مع تصاعد الهجوم العسكري الإسرائيلي على لبنان، يفر مئات الآلاف من المدنيين من منازلهم، ما أحال المناطق النابضة بالحياة مدنَ أشباح. وفي غضون أسبوع واحد فقط، قدرت السلطات اللبنانية نزوح قرابة 1.2 مليون شخص- في أقسى أزمة نزوح شهدتها البلاد منذ عقود. وفي حين أن غالبية الفارين لبنانيون، فقد وجد لاجئون سوريون في المناطق المتضررة أنفسهم مجبرين أيضا على البحث عن الأمان في أماكن أخرى.
على مدى أكثر من عقد، اختار 1.5 مليون سوري البقاء في لبنان، ورزحوا تحت ضغط الصعوبات الاقتصادية والعداء المتزايد، حَذَرَ الأذى الذي قد يواجهونه إذا عادوا إلى سوريا. أما الآن، ومع تزايد المشقات وضآلة الدعم، يواجه الكثير من اللاجئين خيارين يلفهما القدر نفسه من المخاطر: البقاء والتعرض لأهوال الحرب مرة ثانية في لبنان، أو العودة إلى سوريا ومواجهة التهديدات التي دفعتهم إلى الفرار في المقام الأول.
وتشير تقديرات السلطات اللبنانية ووكالات الأمم المتحدة إلى أن ما بين 130 ألفا و250 ألفا عبروا الحدود إلى سوريا حتى الثالث من أكتوبر/تشرين الأول، ويعتقد أن غالبيتهم العظمى من السوريين. وفي غياب بدائل أفضل، ينبغي التدقيق بإحكام في استعداد النظام السوري لقبول اللاجئين العائدين الذي أعلن عنه مؤخرا. ولا بد من إنشاء آليات مستقلة وشفافة لضمان سلامتهم عند عودتهم. ففي ظل انعدام مثل هذه الضمانات، يمكن أن تكون المخاطر التي يواجهونها كارثية.
نزوح غير مسبوق
يشهد لبنان حجما وسرعة في النزوح لم يسبق لهما مثيل. ففي ما يزيد قليلا على أسبوع، كان عدد الأشخاص الذين اضطروا للفرار من ديارهم أكبر بكثير من أولئك الذين نزحوا أثناء الصراع بين لبنان وإسرائيل في عام 2006 بأكمله. ومن المتوقع أن يرتفع العدد الحالي– ما يزيد على 1.2 مليون شخص، يمثلون أكثر من 20 في المئة من سكان لبنان– مع اشتداد هجمات القوات الإسرائيلية وتوسيعها وإصدار أوامر جديدة لإعادة التوطين.
ولئن تمكن بعض اللبنانيين من إيجاد حل مؤقت بأنفسهم، فإن ما يزيد على 155 ألف نازح يقيمون حاليا في 851 مركز إيواء مؤقت، ومن بينها المدارس العامة. بيد أن تلك المرافق، التي جرى تحويلها على عجل لاستيعاب هذا التدفق المفاجئ، تعاني من نقص حاد في التجهيزات، وتفتقر إلى الخدمات الأساسية مثل الحمامات والصرف الصحي المناسب والماء الساخن ووسائل التدفئة. ومع ازدحام الكثير من مراكز الإيواء بما يفوق قدرتها الاستيعابية بالفعل، لم يُترك أمام عدد لا يحصى من الناس أي خيار سوى النوم في الشوارع أو على الشواطئ العامة أو في سياراتهم.
والضغوط الهائلة التي تواجهها مراكز الإيواء هذه- والتي تتفاقم بسبب محدودية الموارد، وقلة الاستعداد، والمخاوف من صراع طويل الأمد- تجبر النازحين على مواجهة خيارين أحلاهما مر. فإما أن يتحملوا الظروف المتدهورة في لبنان وإما أن يخاطروا بعبور الحدود إلى سوريا بحثا عن ظروف قد تكون أفضل، كمن يزج بنفسه في المجهول. وعلى الرغم من ارتفاع عدد الذين يغادرون لبنان، يبدو أن معظم النازحين اللبنانيين مصممون على البقاء في بلدهم، حتى في ظل الصعوبات المتزايدة.
الإقصاء من المساعدات الحيوية
بالنسبة لمعظم السوريين الذين يعيشون في لبنان والبالغ عددهم 1.5 مليون سوري، يبقى خيار العودة إلى سوريا خطيرا. ومع ذلك، فإن البقاء في لبنان يفرض تحدياته الخطيرة أيضا، خصوصا في خضم الأزمة الحالية. حيث جاءت الموجة الأخيرة من النزوح في وقت أصبح فيه السوريون في لبنان معرضين للخطر بالفعل، في ظل عمليات الترحيل التعسفية المتزايدة التي يواجهونها، والإخلاء، والعنف الذي تقابلهم به الجماعات الأهلية على مدى السنوات القليلة المنصرمة. واليوم يواجه السوريون النازحون حديثا صعوبات أكبر، حيث أفاد كثيرون منهم بأنهم طُردوا من الملاجئ أو مُنعوا من دخول مؤسسات حكومية بأكملها مثل البلديات.