"العلمين الجديدة" وجهة سياحية مصرية تضاهي الأوروبية

القطاع السياحي يتحدّى التوترات الجيوسياسية والإيرادات 6,6 مليارات دولار في النصف الأول من 2024

Shutterstock
Shutterstock
صورة جوية لمدينة العلمين الجديدة، مصر 2 أغسطس 2024.

"العلمين الجديدة" وجهة سياحية مصرية تضاهي الأوروبية

تسعى مصر إلى استغلال ثرواتها بقوة لترويج الاستثمار في المجالات التي حققت نجاحات متتالية. فمنذ إطلاق مدينة العلمين الجديدة، توالت الاستحواذات وإبرام العديد من الصفقات، أبرزها صفقة الاستحواذ على خليج رأس الحكمة الواقع في قلب الساحل الشمالي، والمتاخم للمدن الجديدة كلها مثل مدينة العلمين الجديدة. وباتت هذه المنطقة وجهة استثمارية تتنوع فيها وسائل الترفيه لتضاهي مثيلاتها العربية والأوروبية، واكتسبت زخماً كلاعب رئيس في المنطقة، وأصبحت وجهة أكثر جاذبية من الناحية الاقتصادية لتدفقات الاستثمارات العربية والخليجية في مجالات مماثلة تتعلق بقطاع العقارات والصناعات الغذائية والسياحة.

وتحولت العلمين الجديدة إلى مدينة عالمية للفرص والأحلام للعديد من المستثمرين، كونها تتميز بمستوى خدمات رفيع، وتمتلك مقومات السياحة الدولية التي تؤهلها لجذب مزيد من السياح الذين ينفقون بسخاء. هذا إلى جانب أنها استطاعت أن تنافس بقوة العديد من المدن الأوروبية التي يزورها العرب، إذ باتت قبلة للأثرياء والأمراء لقضاء عطلاتهم، مما ينعكس إيجاباً على الاقتصاد المصري من خلال ارتفاع إيرادات السياحة.

مشروع يؤتي ثماره

تضم المدينة مطاراً دولياً، مما يزيد الإقبال السياحي. وتحولت تلك المدينة من أرض صحراوية مليئة بالألغام منذ الحرب العالمية الثانية إلى مدينة عالمية تكنولوجية متكاملة من الجيل الرابع من المدن الذكية، تجذب إليها السياح من مختلف شرائحهم. ويتجاوز عدد الغرف الفندقية فيها 15 ألف غرفة، مما يعزز جاذبيتها كوجهة سياحية.

بعد مشروع رأس الحكمة بقيمة 35 مليار دولار، صفقة ضخمة بالشراكة مع "مجموعة طلعت مصطفى القابضة" لتطوير 23 مليون متر مربع في الساحل الشمالي، باستثمارات تبلغ 21 مليار دولار

وكانت الحكومة المصرية أطلقت مطلع عام 2018 مشروعاً لتطوير الساحل الشمالي الغربي، في النطاق الممتد من العلمين الى السلوم، بمسافة 500 كيلومتر. وجرى إنفاق استثمارات ضخمة لإنشاء العلمين الجديدة، بالإضافة إلى شبكة من الطرق والمحاور والقطارات لربط المنطقة بأنحاء البلاد كلها، مع استهداف استيعاب 34 مليون نسمة، وتوليد 11 مليون فرصة عمل وفق بيانات رسمية من الموقع الإلكتروني للرئاسة المصرية.

Shutterstock
مدينة العلمين الجديدة عند الساحل الشمالي لمصر.

كذلك أبرمت الحكومة المصرية، بعد صفقة رأس الحكمة مع الصندوق الإماراتي بقيمة 35 مليار دولار، صفقة ضخمة بالشراكة مع "مجموعة طلعت مصطفى القابضة" لتطوير 23 مليون متر مربع في الساحل الشمالي، باستثمارات إجمالية تبلغ 21 مليار دولار. وتهدف هذه الصفقة إلى إنشاء مشروع عالمي يحتوي على مارينا دولية كبيرة لليخوت والسفن السياحية في البحر المتوسط.

