صدام حسين وجورج بوش... طريق شهرة ومصدر إزعاج في سوريا والكويت

زعماء تركوا أثرا متناقضا في العالم العربي

صدام حسين وجورج بوش... طريق شهرة ومصدر إزعاج في سوريا والكويت

في العقود الماضية، برزت في الشرق الأوسط زعامات استثنائية وقادة تمتعوا بشخصيات مؤثرة، سواء بقدرتهم على فرض سلطتهم ونفوذهم، أو عبر دخولهم صراعات داخلية وخارجية، لتتجاوز شعبيتهم حدود بلدانهم، وفترة حكمهم. هذه الشعبية التي فرضتها حروب وصراعات لا تنتهي في هذا الشرق، دفعت الكثير من الآباء المتأثرين بهؤلاء الزعماء الى تحميل أبنائهم إرثا من الهوية الثقافية والاجتماعية عبر تسميتهم بأسماء زعماء تركوا أثرا متناقضا في مجتمعاتنا العربية.

لكن في مفارقة تبدو كأنها وليدة التاريخ، نجد اليوم شخصين أحدهما سوري يحمل اسم صدام حسين، والآخر كويتي يحمل اسم جورج بوش. ما بين رمزية الاسم وعبء التاريخ، نروي حكاياتهما الشخصية في ظل الصراع السياسي الذي ارتبط به هذان الإسمان في أذهان الناس.

صدام حسين

لا شكّ أنّ الرئيس العراقي صدام حسين كان من الزعماء العرب الأكثر إثارة للجدال، انقسمت حوله الآراء وتباينت بين مؤيد ومعارض، خصوصا خلال حرب الخليج الأولى (الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988) وحرب الخليج الثانية (1990-1991).

ففي حرب الخليج الأولى حظي نظام صدام حسين بدعم من الدول العربية، حيث اعتبره كثيرون سداً منيعاً أمام المخطط الإيراني. فبعد قيام الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979، تأزمت العلاقات السياسية بين العراق وإيران، حيث تبادل البلدان سحب السفراء في مارس/آذار 1980 وخفض مستوى التمثيل الديبلوماسي، وصولا إلى إلغاء صدام حسين في 17 سبتمبر/أيلول اتفاقية عام 1975 مع إيران واعتبار مياه شط العرب كاملة جزءا من المياه الإقليمية العراقية، وقرار شنّ حملةٍ عسكرية ضد إيران في 22 سبتمبر/أيلول 1980.

وفي سنوات الحرب التي امتدت حتى أغسطس/آب 1988، تمتع صدام حسين بشعبية واسعة، فكانت شعبيته في العالم العربي تعتمد بشكل كبير على السياق السياسي والموقف من القضايا الإقليمية والدولية. بالنسبة الى بعض العرب، كان يُعتبر قائدًا قويًا وشجاعًا تحدّى المخطط الايراني، بينما بالنسبة الى آخرين، كان طاغية استبداديًا أضر بمصالح العرب وقمع شعبه.

أ.ف.ب
جنود مشاة البحرية الأميركية بالقرب من صورة للرئيس العراقي الراحل صدام حسين في ملعب ببغداد، إبريل 2003

ومن بين المتأثرين كان والد الشاب السوري صدّام حسين، الذي ولد في ذروة حرب الخليج الأولى، عام 1987، يقول حسين لـ"المجلة" إن "الشارع السوري أظهر في تلك الفترة حماسة واسعة لصدام حسين، رغم التمايز المعروف بين حزب البعث السوري وحزب البعث العراقي، لكن حالة التعاطف الشعبي كانت طاغية حينها، لأسباب عروبية غالباً وأحياناً مذهبية وعشائرية وحتى نظام الحكم بسوريا كان متفهما لهذه الحالة".

ويضيف حسين: "والدي كان من بين المتحمسين لصدام كقائد عروبي في تلك الفترة، وأساساً نحن من عائلة حسين، فكان مناسبا تركيب الاسم على الكنية".

