الكاتبة الإماراتية لولوة المنصوري: الخيال منقذ ومحرّر

السرد البحثي يؤثث دربه بالحذر والشك والاحتمالات

Al Majalla
Al Majalla
كولاج لأعمال الروائية لولوة المنصوري

الكاتبة الإماراتية لولوة المنصوري: الخيال منقذ ومحرّر

يحتلّ المكان موقعا جوهريا في أعمال الروائية والباحثة الإماراتية لولوة المنصوري، ولاسيما إمارة رأس التي حضرت في روايتها الأولى "آخر نساء لنجة"، ثم في "خرجنا من ضلع جبل"، كما يحضر المكان بقوة في أعمالها البحثية ومنها "تنوير الماء: رحلة إصغاء لتيار الخيال الإنساني في الإمارات".

والمنصوري الحاصلة على عدد من الجوائز من بينها "جائزة الشارقة للإبداع العربي"، و"جائزة الإمارات للرواية"، عملت على إبراز الإنتاج الإبداعي الإماراتي من خلال عدد من الكتب التي أظهرت في اثنين منها تجارب كُتاب القصة القصيرة، وربما ينبع هذا من تجاربها القصصية فلا يهم عند الكاتبة أي مجال أدبي تختاره أو ربما يقودها، إذ تصف الكتابة بأنها "رحلة ومغامرة". "المجلة" التقت المنصوري وأجرت معها هذا الحوار.

كونك تنتمين إلى جلفار في إمارة رأس الخيمة، هل أثر ذلك على علاقتك بالمكان الذي كثيرا ما تجسدينه في أعمالك؟

قد يبدو الصلصال الأوليّ للكتابة الجلفارية كتلة واحدة ملمومة ومنصهرة داخل طبقات كيان بدئي قديم، كيان من وجع اليابسة والغرق ومعاناة السلالات، شيفرة أبجدية عتيقة.

غير أن لكل كاتب من كُتّاب إمارة رأس الخيمة فضاء وحجر وطريقة يُخزّف بها البُعد الجوهري والألق الداخلي لكتلة الوجع الخاص، لعلها مدرسة أدبية جلفارية ضاربة الجذور والجينات يتعذّر تحديد مبتدئها، ولا يمكن أن تغفل عنها الدراسات الحديثة، بدأت تتشكّل كقوة حيّة مندفعة من السلالات نحو المستقبل، على البحر والهواء والقاع والطّيف، تلامذتها أبناء الزّمن وعروقه، وقد يلحظ ذلك القارئ البعيد حين يقترب من رسم ملامح عامة عن الأدب الإماراتي المعاصر، فيخصص دفقا هائلا من السبر القرائي لكُتّاب جلفار، فثمة بين هؤلاء الكتاب من يحتويه حسّ سرّي هائج وغامض ومتجسّد من خلال حضور فاعل وواضح مع الأفق الملحمي الحدسي.

ليس هناك حقيقة مطلقة أو معلومة تاريخية مؤكدة، بالأخص أننا لا نتعامل مع سرد مقدس

مدارات الخيال

لماذا اخترت الاستناد على التاريخ في أحداث روايتك الأولى "آخر نساء لنجة"؟

لنجة تمثل بشكل عميق المدينة والمرفأ البحري الحاضر الغائب، الكتابة عنها أشبه بالدخول في متاهة التاريخ، لذا وجدتني وأنا أكتبها أسبر متاهة موغلة في الغموض والغياب، إذ أن الوثائق شحيحة، وليس لدي مخزون معرفي كاف سوى تلك السرود والمرويات الشعبية والحكايات الموروثة التي يمكن أن تعزز المساحة التاريخية لتلك المنطقة المبهمة، والتي من خلالها يمكن الانطلاق لبناء عوالم الرواية، وبالتالي يمكن اللجوء إلى التخييل التاريخي باعتبار أن ليس هناك حقيقة مطلقة أو معلومة تاريخية مؤكدة، بالأخص أننا لا نتعامل مع سرد مقدس.

غلاف رواية آخرنساء لنجة

لجأت إلى الخيال واقتربت من الأسطورة في روايتك "خرجنا من ضلع جبل"، إلى أيّ مدى جعلك الخيال حرة في تحريك الأحداث؟

الخيال نبض تتسع من خلاله أوردة السرد، وتنتعش المدارات بالابتكار واستحداث الجديد من الفكرة والمضمون، ومن أنسجته تتدفق مساحات حرة وآفاق ماورائية باعثة على التأمل والتأويل وتجديد الحوار ما بين القارئ والنص. كما أننا بالخيال نتحرّر من تمجيد الوقائع وتجديل الأفكار الموروثة عبر الزمن، ونتحرر من مُساءلتنا حول مدى تحقق التوافق والتطابق النصي والمشهدي مع واقع الكاتب وحياته وأفكاره. الخيال منقذ ومُحرّر.

