طوال عقدين، بنى "حزب الله" أسطورته على إدراكات خاطئة ومنفصمة عن الواقع وموازين القوى والمعطيات المحيطة، مفادها أن إسرائيل "أوهن من بيت العنكبوت"، وأنها في طور الانهيار وأن قوى المقاومة يمكن أن تهزمها وأن تزلزل الأرض تحتها، في غضون ساعات أو أيام. بيد أن إسرائيل، كما شهدنا، هي التي زلزلت الأرض تحت "حزب الله"، وهزّت أساطيره، بغضون أيام، خاصة في الحدث الكبير المفاجئ وغير المسبوق، بتفجير شبكات اتصاله (17 سبتمبر) واغتيال أمينه العام (27 سبتمبر)، وتصفية معظم قادته العسكريين في تلك الفترة.
في الواقع، لم تتجبّر إسرائيل في تاريخها بقدر تجبّرها في العام الماضي، ما تمثل في حرب الإبادة الجماعية التي شنّتها ضد فلسطينيي غزة واستهدافها للبنان وسوريا واليمن، ومظاهر النفوذ الإيراني في المنطقة، والذي بيّن لامبالاتها بما يسمى "قواعد اشتباك" أو بأسراها في غزة. كما ولا بطول أمد المعركة، وخسائرها البشرية والمادية، وكل ذلك لتحقيق أهدافها في ترويع وإخضاع الفلسطينيين من النهر إلى البحر، وتعزيز مكانتها كدولة رادعة ومقررة في هندسة الشرق الأوسط، وإنهاء ما تعتبره أخطارا تهدد وجودها.
أيضا فإن أسطورة "وحدة الساحات"، لقوى "المقاومة والممانعة"، انكشفت عن وهم كبير، لاهتزاز صدقيتها، ووهن قدراتها. فإيران، نأت بنفسها عمليا، عن حرب إسرائيل في غزة، وفي لبنان، إضافة إلى ترددها، وتدني ردود فعلها على استهداف إسرائيل لها (في أبريل/نيسان الماضي وفي أكتوبر/تشرين الأول قبل أيام)، وإعلامها الولايات المتحدة بذلك بشكل مسبق. وهذا ينطبق على النظام السوري، الذي وضع نفسه سلفا خارج أية استحقاقات تتعلق بوحدة الساحات.