لم يكن اسم صدام حسين غريبا على مسمع صدام الطفل، خصوصا أنّ "الاسم كان يتردد دائما في اذاعات الأخبار، وكان بالنسبة لي الأمر مسليا أن اسمع اسمي في التلفاز"، يقول حسين، "ولكن حين أدركت بالفعل أنّ اسمي يتطابق مع اسم الرئيس العراقي، كنت حينها في المدرسة، وذلك من خلال التعليقات الايجابية للأساتذة والمعلمات. طبعا كان لا بدّ من أن استفسر من أهلي لماذا أطلقوا علي هذا الاسم، وهل فعلا تقصدوا تسميتي على اسم الرئيس العراقي؟ رغم أنّ الأسباب كانت معروفة لي، خصوصا أنني تابعت الأخبار السياسية عبر الراديو والتلفزيون من عمر مبكر، وكنت أرى حماستهم وتعاطفهم مع الرئيس العراقي".

ولكن كيف تقبل صدام حسين الشاب السوري اسمه على مرّ السنوات، خصوصا أنّ صدّام حسين "الأصلي" لم يحظ بالشعبية نفسها التي كان يتمتع فيها أيام حرب الخليج الأولى؟

ولكن كيف تقبل صدام حسين الشاب السوري اسمه على مرّ السنوات، خصوصا أنّ صدّام حسين "الأصلي" لم يحظ بالشعبية نفسها التي كان يتمتع فيها أيام حرب الخليج الأولى، بل كثيرون من المتعاطفين معه انقلبوا عليه بعد غزوه الكويت، "لم يسبب اسمي يوما ما أي إحراج، بل كان مصدر سعادة أحياناً لأنه يولّد الاختلاف والتميز عن المحيط، والأقران، وفي النهاية صاحب الاسم الأساسي كان شخصية محبوبة جدا في سوريا.

صدام حسين السوري

أمّا بالنسبة الى من هم معارضون لسياسة صدّام، فلم أشعر يوما بمضايقة أو اتعرض لموقف مزعج، وخصوصا من قبل الأشخاص الذين ينتمون من بيئة تعتبر ايديولوجيا مناهضة لصاحب الاسم الأصلي، وللمفارقة أنّ معظم أصدقائي هم من هذه البيئة".

ويضيف: "على العموم، شعوري الدائم عندما يعرف الناس اسمي أنّه يترك لديهم نوعا من الإعجاب والمديح، ولم أشعر يوما أن هناك حالة كره للاسم عموما، لذلك لم يكن اسمي يوما مصدر ازعاج، بل كنت أشعر بالتميز عن أقراني خصوصا في المدرسة.

بين جورج بوش الأب وجورج بوش الابن حكاية اجبار صدام حسين على الانسحاب من الكويت، واسقاط حكمه في بغداد، هناك شاب كويتي أثار اسمه ضجة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي لأنه يحمل اسم جورج بوش الأب

وبعد عملي في مجال الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب في سوريا أو في لبنان، كنت اختم تقاريري باسمي "صدام حسين". ترك اسمي حالة استغراب من قبل المستمعين، وفضولا واسئلة عن هوية الصحافي، وخصوصا أنني كنت دائما أظهر بالصوت في نشرات الأخبار، وانتقلت حالة الاستغراب عندما انتقلت الى العمل الصحافي في لبنان، لكن الموضوع لم يتخط الاستغراب والفضول لدى الناس، إلى اي موقف غريب او مزعج.

بل على العكس كنت أرى ان الاسم كان بطاقة عبور الى الجمهور والمجتمع بشكل سريع وحقق شهرة سريعة. بالنسبة الى الصورة والهوية المهنية أحاول دائما أن أخلق شخصية مستقلة. بالطبع ستبقى الناس تربط بين الشخص وصاحب الاسم الاصلي، لكنني أرى هذا الربط يتلاشى بين الناس عندما تتعرف اليّ عن قرب فيصبح الموضوع أمرا عاديا".

ويتابع: "الاسقاطات دائما موجودة ولا أظن أنها تخف مع الزمن، خصوصاً ان صدام قائد غير عادي مع ظروف اعدامه واحتلال العراق، وشخصيته وشعبيته الهائلة حتى الآن في الشارع السوري والعربي عموما".

