطاعات غير المبررة

 

الكتابة في الدرجة صفر

في روايتها التالية، "دروس اليونانية" 2011، تغوص كانغ في مشاعر الحب الرقيقة وعمق الارتباط الإنساني وأقصى درجات الحميمية، وتقص علينا حكاية شابة في سيول تفقد قدرتها على الكلام أمام مدرس اللغة اليونانية، وينجذب المدرس إلى تلك الفتاة البكماء لندرك أنه أيضا يفقد بصره شيئا فشيئا، حيث يوحدهما الألم. تعيش الشابة محنة فقدانها والدتها وحضانة ابنها ذي السنوات التسع، ويعيش المدرس ألم تشظيه بين ثقافتين ولغتين، وتلاشي النور من عينيه. وصفت ناقدة أدبية كلمات كانغ بـأنها "تتصاعد من ركام اللغة المتفحمة التي ظننا أنها قد احترقت تماما... ثم ندرك فجأة أننا في سبيل مواجهة الرغبات الحقيقية التي تتذكرها أجسادنا، لا بد أن ننزل في الكتابة إلى الدرجة صفر".

YONHAP / AFP
الكاتبة هان كانغ، الفائزة بجائزة نوبل للآداب 2024، في مؤتمر صحافي في سيول.

لا تلبث هان كانغ بعد الكتابة "في الدرجة صفر" أن تغوص في ذكريات الانتفاضة الطالبية التي اندلعت في غوانغجو في كوريا الجنوبية في عام 1980، لتنشر روايتها التالية، "أفعال بشرية" 2014، فقد قمعت الانتفاضة بوحشية منقطعة النظير، وتتحدث الرواية عن شاب يبحث عن جثة صديقه، في بلد تعرض للوحشية المفرطة، في زمن كان البلد بأكمله يبحث عن صوته الحقيقي، وجيل كامل يبحث عن تجلّ حقيقي لهويته، إذ تكتب عن تلك الانتفاضة التي فقد فيها أكثر من 100 طالب ومدني حياتهم، وتظهر كيف تتشابك حيوات الأحياء والأموات على الدوام وكيف يتسرب هذا النوع من الصدمات من جيل إلى جيل، وكل ذلك بواسطة سرد رقيق دقيق يمكن اعتباره بحد ذاته قوة مضادة لذلك السعي الوحشي المحموم للسلطة.

REUTERS
كتب هان كانغ معروضة في الأكاديمية السويدية بعد فوزها بجائزة نوبل، 10 أكتوبر 2024.

 صدرت هذه الرواية مترجمة بالعربية عن الكورية مباشرة عن "دار التنوير" (2020) بترجمة الكاتب والطبيب والمترجم المصري محمد نجيب.

حبوب بيضاء صغيرة

"كل تلك الساعات التي ضلّت فيها الطريق وسقطت في دوامة من التردد والشك، كم عددها؟ كم عدد تلك الحبوب البيضاء الصغيرة؟"، نقرأ هذا المقطع في كتاب هان كانغ التالي، "الكتاب الأبيض" 2016، الذي وصل إلى القائمة القصيرة لجائزة "مان بوكر" الدولية للعام 2018، وصدر بالعربية مترجما عن الكورية مجددا لدى "دار التنوير" (2019) بترجمة محمد نجيب.

تتعمق الرواية في أصل الحياة وفهم الآخرين ومحبتهم وتلك الرغبات المظلمة في دواخلنا وإعادة بناء ذكرياتنا وتلك الإرادة الصلبة للحياة

 

تخيم على ذهن هان كانغ بعدما وجدت نفسها في وارسو التي تختزن طبقات عميقة من العنف والماضي المؤلم، ذكرى أختها الكبرى التي فارقت الحياة بعد ساعتين من ولادتها. فتنطلق كانغ في رحلة تستكشف فيها كل الأشياء البيضاء من حولها، من الأبواب إلى الثلج إلى الأقمشة إلى ملابس أختها إلى حليب الأم إلى كلب أبيض إلى الغيوم إلى القمر إلى الملح وغيرها الكثير من الأشياء، في لغة شاعرية تتوزع على 65 حكاية تحت ثلاثة عناوين فرعية: "أنا" و"هي" و"كل البياض".

النباتية

حازت رواية "النباتية" لهان كانغ جائزة "مان بوكر" الدولية 2016 للرواية المترجمة، وقد كانت في حينها أول رواية لها تترجم إلى اللغة الإنكليزية، وصدرت هذه الرواية عن "دار التنوير" 2018، بترجمة عن الكورية للمترجم والناقد المصري الدكتور محمود عبد الغفار.

AFP
هان كانغ، الفائزة بجائزة "مان بوكر" الدولية، خلال مؤتمر صحافي في سيول، 24 مايو 2016.

تبدأ الرواية على لسان الزوج: "قبل ان تصبح زوجتي نباتية، كانت إنسانة عادية تماما في كل شيء". تتكرر كوابيس غريبة عند يونغ -هي الزوجة العادية المطيعة فتقرر أن تصبح نباتية ترفض أي نوع من أنواع اللحوم. ويذهل زوجها من قرارها ويحاول بكل الوسائل السادية ثنيها عن قرارها، ويتدخل والدها القاسي أيضا محاولا إجبارها على أن تعود إنسانة طبيعية وتتناول اللحم مجددا، حتى تصل إلى محاولة الانتحار وتدخل المستشفى. ينجذب زوج أختها الرسام إلى هذه الفكرة، ويأتي الجزء الثاني من الرواية على لسانه بعد أن تصبح يونغ محور أعماله الحسية والمضطربة والمليئة بالتخيلات الجنسية. وفي الجزء الثالث الذي ترويه الأخت تبين مدى تفكك عائلتها وانهيار زواجها وتتأمل في مدى مسؤوليتها عن الحال الذي وصلت إليه أختها. وتغوص يونغ-هي في تهيؤاتها محاولة الخلاص من جسدها المسجونة فيه والتحوّل إلى شجرة.