طفرة في أسعار العقارات في "العلمين الجديدة"

وتبلغ مساحة "العلمين الجديدة" 50 ألف فدان، بعمق يزيد على 60 كيلومتراً جنوب الشريط الساحلي، وتنقسم قطاعات سياحية، وتاريخية، وسكنية. وبينما تقع الشريحة السياحية الاستثمارية على ساحل البحر المتوسط، توجد الشريحة الاستثمارية جنوب طريق إسكندرية مطروح الدولي، والشريحة التاريخية تشمل مقابر العلمين التي تضم رفات جنود الحلفاء الذين قضوا خلال معركة العلمين عام 1942، وهي إحدى معارك الحرب العالمية الثانية، وشكلت تحولاً مفصلياً لصالح الحلفاء في مواجهة المحور.

يشمل القطاع السياحي في المدينة: منطقة بحيرة العلمين والفنادق، الحي السكني المتميز، حي حدائق العلمين، مرسى الفنارة، مركز المؤتمرات، المنطقة الترفيهية، الإسكان السياحي، ومنطقة المعارض

تشهد أسعار العقارات في العلمين الجديدة ارتفاعاً ملحوظاً، إذ باتت المدينة مقصداً سياحياً عالمياً بنمط وطابع مميز في "سياحة المدن الجديدة"، التي سبقتها العديد من الدول مثل المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات، وكوريا الجنوبية، وغيرها.

ويتكون القطاع السياحي في المدينة من مناطق عدة بينها: منطقة بحيرة العلمين (حي الفنادق)، ومركز المدينة، والحي السكني المتميز، وحي حدائق العلمين، ومرسى الفنارة، ومركز المؤتمرات، والمنطقة الترفيهية، والمركز الثقافي، والإسكان السياحي، وحي مساكن البحيرة، ومنطقة أرض المعارض. وتشمل المدينة أبراجاً شاطئية، وفيلات، وعمارات سكنية، إضافة إلى الخدمات التجارية والترفيهية التي تقدّم إلى السكان والزوار. 

كذلك تُعَدّ مدينة العلمين الجديدة إحدى مدن الجيل الرابع الذكية التي غيرت فعلا خريطة الساحل الشمالي، فهي ليست مجرد مدينة سياحية، بل سكنية تستقطب المواطنين طوال العام. وتُعتبَر سياحة المدن نمطاً سياحياً يضم العديد من الأنماط الفرعية مثل سياحة التسوق والمهرجانات. وتمتلك مدينة العلمين الجديدة المقومات كلّها لإنجاح هذا النمط، مما انعكس زيادة في مبيعات العقارات والاستثمارات في المدينة خلال السنوات الأخيرة، بفضل موقعها المتميز وتنوع المشاريع الاستثمارية فيها.

يتجاوز سعر المتر في الكبائن 8 آلاف دولار، في حين يستحوذ العرب على 35% من السوق. يُقدَّر إجمالي مبيعات أكبر 10 شركات عقارية في الساحل الشمالي بنحو 6,7 مليارات دولار في النصف الأول من 2024

شركة "ذا بورد كونسالتينغ"

كذلك، تتطوّر البنية التحتية في شكل كبير على طول الساحل الشمالي، مما يؤدي إلى زيادة إيرادات المدينة وجذب السياحة الداخلية والخارجية التي تخدم شرائح المجتمع كافة. وترتفع أسعار العقارات بصورة ملحوظة ليس في العلمين الجديدة فقط، بل في أنحاء مصر كلها. مثلاً، يتجاوز سعر المتر في الكبائن بالمدينة ثمانية ألف دولار، في حين يستحوذ العرب على 35 في المئة من السوق. ووفق دراسة أجرتها شركة "ذا بورد كونسالتينغ"، يُقدَّر إجمالي مبيعات أكبر 10 شركات عقارية في الساحل الشمالي بنحو 6,7 مليارات دولار في النصف الأول من السنة الجارية، مقارنة بـ3,6 مليارات دولار في الفترة نفسها من العام المنصرم.

