"جوكر" 2: معا في الفشل

تود فيليبس لا يفهم الشخصية وأداء فينيكس وغاغا مبتذل

REUTERS/Mario Anzuoni
REUTERS/Mario Anzuoni
أعضاء فريق العمل، ليدي غاغا وواكيم فينيكس مع المخرج تود فيليبس في العرض الأول لفيلم "جوكر: معا في الجنون"، 30 سبتمبر 2024.

"جوكر" 2: معا في الفشل

عندما صدر فيلم "جوكر" Joker في 2019، كان الجمهور متعطشا لإلقاء نظرة جديدة على الشخصية بعد الفشل الذريع في تجسيدها الأخير مع جاريد ليتو في فيلم "كتيبة الإعدام" The Suicide Squad. كيف لا وبطولة الفيلم من نصيب أحد أفضل ممثلي هذا الجيل، واكيم فينيكس. ومع انضمام الممثل القدير روبرت دي نيرو، كانت كل المؤشرات تسير في الطريق الصحيح، والتفاؤل بنجاح هذا الفيلم بلغ أعلى مراحله.

نجحت نسخة المخرج تود فيليبس تلك في إعادة إحياء الشخصية، فأحدث الفيلم ضجة كبيرة ولاقى استحسانا كبيرا من الجماهير، ولسبب غريب كانت هناك تحذيرات من درجة العنف في الفيلم، أقول "غريب"، لأن درجة العنف لم تكن شيئا خارجا على المألوف على الإطلاق، لكن هذه التحذيرات جعلت درجة من الغموض والسحر تكتنف الفيلم، كأنه رواية ممنوعة من النشر. ترشح الفيلم لـ 11 جائزة أوسكار وحصل على اثنتين منها، إحداها كانت أول جائزة اوسكار في مسيرة واكيم فينيكس.

شخصية مفككة

يأتي تود فيليبس بفيلمه الثاني عن الـ"جوكر"، محاولا تقديم نظرة أعمق ودراسة أكثر صدقية للشخصية، وهذه المرة يبدو أن الفشل يأتي كضربة ساحقة على المستوى النقدي والجماهيري، والجماهير التي كانت تتغنى بأداء واكيم فينيكس وتصوير تود فيليبس للرقصة الشهيرة على السلالم في الجزء الأول، تعبر عن سخطها اليوم. فماذا تغير؟ إن نظرة تود فيليبس عن الشخصية لم تتغير قطعا، وأداء واكيم فينيكس لم يتأثر إطلاقا بمرور الوقت، وهناك خيارات سردية غريبة ومحاولات جريئة، لكن أجواء الفيلم وجوهر الشخصية لا يزالان من العناصر المرتبطة ارتباطا وثيقا بالفيلم السابق.

يتركنا ذلك أمام استنتاج قد لا يرغب البعض بالاعتراف به، وهي أن الفيلم الأول لم يستحق نسبة النجاح التي حققها، وأن تود فيليبس لا يفهم الشخصية حقا، لكن الهالة الإعلامية التي أحاطت بالفيلم الأول وتقبل الناس لجوكر جديد من واكيم فينيكس ساهما بشكل كبير في هذا النجاح.

REUTERS/Mario Anzuoni
المخرج تود فيليبس يحضر العرض الأول لفيلم "جوكر: معا في الجنون"، 30 سبتمبر 2024.

قواقع الأمر أن جوكر تود فيليبس شخصية مملة، فهو درامي بإفراط، لا يتخطى كونه واعظا استطاع الانتفاع من موجة سخط مجتمعية على الأوضاع. يحرص فيليبس على تقديم الجوكر في إطار تراجيدي بحت وكأنه يبحث عن تبرير لجرائمه، وكأنه خائف من أن يكون بطل فيلمه شخصا شريرا. فهو حتى لا يقدم صورة رمادية عن هذا البطل وعن الصراعات التي يعيشها، بل يريد أن يبرئه من كل جرائمه في صورة ناصعة البياض.

يتركنا ذلك أمام استنتاج قد لا يرغب البعض بالاعتراف به، وهي أن الفيلم الأول لم يستحق نسبة النجاح التي حققها، وأن تود فيليبس لا يفهم الشخصية حقا


لكنّ نظرة سريعة على تاريخ شخصية الجوكر في الأفلام والقصص المصورة والرسوم المتحركة كفيلة بإثبات أن جوكر تود فيليبس هو أبعد ما يكون عن الجوكر الحقيقي الذي يجسّد الشر والفوضى والظلام. إنه نسخة حساسة يتلاعب بها بسهولة من هم حوله ويقف أمام الجمهور باستمرار ليبرر جريمة ارتكبها أو ليشتكي من ظروفه القاسية وعدم ملاحظة المجتمع له. إنه ليس شريرا يبث الرعب في قلوب أعدائه، بقدر ما هو شخص مثير للشفقة يمكن أن يهجر كل مبادئه ومعتقداته من أجل ذرّة اهتمام.