JUNG YEON-JE / AFP
شخص يتابع أخبار فوز هان كانغ بجائزة نوبل في محطة قطار، 10 أكتوبر 2024.

طائر جائع وذاكرة حارة

تعود هان كانغ مجددا إلى العبث بالذاكرة وبصحائف التاريخ لتغمسها بالحب والصداقة والألم في روايتها "لا أقول وداعا" 2021، وفيها تطلب إنسون من مرقدها في المستشفى بعدما قطعت إصبعيها بآلة تقطيع الخشب من صديقتها جيونغها التي لم ترها منذ عام كامل، أن تستقل طائرة إلى بيتها في الجزيرة لتطعم طائرها الذي لم تستطع أخذه معها إلى المستشفى. ولكن جيونغها تواجه عاصفة شديدة وتبذل جهدا كبيرا للوصول إلى منزل إنسون، لتجد في المنزل مئات الوثائق والأوراق التي توثق واحدة من أفظع المجازر التي عاشتها كوريا في تاريخها بين عامي 1948 و1949 والتي قتل فيها أكثر من 30 ألف مدني لكونهم شيوعيين.

حازت رواية "النباتية" جائزة "مان بوكر" الدولية 2016 للرواية المترجمة، وكانت في حينها أول رواية لها تترجم إلى اللغة الإنكليزية

ماذا تشعر الكلاب عندما تغيب الشمس؟

تضم المجموعة القصصية الثانية التي نشرتها هان كانغ بعنوان "ثمرة امرأتي" 2000، ثماني قصص قصيرة شاعرية تتنوع عناوينها بين "يوما ما سيفعل"، التي تتحدث عن عامل توصيل يعيش حياة رتيبة ويقع في حب امرأة أثناء عمله، ولكن جدالا بسيطا ينشب بينهما يؤدي إلى انقطاع هذه العلاقة، وقصة "بوذا الصغير" التي تتحدث عن استحالة العلاقة بين زوجين بسبب الندوب على جسد الزوج، وقصة "ماذا تشعر الكلاب عندما تغيب الشمس؟" التي تغوص في مشاعر طفل يبحث مع والده العاطل عن العمل عن والدته التي هربت من المنزل، ويصل به الأمر الى رؤية والده يحاول إطعامه خبزا مسموما.

أما القصة الرئيسة التي تحمل عنوان المجموعة القصصية "ثمرة امرأتي"، فهي عن امرأة فقيرة تعيش عند البحر وتطمح للذهاب إلى آخر العالم، ولكنها تكتفي لاحقا بالزواج والاستقرار وترضى بالحب كغاية نهائية للسعادة. وعندما تصبح الحياة مع زوجها غير محتملة وتفشل في الهروب، تطلع إلى الشرفة وتتحول إلى نبتة، وتحلم أن تتطاول لتخترق السقف. وفي القصة الأخيرة التي جاءت بعنوان "في الزهرة الحمراء"، تغوص مجددا في وجهات النظر البوذية إلى العالم.

JUNG YEON-JE / AFP
شخص يشاهد بثا إخباريا عن هان كانغ في محطة قطار في سيول، 10 أكتوبر 2024.

ونشرت هان كانغ مجموعتها القصصية الثالثة بعنوان "السلمندر الناري" 2012، التي تتضمن سبع قصص قصيرة كتبتها على مدى سبعة أشهر ونشرتها تباعا على مدى اثنتي عشر عاما حتى جمعتها في هذا الكتاب. تستكشف هان كانغ في هذه المجموعة أصل الوجود والعالم، وتحلل الألم وآثاره على النفس البشرية، والدروع الوجودية التي تضعها الشخصيات على أرواحها حتى تتمكن من مواجهة الحياة، وقد تنوعت عناوين القصص بين "الإنسان المتعافي" و"أوروبا" و"هونغا" و"الأبدية المنقوشة بالأصفر" وغيرها.

"أضع المساء في الدرج"

نشرت هان كانغ مجموعتها الشعرية الوحيدة بعنوان "أضع المساء في الدرج" 2013، التي ضمت العديد من القصائد وجدنا منها ما ترجمته صوفي باومان إلى الإنكليزية بعنوان: "الشتاء عبر المرآة":

"عيناي بقايا شمعتين

تقطّران الشمعَ وتنهبان الفتيل

لا أحترقُ ولا أتألّم

يقولون إن ارتعاش اللهب الأزرق مَهبطُ الأرواح

تتراقصُ الأرواح على عينيّ

وترتجفُ، وتدندنُ،

يتأرجحُ اللهبُ في المسافة ليبتعدَ أكثر فأكثر،

غدا سترحل إلى أبعدِ بلادٍ

ها أنا أشتعلُ،

وها أنتَ تضع يديكَ في قبرِ الفراغ وتنتظر

تنهشُ الذاكرة أصابعَكَ كأفعى،

لا تحترقُ ولا تتألّم

ووجهكَ الثابت الذي لا يتزعزع

لا يحترق ولا يتشظى".

font change

مقالات ذات صلة