السياحة المصرية تتحدى التوترات والنزاعات

تتحدّى السياحة المصرية التوترات الجيوسياسية في المنطقة وتحقق نمواً ملحوظاً. فقد ارتفعت إيرادات مصر من السياحة إلى 6,6 مليارات دولار خلال النصف الأول من عام 2024، وفق بيان صادر عن وزارة السياحة والآثار. وبلغ عدد السياح الوافدين في الفترة نفسها 7,1 ملايين سائح، مما يعكس استقراراً، مقارنة بالفترة نفسها من العام المنصرم. وتساهم السياحة بنسبة تصل إلى 15 في المئة من الناتج الاقتصادي لمصر، إلى جانب إيرادات قناة السويس، وتحويلات المصريين في الخارج، والصادرات.

Shutterstock

في هذا السياق، توقعت مؤسسة "فيتش سوليوشنز" أن تتجاوز عوائد السياحة المصرية 15 مليار دولار خلال السنة المالية الجديدة 2025-2024، ورجحت وصول عدد السائحين إلى 15,9 مليون سائح عام 2024، مدفوعاً بتراجع قيمة العملة المحلية وتعاظم جهود الدولة في الترويج للسياحة. ووفق تقرير "اتجاهات قطاع السفر 2024" الصادر عن "معهد ماستركارد للاقتصاد"، برزت القاهرة كواحدة من أكثر الوجهات شعبية عالمياً.

من المتوقع أن تتجاوز عوائد السياحة المصرية 15 مليار دولار خلال السنة المالية 2025-2024

مؤسسة "فيتش سوليوشنز"

وحقق مهرجان "العالم علمين" الذي استضافته العلمين الجديدة نجاحاً غير مسبوق، مما لفت أنظار العالم إلى هذه المنطقة الجذابة. ويجري الترويج للسياحة العربية والأجنبية والفن من خلال هذا المهرجان، مما ساعد في جذب العديد من السياح. 

وتتحوّل وجهات بعض السياح الآتين إلى مصر من زيارة المدن السياحية الواقعة على البحر الأحمر، مثل شرم الشيخ والغردقة، إلى المدن المطلة على البحر المتوسط، كالعلمين الجديدة والساحل الشمالي، نتيجة المخاوف المتعلقة بتصعيد الأوضاع في البحر الأحمر. ورفع بعض فنادق العلمين الجديدة شعار "كامل العدد" مع وصول نسبة إشغالها إلى 100 في المئة.

تُعتبَر مدينة العلمين الجديدة مشروعاً متكاملاً، فهي مدينة حديثة للمعيشة والاستثمار والترفيه، إلى جانب السياحة، إذ توفر الخدمات الأساسية كلها مثل التعليم والصحة ومراكز التسوق. وتتميز المدينة بالتنمية المستدامة، على عكس شرم الشيخ التي تعتمد في شكل أكبر على السياحة التقليدية المرتبطة بالبحر والرياضات المائية. وفي إطار تكامل الوجهات السياحية المصرية، لا يمكن اعتبار ساحل البحر الأحمر بديلاً أو منافساً لساحل البحر المتوسط، فكل منطقة لها خصوصيتها. مثلاً، تتميز شرم الشيخ والغردقة بالشعاب المرجانية والأنشطة البحرية التي تجذب السياحة الأجنبية، بينما يشتهر الساحل الشمالي بمياهه الفيروزية ورماله البيضاء.