عيوب واضحة

هذه المشاكل تمثلت في فهم تود فيليبس وتقديمه للشخصية، لكن فيلم Joker: Folie à Deux لديه مجموعة من المشاكل الأخرى التي أثقلت كاهله، والقدسية التي كانت تحيط بأداء خواكين فينيكس والجو الواقعي الذي كان أحد أسباب نجاح الفيلم الأول لم يعودا كافيين لإخفاء العيوب الواضحة. لسبب غير مفهوم، يبدو أن فيليبس نسي كل ما تعلمه في السابق عن كيفية سرد الأفلام، ومن هنا ليس من المنطقي أن نصف نسق الفيلم بأنه بطيء وغير متسلسل، لأن الفيلم لم يمتلك نسقا من الأساس.

Warner Bros
ليدي غاغا وواكيم فينيكس في فيلم "جوكر: معا في الجنون".

يحاول فيليبس حشر العديد من الكوادر الفنية والألوان البراقة في كل مشهد مع العديد من لقطات الحركة البطيئة والمشبعة بالموسيقى لإسباغ طابع الملحمية، لكن إذا كانت كل المشاهد على هذا النحو فهذا يؤدي إلى فقدانها أهميتها. كيف يمكننا كمشاهدين تقدير أهمية هذه المشاهد إذا لم يكن هناك بناء مدروس وترابط سردي يوصلنا إلى نقطة الانفجار؟

تسليط بقعة الضوء على شخصية آرثر فليك في كل مشهد وإعطاؤه سيجارة يدخنها لا يعتبر سردا أو دراسة للشخصية، بل أفكار مراهق عما سيبدو كول للمشاهدين. يبدو فيليبس وهو يحاول إشباع المشاهد بهذا الثقل الفني الزائف نادما على مسيرة مليئة بالأفلام التجارية ويحاول تعويض كل ما فاته في فيلم واحد.

امتلك "جوكر: معا في الجنون" كل مقومات النجاح لكن ذلك كله لا يهم حينما يبدو النص مسودة أولية لم تخضع للتنقيح أو التطوير

الزاوية الموسيقية التي يفرضها المخرج على الفيلم هي محاولة جريئة لتقديم شيء جديد وغير مألوف، ويمكننا أن نكون شاعريين في خصوص هذا الأمر ونقول إن الفن هو عبارة عن محاولة تقديم شيء خارج على المألوف. لكن جوكر في الفيلم الأول لم يُبدِ أي ارتباط حقيقي بموسيقى برودواي، باستثناء مشهد رقصته الشهير، فهو لم يبد اهتماما بالموسيقى على الإطلاق. في بداية الفيلم يقرر آرثر فليك أنه مهتم بالموسيقى وندخل معه في زوبعة من الفصول الموسيقية الفوضوية التي تتوالى دون تبرير أو سبب حقيقي. في الأفلام الموسيقية الناجحة تأتي المشاهد الغنائية كموجة عاطفية ضخمة تغمرنا وتبعدنا عن جو الفيلم الاعتيادي، إنها عبارة عن لمسة إضافية ساحرة وخيالية بعيدة عن اعتياد الحياة الواقعية. أما المشاهد الغنائية في "جوكر: معا في الجنون" فتجعلنا نحنّ إلى جو الفيلم الكئيب والممل لأنها أكثر إملالا منه، هي خارجة على المألوف لكن بطريقة غير صحيحة، تذكرك بأنك أمام عمل مبتذل وزائف وأن الوقت لا يمضي بسرعته المعتادة ولكن ببطء أكبر.

Warner Bros
ليدي غاغا في فيلم "جوكر: معا في الجنون".

ربما أكبر هفوات الفيلم، وهو فيلم حاشد بالهفوات الفنية، أنه كان مملا بشكل قاطع. بالنسبة إلى فيلم يمتلك ممثلين بارعين، من المستحيل وصف الأداء عادة بأنه ممل وإن شابت الفيلم مشكلات فنية وسردية. مع ذلك، فإن فينيكس وليدي غاغا قدما أداءين أجوفين وهما يرددان الحوارات المبتذلة. أداءات تجريدية مليئة بالتكلف والعمق المصطنع. وهذه الأداءات المجوفة تنعكس على غالب الطاقم التمثيلي. الناجي الوحيد من هذه الكارثة هو الممثل الرائع بريندان غليسن.

امتلك "جوكر: معا في الجنون" كل مقومات النجاح: ميزانية ضخمة وحرية لا نهائية في السرد، ونجمان محبوبان من النقاد والجماهير، وجهود ملموسة في جوانب التصوير والديكور والأزياء. لكن ذلك كله لا يهم حينما يبدو النص مسودة أولية لم تخضع للتنقيح أو التطوير.

font change

مقالات ذات صلة