غلاف رواية خرجنا من ضلع جبل

من عالم المخطوطات

لماذا انتقلتِ إلى البحث وأصدرت عدة كتب أولها "تنوير الماء"؟

السرد البحثي هو غوص يتحرى الدّقة أكثر، ويؤثث دربه بالحذر والشك والاحتمالات والإيمان بعدم وجود شيء قاطع، فكل ما نجمعه ونستعرضه ونضيف إليه ليس إلا في حقيقته محض فرضيات، وهنا تكمن متعة المبحوث عنه، إنه قابل للتجدّد والتداول والنقاش والعرض. فارتحلتُ إلى الماء الذي صار هاجسي، مرة عبر رؤيا تنبئية لأحوال الماء في المستقبل، فكتبتُ "قوس الرمل ملهاة المهد والماء" ثم عدتُ لأروي رحلة الماء الأول الحر والمتحرّر في الإمارات عبر عمل بيوغرافي أقرب للتأمل والتداعي الروحي بالمسيرة التاريخية والجيولوجية للماء.

غلاف كتاب تنوير الماء

من الشهادات الحاصلة عليها دبلوم ترميم الوثائق والمخطوطات، هل من الممكن أن نرى لك إصدارا جديدا في مجال تحقيق المخطوطات؟

لا أعتقد حتى الآن أن هناك فكرة لإصدار كتاب مختص بالمخطوطات، لأن أساس فكرة الدراسة بُنيت على مبدأ الاستلهام من عالم المخطوطات، وربما أقدم على عمل روائي أو قصصي مُستلهم من المخطوط.

الخيال نبض تتسع من خلاله أوردة السرد، وتنتعش المدارات بالابتكار واستحداث الجديد

تعاونت مع القاص الإماراتي محسن سليمان في إصدار كتاب "كلنا السدرة.. كلنا نشيد الموجة" ماذا عن هذا الكتاب؟

يعد هذا الكتاب امتدادا لكتاب صدر في ثمانينات القرن الماضي من ضمن منشورات "اتحاد كتاب وأدباء الإمارات"، وكان بعنوان "كلنا كلنا كلنا نحب البحر"، فهو يرفد الأدب القصصي الإماراتي ويضيء على الجديد الذي كُتب بين عامي 1999 و2015، وكانت الحصيلة 19 قصة قصيرة، منها 16 قصة بأقلام كاتبات إماراتيات، وثلاث قصص فقط بأقلام كتّاب إماراتيين.

الروائية لولوة المنصوري

القصة اليتيمة

كان لك تعاون آخر مع محسن سليمان وهو جمع وإعداد كتاب "القصة اليتيمة في الإمارات: هذا امتدادي هذا البحر" لماذا برأيك لم يكمل أصحاب القصة الواحدة التجربة؟

الكتاب يحتفي بذاكرة أدبية تكاد تكون منسية في الثقافة المحلية، حيث يعيد بعث وإحياء 18 قصة قصيرة، لم يكمل أصحابها الكتابة لجملة من الأسباب التي من الممكن أن نخمنها أهمها: الانشغال في المناصب والمهام الإدارية، أو الانتقال نحو فنون إبداعية أدبية أخرى مثل المسرح والتشكيل أو كتابة المقال، وأعتقد أن لكل كاتب أسبابه الخاصة.

لولوة المنصوري وكتاب قفص الأمواج

جمعت مقالات الشاعر الراحل أحمد راشد ثاني في كتاب "قفص الأمواج - مقالات في المعنى والوجود"، هل اتبعت منهجا محددا في جمع هذه المقالات؟

تأتي أهمية هذا الكتاب في كونه جامعا للمقالات والنصوص التي نشرها أحمد راشد ثاني في زاويته الثقافية الأدبية المعنونة بـ "قفص الأمواج" ضمن صفحات الملحق الثقافي لجريدة الاتحاد، ويؤرخ تاريخ نشرها بشكل أسبوعي في 2009. فقد بقي أحمد يُحرّك سطح الحياة الراكدة ويثير الأمواج يوم كل خميس، إلى أن دخل في مرحلة النشر المتذبذب والمتقطع لأسابيع بين 2010 و2012. أُرِّخ المقال الأخير الذي نُشِر بعد وفاته بثلاثة أيام، بتاريخ: 23 فبراير/ شباط 2012، وكان بعنوان: "من دفتر السّر: سارتر، ريتسوس".

والجدير بالذكر، أن ليس هناك توصيف نوعي للمنشورات المضمومة في هذا الكتاب، فهي متنوعة ما بين مقالات الرأي والتأمل والنصوص الشعرية وقراءة الكتب. وقمتُ بتصنيف المحتوى في الكتاب بحسب الثيمة الجامعة، وليس بحسب تاريخ النشر.

font change

مقالات ذات صلة