الاستثمارات في رأس الحكمة إلى 110 مليارات دولار

وقبل أيام، شهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيره رئيس دولة الامارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، مراسم توقيع اتفاقات التعاون بين أول مجموعة من الشركاء والمستثمرين لتطوير وتمويل البنية التحتية لمشروع رأس الحكمة وتنميته على الساحل الشمالي الغربي في مصر، وتضمنت الاتفاقات الاستراتيجية العديد من مذكرات التفاهم في قطاع البنية التحتية مع شركة "طاقة" لاستكشاف فرص العمل لتطوير وتمويل وتشغيل مشاريع البنية التحتية، وشركة "إي اند مصر" لتصميم وتنفيذ البنية التحتية للمدينة الذكية بما في ذلك شبكات الاتصال الرقمي والألياف الضوئية والجيل الخامس (جي 5)، وشركة "أوراسكوم للإنشاءات" مقاولاً رئيساً للأعمال التمهيدية في مجال البناء. وأعلنت القابضة ADQ الإماراتية، تعيين مجموعة "مُدن القابضة" الإماراتية مطورا رئيسا لمشروع رأس الحكمة بالكامل.

كما ستتولى مسؤولية تطوير المرحلة الأولى من المدينة المزمع إنشاؤها والتي تبلغ مساحتها 50 مليون متر مربع، من أصل المساحة الإجمالية للمشروع البالغة 170 مليون متر مربع. وسيتم تطوير المساحة المتبقية البالغة 120 مليون متر مربع وفق المخطط العام الذي قدمته مُدن القابضة بالشراكة مع مطورين بارزين من مصر والإمارات والمجتمع الدولي/ ومن المتوقع أن تصل الاستثمارات التراكمية لمشروع رأس الحكمة إلى 110 مليارات دولار بحلول عام 2045، وسيساهم بدعم الناتج المحلي الإجمالي المصري 25 مليار دولار. ويعد المشروع ضمن أهم المشاريع الاستثمارية والتطويرية في المنطقة، ويمثل خطوة محورية نحو ترسيخ مكانة رأس الحكمة وجهة رائدة عالمياً. وكانت جرت مراسم توقيع اتفاقية تطوير المشروع بمدينة رأس الحكمة، بعد حصول شركة "القابضة" (ADQ) على حقوق المشروع في وقت سابق من عام  2024.

أصبحت المدينة مشابهة لمشاريع خضراء أخرى في مصر مثل شرم الشيخ والغردقة، كما أن إنشاء المدن الجديدة يساهم في تخفيف الكثافة السكانية في المدن الكبرى مثل القاهرة

الدكتورة إيمان عيد، أستاذة في اقتصادات النقل البحري

ويؤكد الدكتور ماجد عبد العظيم، الخبير العقاري، أن العلمين الجديدة "ستصبح مقصداً للسياحة الأجنبية بفضل التوسعات الترفيهية والمشاريع الاستثمارية التي تجري فيها". ولفت في حديث إلى "المجلة" إلى أن "المدينة تشهد بداية ازدهار في مجالات الترفيه والرياضة الدولية، وترتفع قيمة الأصول العقارية بشكل كبير نتيجة للاستثمارات الحكومية التي تجعل الساحل الشمالي وجهة دائمة طوال العام، وليس فقط في الصيف".

Shutterstock
مباني وأبراج مدينة العلمين الجديدة، في الساحل الشمالي، الإسكندرية، مصر

وفي السياق ذاته، أكدت الدكتورة إيمان عيد، أستاذة اقتصادات النقل البحري، أن العلمين الجديدة تُعَدّ من مدن الجيل الرابع الذكية، التي تراعي مبادئ الاستدامة واستخدام الطاقة المتجددة. وقالت لـ"المجلة": "أصبحت المدينة مشابهة لمشاريع خضراء أخرى في مصر مثل شرم الشيخ والغردقة"، مشيرة إلى "أن إنشاء المدن الجديدة يساهم في تخفيف الكثافة السكانية في المدن الكبرى مثل القاهرة، وذلك بفضل تحسين وسائل النقل التي تربط هذه المدن بمحيطها".

وأضافت عيد أن السياحة العقارية في العلمين الجديدة "تصبح عاملاً أساسياً في جذب السياح والمستثمرين، إذ تقدر الثروة العقارية للمدينة بما يتجاوز 158 مليار جنيه (3,25 مليارات دولار)، ما بين أبراج سكنية وتجارية، مما يساهم في زيادة الاستثمار السياحي والعقاري على غرار مدن مثل دبي وسنغافورة".

font change

مقالات ذات صلة