أ.ف.ب
ساحة السبع بحرات في العاصمة السورية دمشق في 9 يناير 2024

ويختم صدام: "أن أحمل اسم صدام حسين أمر ليس له علاقة بالفخر او عدم الفخر. هنا اتكلم كصحافي وكإنسان، هو مجرد اسم في النهاية، كل انسان يصنع من الاسم شخصية مختلفة، هناك ملايين النسخ من اسم واحد وكل انسان له بصمته الخاصة. بعد دراستي الاعلام انتقلت من معجب بشخصية صدام حسين إلى قارئ موضوعي، فأصبح لدي ارتباط شخصي مع الإسم، خصوصا بعدما درست أساليب شيطنة القادة".

جورج بوش

بين جورج بوش الأب وجورج بوش الابن حكاية اجبار صدام حسين على الانسحاب من الكويت، واسقاط حكمه في بغداد، هناك شاب كويتي أثار اسمه ضجة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي لأنه يحمل اسم جورج بوش الأب، الذي لعب دورًا محوريًا في الاستجابة الدولية لغزو الكويت. وقاد تحالفًا دوليًا ضم أكثر من 30 دولة، تحت مظلة الأمم المتحدة، للضغط على العراق للانسحاب. في البداية، حاول بوش الأب استخدام الضغوط الديبلوماسية والعقوبات الاقتصادية لإجبار صدام على التراجع، لكن مع استمرار العراق في احتلال الكويت، وفي أغسطس/آب 1990، بدأت عملية "عاصفة الصحراء"، وهي حملة عسكرية واسعة النطاق بقيادة الولايات المتحدة لتحرير الكويت. وخلال هذه العملية كان والد جورج بوش المطيري الذي كان يقاوم غزو الكويت أسيرا، "ترك زوجة حاملا وبلدا محتلا، قرر خلال شهور الأسر الستة في العراق أن يطلق على الطفل الذي لم يولد بعد اسم جورج بوش إن كان ذكرا، ومارغريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا حينها إن كان المولود بنتا، وأتيت أنا في عام تحرير الكويت نفسه"، يقول الطبيب جورج بوش المطيري 33 عاما  لـ"المجلة" عن قصة اطلاق اسم جورج بوش عليه.

جورج بوش المطيري

ويضيف بوش كما ينادونه في بيته أنّه "ادرك بالفعل انه يحمل اسم الرئيس الأميركي عندما كان في صف المتوسط تقريباً او اول ثانوي، ردّ فعله اقتصر على سؤال والدته عن سبب تسميته بجورج بوش، روت له القصة كاملة، فوجدتُ في اختيار هذا الاسم قصة كفاح طويلة".

ويؤكد بوش "أنّ أغلب الناس يتفهمون السبب ويقدرون ان الكويت تعرضت لأزمة حينها. ولكن هذا لا يعني أنني لا أرى الصدمة على وجوه اغلب الناس الذين يعرفون اسمي، حتى أنّ كثيرين لا يصدقون الا عندما أبرز لهم هويتي.

أعرف أنّ أغلب الناس يحملون آراء مختلفة عن الرئيس جورج بوش خصوصا غير الكويتيين، لكن اغلب الكويتين يستأنسون عند معرفتهم اسمي لانه يحمل قصة كفاح عظيمة وخاصةً صاحب الاسم ساعد في تحرير الكويت وهذا يعني لنا الكثير ككويتيين.

أ.ف.ب
الرئيس الأميركي جورج بوش، 27 سبتمبر 1991

اما في ما يخص الدول العربية الثانية فاحترم آراءهم واشرح القصة كي يتفهموا الامر".

ويقول بوش إن أطرف القصص التي تعرض لها هي "عند دخولي الولايات المتحدة مع اهلي بدون تفتيش، وقالوا لي في المطار (الرئيس الاميركي لا يفتش)، حتى أنني حصلت على فيزا لدخول أميركا خلال يوم أو يومين أنا وأهلي".

font change

مقالات ذات صلة